صيام أول رجب.. ما حكمه؟ وبماذا يخبرنا العلماء عنه؟

مسلمون يؤدون الصلاة في مسجد (الأناضول)

يترقب المسلم أيامًا من السنة يتقرب فيها إلى الله بالعبادات والأعمال الصالحة، ومنها الأشهر الحُرم، التي يوافق اليوم الاثنين، أول يوم من أحدها ألا وهو شهر رجب.

ويخص عدد من المسلمين أول أيام رجب بالصيام، إلا أن الأمر حوله اختلاف كبير بين من يُجيز ذلك ومن يفتي بأنه مستحب ومن يراه أنه مكروه.

وفي حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال “قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”. رواه النسائي وأحمد.

ولم يثبت لشهر رجب من الخصوصية غير ما ثبت لغيره من الأشهر الحرم، التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} (التوبة: 36).

والأشهر الحرم تأتي ثلاثة منها متوالية هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، أما رجب فيأتي منفردًا عنها ومتقدمًا عليها، وسميت حرمًا لأن الظلم والمعاصي فيها أشد حرمة من غيرها ولتحريم الاقتتال فيها.

ويعد بعض العلماء “صيام رجب مكروهًا” لأنه من سنة الجاهلية، وقد صرح كثير من أهل العلم بكراهته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام رجب، بحسب موقع الإمام ابن باز.

وقد كان أهل الجاهلية يسمون شهر رجب مُنصّل الأسنّة كما جاء عن أبي رجاء العطاردي قال “كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرا هو أخيرُ منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جثوة (كومة من تراب) ثم جئنا بالشاة فحلبناها عليه ثم طفنا به فإذا دخل شهر رجب قلنا مُنصّل الأسنة فلا ندع رمحا فيه حديدة ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه في شهر رجب” (رواه البخاري).

وقال البيهقي: كان أهل الجاهلية يعظّمون هذه الأشهر الحرم وخاصة شهرَ رجب فكانوا لا يقاتلون فيه.

دون تخصيص

وجاء في موقع “الإمام ابن باز” أنه إذا صام المسلم الاثنين أو الخميس أو ثلاثة أيام منه، فإن ذلك لا يضر، أما تعمّدُ صيامه خارج الأيام المستحب صومها فهو مكروه.

وصيام الاثنين والخميس في السنة كلها -ومنها شهر رجب- سنّة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان صيام الاثنين أثبت من يوم الخميس، ما لم يقصد الصائم بصيامهما تعظيم شهر رجب. فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم الاثنين فقال “فيه ولدتُ، وفيه أُنزل عليَّ”، رواه مسلم.

ونقل الموقع عن عدد من العلماء أن “من صامه معظّما إياه، أو اعتقد أن صيامه أفضل من غيره كان مبتدعًا، معظمًا له من عند نفسه، دون أن يكون له سند في ذلك من كتاب أو سنة”.

وورد عن سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه كان ينهى عن صيام رجب لما فيه من التشبه بالجاهلية كما ورد عن خرشة بن الحر قال “رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويقول: كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية”. صححه الشيخ الألباني في الإرواء.

وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية الدكتور محمد عبد السميع، أمس الأحد “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رجب من الأشهر الحُرم، وتكلم عن فضل شهر رجب وأنه يُستجاب في أول ليلة منه الدعاء، لكن ليس هناك أمر مباشر بالصيام في أول يوم”.

وأوضح أمين الفتوى في بث مباشر، أن صلى الله عليه وسلم قال لمن سأله عن الصيام المستحب “صم من الحرم واترك”، “أي أن صيام أول يوم من رجب هناك نصوص عامة يدخل فيها هذا اليوم وليس هناك نص بخصوصه، فمثلًا لو صادف أول يوم رجب يوم الخميس فهو يوم يُستحب فيه الصيام كما ورد عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم”.

صيام الشهر كله

قال الإمام ابن القيم “لم يصم صلى الله عليه وسلم الثلاثة الأشهر سردا (أي رجب وشعبان ورمضان) كما يفعله بعض الناس ولا صام رجبًا قط ولا استحب صيامه”.

وقال الحافظ ابن حجر في تبين العجب بما ورد في فضل رجب “لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معيّن ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ وكذلك رويناه عن غيره”.

وفي صحيح مسلم أن عثمان بن حكيم الأنصاري قال “سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب؟ ونحن يومئذ في رجب فقال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم”.

وفي بحث نشره الباحث في الفقه الإسلامي وأصوله الدكتور عبد الحميد المحيمد، أورد عن العلامة الشوكاني، أن ظاهر قوله في حديث أسامة “إن شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان” أنه يستحب صوم رجب؛ لأن الظاهر أن المراد أنهم يغفلون عن تعظيم شعبان بالصوم كما يعظمون رمضان ورجبًا به.

ويحتمل أن المراد غفلتهم عن تعظيم شعبان بصومه كما يعظمون رجبًا بنحر النحائر فيه، فإنه كان يعظم ذلك عند الجاهلية وينحرون فيه العتيرة كما ثبت في الحديث، والظاهر الأول.

وأفاد أن المراد بالناس الصحابة، فإن الشارع قد كان إذ ذاك محا آثار الجاهلية، ولكن غايته التقرير لهم على صومه، وهو لا يفيد زيادة على الجواز”. (نيل الأوطار: ٤/ ٢٩٢).

غير أن هذا الاستدلال لا ينهض للاحتجاج على استحباب الصوم أو ندبه بل هو يصور حالة قائمة أراد النبي صلى الله عليه وسلم صرف الناس إلى ما هو أفضل منها وهو الاجتهاد في شعبان.

ووقف على أن سنة النبي صلى الصريحة مقدمة على غيرها من الأعراف والعادات.

بدع شهر رجب

ومن البدع المنكرة في رجب صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من رجب، وقال النووي رحمه الله -عن صلاة الرغائب وصلاة ليلة النصف من شعبان “هما بدعتان مذمومتان منكرتان، وأشدهما ذمًّا الرغائب لما فِيهَا من التَّغْيِير لصفات الصَّلَاة، ولتخصيص ليلة الجمعة والحديث المَروي فِيها باطل، شَدِيد الضعْف، أَو مَوْضُوع” (خلاصة الأحكام ٢/ ٦١٦).

ومن البدع أيضًا تخصيص ليلة 27 من رجب بصيام أو قيام أو الجزم بأنها ليلة الإسراء والمعراج لأنها ليلة مختلف في تحديدها ولا خصوصية للعبادة فيها.

كذلك لا يوجد دليل على خصوصية العمرة في شهر رجب، إذ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك، وقد استحب بعض السلف ذلك، فكانوا يعتمرون في رجب، أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن سعيد بن المسيب قال: كانت عائشة رضي الله عنها تعتمر في آخر ذي الحجة، وتعتمر من المدينة في رجب تهل من ذي الحليفة.

المصدر : الجزيرة مباشر + مواقع إلكترونية