“التهمة.. حيازة كاميرا”.. كتاب يوثق تجربة اعتقال الزميل محمد بدر

“كنت وأنا في أكثر لحظات حياتي تشاؤمًا، لا أتخيل نفسي أحد نزلاء “سجن طرة” شديد الحراسة (العقرب)، وبتوفيق من الله وحده اجتزت هذه الأيام البائسة، وحوّلت محنتي إلى منحة بالقراءة، وإشغال الوقت في تنمية نفسي دينيًا وثقافيًا، لا سيما أن هناك متسعًا من الوقت لا يتوفر في الحياة الخارجية. إن هذه التجربة رغم قسوتها، قد أضافت إلى رصيد خبراتي الحياتية، هذه الخبرة والثقافة الجديدة في السجن أطلقت عليها: “منحة الظالم للمظلوم”.
هكذا عبّر الزميل محمد بدر، عن مشاعره تجاه تجربة اعتقاله في السجون المصرية قبل 9 سنوات، التي وثقها في كتاب (التهمة.. حيازة كاميرا)، الذي صدر أخيرًا عن مكتبة الأسرة العربية في إسطنبول.
يستعرض الكتاب، الذي كتب مقدمته الأستاذ أيمن جاب الله، مؤسس ومدير قناتي “الجزيرة مباشر” و”الجزيرة مباشر مصر”، قصة التحاق محمد بدر بالعمل مصورًا في قناة الجزيرة مباشر مصر، والإنجازات المهنية التي حققها أثناء تغطية الأحداث الميدانية في مصر بعد ثورة يناير، وحتى 2013.
ويحكي بدر في فصول تالية تجربة اعتقاله أثناء تغطيته الميدانية بميدان رمسيس في 15 يوليو/تموز 2013، التي تضمنت تعرضه لانتهاكات عديدة، شملت الاعتداء بالضرب أكثر من مرة، وإغلاق الزنازين لأيام دون السماح للمعتقلين بالخروج منها، فضلًا عن التعسف في تقديم الرعاية الطبية، وغيرها من الانتهاكات التي يكشف عنها بدر بالتفصيل في الكتاب الذي لم يسلط الضوء على معاناة صاحبه فقط، بل امتدت الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون كافة.
في مقدمته للكتاب، يصف أيمن جاب الله مدير قناة “الجزيرة مباشر” شهادة محمد بدر عن اعتقاله، وكلماته التي كتبها في أثناء غيابه خلف القضبان قائلًا “أعادتني رسالة محمد بدر إلى العديد من تجارب الكفاح الصحفي التي كنت شاهدًا عليها، تكللت بعض هذه التجارب بالنهايات السارة، مثل تيسير علوني، وسامي الحاج، في حين اتشح بعضها الآخر بملابس الحداد، حين قُتلت أطوار بهجت، وطارق أيوب، وعلي الخطيب، وعلي عبد العزيز، على اختلاف القنوات والحقب”.
وأضاف واصفًا عنوان الكتاب، بأنه “موفق للغاية من المناضل محمد بدر، بطل هذه المأساة، والمبدع أسامة الرشيدي الذي تطوع بإعادة صياغة التجربة العبثية المؤلمة التي خاضها محمد”، مؤكدًا أن هذه التهمة (حيازة كاميرا) لم تكن تهمة بدر وحده، “بل هي تهمة القناة التي عمل فيها (الجزيرة مباشر مصر)، وهي التهمة ذاتها التي التصقت وستلتصق بكل من يسعى إلى نقل الحقيقة في ظل نظام قمعي أيًا كانت جغرافيته، فالديكتاتورية عمادها القمع، والصحافة عمودها الحرية، وسيظل هذا التدافع بين الصحافة والديكتاتورية عبر الصراع بين أدوات القمع وموجات الحرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”.
من جهته، أشار محرر الكتاب، الزميل الصحفي أسامة الرشيدي، إلى أن ذكريات محمد بدر تميزت بصراحتها الشديدة وتلقائيتها، إذ لم يخجل صاحبها من ذكر أنواع الإهانات التي تلقاها خلال تجربة سجنه، وعن الضغوط العنيفة التي تعرض لها حتى يتنازل عن حقه عندما تقدم بشكوى ضد أحد الضباط، وعن اضطراره للتنازل عنها بعد ذلك، وكذلك مشاعر الخوف التي انتابته في أكثر من مناسبة أثناء التجربة، وهي مشاعر لم يتردد في الكشف والحديث عنها بكل شفافية.
لم تكن تجربة اعتقال الزميل محمد بدر الأخيرة التي يتعرض لها صحفيو الجزيرة في مصر، فقد اعتقلت السلطات المصرية عددًا من الزملاء العاملين في الشبكة على مدار السنوات الماضية، منهم عبد الله الشامي مراسل قناة الجزيرة، و3 صحفيين من الجزيرة الإنجليزية، فضلًا عن الزميل محمود حسين مراسل قناة الجزيرة، والزميل أحمد النجدي الصحفي في الجزيرة مباشر، والذي أفرج عنه في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد اعتقاله لعامين.
ولا تزال السلطات المصرية تحتجز 3 صحفيين من الجزيرة مباشر، هم هشام عبد العزيز المعتقل منذ يونيو/حزيران 2019، وبهاء الدين إبراهيم، المعتقل منذ فبراير/شباط 2020، وربيع الشيخ، المعتقل منذ أغسطس/آب 2021، وقد طالبت شبكة الجزيرة الإعلامية السلطات المصرية مرارًا بالإفراج الفوري عن الزملاء الثلاثة المعتقلين، وتتابع قضيتهم من أجل إطلاق سراحهم.
يذكر أن الزميل محمد بدر عمل صحفيًا بعد تخرجه مباشرة لمدة 3 سنوات في صحف مصرية، قبل التحاقه بقناة الجزيرة مباشر مصر عام 2011، وقد شارك في تغطية العشرات من الأحداث الميدانية في مصر، بالإضافة لجميع الاستحقاقات الانتخابية حتى عام 2013. ويعمل حاليًا في غرفة الأخبار بقناة الجزيرة مباشر.
أما الزميل أسامة الرشيدي، فعمل في مجال إنتاج الأفلام والبرامج الوثائقية، قبل التحاقه بالعمل في شبكة الجزيرة عام 2014، كما حصل على درجة الماجستير في الإعلام عام 2017، ونشر كتابًا عن الإعلام المصري بعد ثورة يناير، ودراسات أخرى في مجالات علمية محكمة، ويعمل حاليًا في القطاع الرقمي بشبكة الجزيرة الإعلامية.