مذابح المناجل.. فرنسا تفتح أرشيفها الرئاسي بشأن الإبادة الجماعية في رواندا

عظام الضحايا التي تم استردادها من الحفر التي تم استخدامها كقبر جماعي خلال 1994 في الإبادة الجماعية الرواندية

قضت المحكمة الإدارية العليا في فرنسا بإمكانية إطلاع الباحثين على أرشيف الرئيس الأسبق فرانسوا ميتران حول الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 في خطوة لتخفيف التوتر بين باريس وكيغالي.

ويسعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى تحسين العلاقات مع كيغالي، وعين في العام الماضي باحثين لإجراء تحقيق يستمر عامين في دور الجيش الفرنسي خلال الإبادة الجماعية.

ويتهم الرئيس الرواندي بول كاجامي فرنسا بالتواطؤ في إراقة الدماء عندما قتلت مليشيات الهوتو نحو 800 ألف من التوتسي والهوتو المعتدلين.

وأعلنت المحكمة، الجمعة، السماح للباحث الفرنسي فرانسوا جرانر، بالوصول إلى الأرشيف، وذكرت المحكمة في بيانها، إلى ضرورة إحداث توازن بين الحفاظ على أسرار الدولة وإطلاع الرأي العام الفرنسي على الحقائق.

ودعت المحكمة وزارة الثقافة الفرنسية، لفتح الأرشيف المتعلق بالرئيس ميتران أمام الباحث جرانر، في غضون ثلاثة أشهر، مشيرة إلى أن الأخير لديه مبرراته القانونية لذلك.

واشتكى الباحثون من أنه لم يظهر إلى العلن حتى الآن سوى قسم صغير من الوثائق الفرنسية المصنفة على أنها سرية ويقولون إنه لم يتم حتى الآن استخلاص رواية نهائية للدور الذي لعبته باريس.

وقال مجلس الدولة في بيان إن المحفوظات الرئاسية تصنف عادة على أنها سرية لمدة 60 عاما بعد توقيعها، ولكن في ظروف معينة، على سبيل المثال عندما تقتضي ضرورات المصلحة العامة، يمكن نشرها في وقت أبكر من هذا.

وتمثل ملاحظات مستشاري الرئيس ومحاضر اجتماعات الحكومة جزءا من الأرشيف.

وحكمت المحكمة بأن للأكاديمي مصلحة مشروعة في الاستعانة بالمحفوظات للمساهمة في بحثه التاريخي بعد أن رفضت وزارة الثقافة الفرنسية السماح بذلك.

وبالمقابل اعتبر محامي الباحث، باتريس سبينوسي، قرار المحكمة بمثابة “نصر”، قائلاً: “من الآن فصاعدا الباحثون من أمثال غرانر، سيصلون إلى الأرشيف المتعلق بالرئيس فرانسوا ميتران بين عامي 1994 و1995، من أجل تسليط الضوء على دور فرنسا في مذابح رواندا”.

وكان ميتران رئيسا للبلاد من 1981 حتى 1995.

لوحة تصور 10 جنود بلجيكيين من حفظة السلام التابعين للأمم المتحدة قتلوا خلال الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994

وكانت المحكمة الدستورية الفرنسية رفضت في أيلول/سبتمبر 2017 الوصول إلى الأرشيف المذكور.

وفي مقابلة مع وكالة الأناضول نهاية مايو/أيار الماضي أكد جرانر مؤلف كتاب “الدولة الفرنسية والإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا” أن الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، عمل على محاولة تغييب دور الدولة الفرنسية في الجرائم ضد الإنسانية بأفريقيا، رغم أن باريس دعمت بشكل كامل، النظام الذي ارتكب الإبادة الجماعية من دون أي قلق بشأن العواقب.

وأوضح أن الدولة الفرنسية قدمت جميع أشكال الدعم العسكري والسياسي لأولئك الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية في رواندا، وقد تحقق هذا الدعم من خلال إرسال المرتزقة والأسلحة بغطاء دبلوماسي وإعلامي.

وذكر غجرانر أنه يناضل من أجل اعتراف فرنسا بدورها في الإبادة الجماعية رسمياً، وتقديم المسؤولين للمحاكمة.

ويواصل الروانديون إلى اليوم مساعي ملاحقة ومحاكمة المسؤولين عن تلك المجازر، كما يحملون جزءا من المسؤولية لفرنسا وبلجيكا لتقاعسهما في منع الإبادة.

وفي حين أقرت باريس بأخطاء في تعاملها مع رواندا، فإنها رفضت مرارا الاتهامات بأنها دربت مليشيات على المشاركة في المجزرة.

ومع ذلك، اعترف الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي خلال زيارة لرواندا عام 2010 بأن فرنسا ارتكبت “خطأً فادحا في التقدير، وكأن غشاوة غطت على العيون، فلم نتوقع أبعاد الإبادة الجماعية”.

وفي 6 من أبريل/نيسان 1994، وبعد نحو ساعة من سقوط طائرة الرئيس الرواندي آنذاك “جوفينال هابياريمانا” والذي ينتمي للهوتو، بدأت عمليات الإبادة بحق جماعة التوتسي.

ولعبت إذاعة “RTLM” الهوتية دورا كبيرا في نشر الكراهية وتأجيج عمليات الإبادة، من خلال وصفها التوتسيين بـ”الصراصير”، ودعوتها للتخلص منهم وقتلهم.

كما أدى انسحاب قوات الأمم المتحدة من البلاد خلال المجازر، واستمرار فرنسا في تقديم الأسلحة للهوتو، إلى نقل عملية الإبادة إلى أبعاد يصعب تصديقها.

حيث شنّ قادة متطرفون في قبيلة “الهوتو” التي تمثل الأغلبية في رواندا حملة إبادة ضد الأقلية من قبيلة “التوتسي”.

وخلال فترة لا تتجاوز 100 يوم، قُتل ما يربو على المليون شخص، وتعرضت مئات الآلاف من النساء للاغتصاب، وكانت غالبية الضحايا من قبيلة “التوتسي”.

وانتهت أعمال العنف عندما تمكنت “الجبهة الوطنية الرواندية”، وهي قوة ذات قيادة توتسية، من طرد المتطرفين وحكومتهم المؤقتة المؤيدة للإبادة إلى خارج البلاد.

المصدر : الجزيرة مباشر + وكالات