وداعا للكلمات المفتاحية.. الذكاء الاصطناعي يُدخل محركات البحث الإلكترونية عصرا جديدا

سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي" (رويترز)

لطالما ظلت محركات البحث عبر الإنترنت التي تسيطر عليها “غوغل” أداة يستخدمها الجميع في حياتهم اليومية، ولم تشهد أي تغييرات مهمة منذ إطلاقها قبل 25 عامًا، لكن طفرة الذكاء الاصطناعي ربما سيكون لها رأي آخر.

فالتطور في هذا المجال يبدو متسارعًا إلى درجة أن عمليات البحث المعتادة بالكلمات المفتاحية وقوائم الروابط الإلكترونية التي تحيل إليها، باتت قديمة مقارنة مع الأحاديث التي يجريها ملايين الأشخاص مع واجهات الذكاء الاصطناعي مثل (تشات جي بي تي) و(بارد).

ويقول مدير المنتجات لدى (سوفتوير إيه جي) ستيفان سيغ إن “الناس بدأوا يدركون إلى أي مدى يستخدمون غوغل، ليس للبحث عن مواقع إلكترونية، بل للرد على أسئلة يطرحونها”.

وقد أطلقت مايكروسوفت هذا المسار من خلال إدماج روبوت المحادثة على نموذج (تشات جي بي تي) بمحركها البحثي (بينغ).

محرك البحث الجديد “بينغ” يُجري محادثات “غريبة” و”مخيفة” مع بعض المستخدمين (رويترز)

وصممت مايكروسوفت (بينغ) بمساعدة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من شركة “أوبن إيه آي” (OpenAI) الناشئة في سان فرانسيسكو، بحيث يُنتج فقرات ونصوصًا كاملة تُقرأ كما لو كان كتبها إنسان.

وفي إمكان محرك (بينغ) بنسخته الجديدة التي أتيحت لعامة المستخدمين بدءًا من الأسبوع الماضي بعد فترة تجريبية استمرت ثلاثة أشهر، الرد مباشرة على أسئلة المستخدمين، مع تقديم ملخص وافٍ عن المعلومات المتوافرة، تتبعه روابط وأفكار مقترحة للتحادث مباشرة مع روبوت الدردشة.

ويمكن لهذا الروبوت وضع جداول مقارنة بين منتجين، أو اقتراح مخطط للأنشطة، أو صياغة تقويم أو المساعدة في التحضير لمقابلة عمل، على سبيل المثال.

وداعًا للكلمات المفتاحية

وقالت نائبة رئيس غوغل لشؤون الهندسة كايثي إدواردز، الأربعاء، إن المستخدمين لم يعودوا بحاجة إلى وضع كلمات مفتاحية خلال عمليات البحث، إذ سيتولى محرك البحث “جلّ العمل نيابة عنكم”.

وقدّمت كايثي الشكل الجديد للمنصة المركزية عبر الإنترنت، والشبيهة بتلك العائدة لمنافستها مايكروسوفت، إذ تقوم الإجابات المقدَّمة من النظام الآلي على بضعة مقاطع مكتوبة، مع إمكان تحديد النتائج بدقة أكبر مع أسئلة إضافية.

هذه النسخة من محرك البحث التابع لغوغل، المدعمة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، ستتاح تدريجيًّا للمستخدمين في الولايات المتحدة في بادئ الأمر.

 

وأوضحت نائبة رئيس غوغل المكلفة بمحرك البحث إليزابيث ريد لوكالة الصحافة الفرنسية “نحاول جعل العملية طبيعية وفطرية أكثر، لتكون بالسهولة ذاتها لطرح سؤال على صديق يتمتع بخبرة في المجالات كافة”.

وقد بدأت الشركتان العملاقتان في قطاع التكنولوجيا بإضافة أدوات إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي في خدماتها المختلفة، من الحوسبة السحابية إلى الأدوات المكتبية، لجعل روبوتات الدردشة هذه بمثابة (الملّاح) في سباقات السيارات، وفق التعبير المستخدَم من مايكروسوفت.

ويوضح الكاتب جون باتيل، صاحب المشروعات في مجال الإعلام، أن “البحث سيُجزّأ إلى مليون جزء، وسيُدمج في واجهات عدة بعيدًا عن حصره في هذا الموقع المركزي الأحادي الذي أصبح عليه غوغل”.

لكن بينما يتفاعل كل موقع إلكتروني وتطبيق مع المستخدمين والمستهلكين من خلال روبوت دردشة يتمتع بقدرة على الحديث كإنسان محترف ومقنع، ستزداد صعوبة التمييز بين الصالح والطالح من النتائج. ويقول جون باتيل “هل ستثقون بعميل في وكالة سفر إلكترونية ليقدّم الخيار الأفضل لكم؟ كلّا”.

ويضيف “من هنا، ثمة حاجة لأن أجد ‘عبقريًّا’ خاصًّا بي، يكون مساعدي الشخصي، للتفاوض مع الخدمات. فإذا كانت المواجهة بيني وبين الذكاء الاصطناعي حصرًا، فسأخرج خاسرًا”.

صديق افتراضي

وتتيح (ريبليكا) و(أنيما) وخدمات أخرى بالفعل أنظمة “مرافقة” قائمة على الذكاء الاصطناعي، على شكل روبوتات محادثة تعمل كأصدقاء افتراضيين.

لكن جون باتيل يحلم بأن يكون لديه “عبقري” يجمع معلومات في كل مكان على هاتفه الذكي وجهاز الكمبيوتر الخاص به والتلفزيون وسيارته، للإجابة على أسئلته وتنفيذ المهام التي يحتاج إليها.

ومن بين هذه المهام مثلًا، شراء أفضل مكنسة كهربائية بناءً على الذوق الشخصي والعادات الاستهلاكية والعروض الترويجية الحالية، بعد محادثة قصيرة، بدلًا من إجراء بحث طويل وشاق عبر الإنترنت.

مثل هذه النماذج اللغوية المدربة على البيانات الشخصية، ستؤتي ثمارها بالضرورة لضمان سرية هذه المعلومات التي تُستخدم حاليًّا لاستهداف مستخدمي الإنترنت بالإعلانات.

ويقول أستاذ التسويق في كلية كيلوغ للإدارة جيم ليسينسكي، إن غوغل لن تختفي في المستقبل القريب. ويستذكر قائلًا “قبل 4 سنوات، مع وصول أدوات المساعدة الصوتية، غوغل وأليكسا (من أمازون) وسيري (من آبل)، اعتقدنا أن الناس لن يتحدثوا إلا مع الآلات”.

ومع ذلك، فإن ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يدفع إلى إعادة النظر في النموذج الاقتصادي للإنترنت، لأنه يمكن أن يسمح للمستخدمين بالعثور على المنتج الذي يريدونه “من دون الحاجة إلى النقر فوق إعلان”، حسب جيم ليسينسكي. لكنه يبدي ثقة، في الوقت ذاته، بأن الشركات المعنية ستجد حلولًا لذلك.

وفي النموذج الجديد الذي قدمته غوغل الأربعاء، لا تزال الإنترنت موجودة، سواء في طليعة النتائج أو في الأسفل، اعتمادًا على السؤال المطروح. وتقول إليزابيث ريد “لا يمكننا التنبؤ بالمستقبل، لكنني أعتقد أن الإعلانات ستستمر في أداء دور حيوي”.

المصدر : الفرنسية