الكشف عن أسرار جديدة في عملية التحنيط لدى المصريين القدماء

سقارة تحنيط
أوانٍ عثر عليها في الورشة (وزارة الآثار المصرية)

قالت دراسة حديثة نشرتها دورية “نيتشر” العلمية أن تحليلا جديدا لحاويات عثر عليها في ورشة للتحنيط يتخطى عمرها 2500 عام، كشف أن المصريين القدماء استخدموا مجموعة من المكونات الغريبة بعضها مستورد من أماكن بعيدة مثل جنوب شرق آسيا لتحنيط موتاهم.

وكشف الباحثون عن نتائج فحوص كيميائية حيوية لواحد وثلاثين إناء من الخزف كانت تحوي مواد تحنيط في موقع سقارة الغني بالآثار قرب القاهرة.

واعتبر المصريون القدماء حفظ الجسد بعد الموت أمرا ضروريا ليعبر إلى العالم الآخر. وقبل تكفين الجسد، كانت توضع مواد عديدة، من بينها 12 مادة تقريبا توصلت إليها هذه الدراسة، لحفظ أنسجة الجسد ومنع الرائحة الكريهة الناجمة عن تحلله وذلك قبل وقت طويل من أي فهم لعلم الأحياء الدقيقة.

وكلّ ما تمكن العلم من الوصول إليه خلال القرنين المنصرمين هو التكهن بشأن مكونات تحنيط معينة مذكورة في نصوص عتيقة. ولكن هذه الورشة حوت مجموعة من الأواني نقشت عليها أسماء عتيقة للمحتويات تضمنت أحيانا تعليمات مثل “للوضع على رأسه”، كما حلل العلماء بقايا مواد كيميائية في الأواني.

واكتشف العالم المصري الراحل رمضان حسين هذه الورشة قبل أعوام قرب أطلال هرم أوناس وهرم زوسر المدرج.

وقال عالم الآثار وكبير الباحثين في الدراسة فيليب ستوكهامر من جامعة لودفيغ ماكسيميليان الألمانية إن “أغلب المواد كانت من خارج مصر”.

وجاء الكثير من المواد من منطقة شرق البحر المتوسط ومنها زيت الأَرْز وزيت قطران العرعر والسرو والقار وزيت الزيتون. ولكن المفاجأة الحقيقية هي وجود مواد مصدرها على ما يبدو غابات في جنوب شرق آسيا على بعد آلاف الأميال من مصر. كما تم العثور على صمغ من شجرة “الدَمَّر”، التي تنمو فقط بالمنطقة الاستوائية في جنوب شرق آسيا، وصمغ من شجرة “إيليمي” التي مصدرها جنوب شرق آسيا أو أفريقيا الاستوائية.

وقال ستوكهامر “يشير هذا إلى أنه كان يتاجر في هذه الأنواع من الصمغ عبر مسافات هائلة وأن التحنيط المصري كان، بطريقة ما، محفزا لعولمة وتجارة عالمية مبكرتين”.

وقال محمود بهجت، وهو عالم في الكيمياء الحيوية من المركز القومي للبحوث في القاهرة شارك في إعداد الدراسة، إن التحنيط كان يُنفذ بطريقة جيدة التنظيم ومؤسسية.

ويعود تاريخ الورشة إلى الأسرة السادسة والعشرين المصرية، أو العصر الصاوي، من عام 664 إلى 525 قبل الميلاد في وقت النفوذ الأشوري والفارسي وضعف النفوذ المصري.

وكان هذا بعد ألفي عام من بناء أهرامات الجيزة خلال حقبة المملكة القديمة وبعد ستة قرون من حكم الفرعون توت عنخ آمون، الذي عُثر على موميائه وأغراضه الجنائزية الرائعة عام 1922، والذي حكم خلال حقبة المملكة الحديثة.

وكان الوصول إلى ورشة التحنيط الموجودة تحت الأرض يتم من خلال فتحة بعمق 12 مترا.

وقال ماكسيم راجيوت وهو متخصص في علم آثار الجزيئات الحيوية بجامعة توبنغن في ألمانيا الذي شارك في إعداد الدراسة: “أجريت دراسات لا تُحصى عن التحنيط المصري، ولكن افتقارنا إلى معرفة المواد وراء الأسماء المختلفة والافتقار إلى أي توصيفات عملية عرقل أي إلمام أكبر بالأمر… الآن يمكننا تقديم إجابات”.

وكان أحد مكونات التحنيط المُسمى “أنتيو” في النصوص العتيقة يُترجم إلى صمغ اللبان أو المر. لكن هذه الدراسة كشفت أنه خليط من زيت الأُرْز وزيت العرعر والسرو والدهون الحيوانية.

وجرى التعرف على ثلاث وصفات، بها مكونات مثل صمغ “إيليمي” وصمغ شجرة الفستق ومنتجات ثانوية من العرعر أو السرو وشمع العسل، كانت تُستخدم في تحنيط الرأس. وكانت تُستخدم وصفات أخرى لتنعيم البشرة أو تنظيف الجسد.

وقال ستوكهامر: “علموا كيفية اختيار المواد المضادة للميكروبات ومزجها، مما مكن من الحفظ المثالي للبشرة”.

وقالت سوزان بيك عالمة المصريات بجامعة توبنغن المشاركة في الدراسة “لا تزال هناك أسرار لتُكشف. وبفضل الأساليب الحديثة، من الممكن تسليط ضوء جديد على جوانب معينة، ليس باستخدام الاكتشافات الجديدة مثل الآنية القادمة من سقارة فحسب، ولكن أيضا بأدوات مخزنة في المتاحف والمجموعات (الأثرية)”.

المصدر : رويترز