هل تشترك اللغات البشرية في القواعد النحوية نفسها.. ولماذا؟

تتبع تطور اللغة لآلاف السنين ليس بالمهمة السهلة (غيتي)

هناك حوالي 7000 لغة بشرية نعرفها في جميع أنحاء العالم، وعلى الرغم من كونها فريدة فإنها أيضًا أكثر تشابهًا ما قد ندركه، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقواعد، أو بالطريقة التي يمكن بها تكوين الجمل واستخدامها.

يفترض اللغويون أن التشابه قد يكون بسبب ميول وراثية معينة أو ربما يرجع ذلك إلى القدرات المعرفية التي يشترك فيها جميع البشر مثل مرور الوقت الذي يمكننا من تطوير الأزمنة الماضية والمستقبلية.

تكمن مشكلة هذه الروايات في أنها لا تستطيع سوى شرح جزء من أوجه التشابه النحوي للغات العالم وأيضًا أنها لا تشرح مصدر القواعد النحوية.

وقدمت دراسة جديدة سببا مختلفا عن الأسباب المعرفية الشائعة وراء القواعد المشتركة للعديد للغات في العالم.

وفي ورقة بحثية جديدة نُشرت مؤخرًا في مجلة “الحدود في الاتصال”  اقترح اللغويان ستيف سبرونك ودانيلا كاساتريلا من جامعة هلسنكي نظرية جديدة جذرية ترجع أوجه التشابه النحوية هذه إلى الطريقة التي يتحدث بها البشر عن اللغة.

ولاحظ المؤلفون أنه في العديد من اللغات يمكن للجمل التي تعكس كلام الناس أو أفكارهم تطوير معاني جديدة تشبه إلى حد بعيد الفئات النحوية.

ويقول اللغوي سبرونك: “في العديد من اللغات، يمكن أن يؤدي الكلام المبلغ عنه – الجمل التي تنقل ما قاله شخص ما بشكل غير مباشر – إلى معان جديدة تتناسب مع فئات نحوية معينة”.

ويقدم سبرونك، مثالا على الكلام المبلغ عنه وتأثيره في تشابه القواعد، إذ يوضح أنه عندما يقول أحدهم “سوف أذهب”، يمكن أن تعني أيضًا “ربما يذهب ” أو “هو على وشك الذهاب” بلغات معينة، هذه الإضافات أو التفسيرات اللغوية ليست تماما ما قاله المتكلم إنما مشتقة منه.

كل من هذه التفسيرات ليس لها علاقة واضحة بمعنى الكلام المبلغ عنه ولكنها تستخدم بنية الجملة المستمدة من الكلام المبلغ عنه.

المعاني المرتبطة بهذه التفسيرات غير الكلامية للكلام المبلغ عنه تتوافق مع الفئات النحوية الشائعة في لغات العالم، والتي يسميها اللغويون “الجانب” و “الطريقة” و “الموضوع” وغيرها.

ويقول سبرونك: “هذا الامتداد للمعنى الذي كان واضحا في المثال السابق، والموجود في لغات معينة عند استخدام الكلام المبلغ عنه، يمكن مطابقته مع التركيبات النحوية مثل الجانب: “كيف يمتد شيء ما بمرور الوقت”، والطريقة: “مناقشة المواقف المحتملة”، والموضوع: “ما يتم الحديث عنه”.

لذلك يبدو أن فهمنا الجماعي للقواعد قد يكون قد نشأ عن الطريقة التي نتحدث بها عن الأشخاص الآخرين.

من المحتمل أن تترك ظاهرة أساسية جدًا للوجود البشري أثرها على اللغات (غيتي)

وباستخدام عينة من 100 لغة، وجد الباحثون أن الكلام المبلغ عنه موجود في جميع القارات الرئيسية ويحدث بشكل مستقل عن العائلات اللغوية أو مناطق الاتصال.

ويقول سبرونك: “يتحدث البشر دائمًا عن أفكار وتصريحات الآخرين منذ اللحظة الأولى التي نتعلم فيها الكلام. إنها تحدد ثقافاتنا الطريقة التي نرى بها العالم ومن نثق به”.

وتابع: “من المحتمل أن تترك ظاهرة أساسية جدًا للوجود البشري أثرها على اللغات وتظهر دراستنا أن هذا يتجاوز الجمل البسيطة للكلام المبلغ عنه”.

ويقول الباحثون إن الكلام المبلغ عنه هو مصدر مهم لأجزاء أساسية معينة من القواعد وكذلك معنى بعض الأفعال.

ويضيف الباحثون: “في الواقع، كان من الممكن أن يكون أحد الأمثلة الأولى للغة المعقدة: الحديث عن اللغة”.

في الوقت نفسه، يعترف الباحثون بأن الفرضية الجديدة تخمينية جزئيًا على الأقل، حيث يؤكدون أن تتبع تطور اللغة لآلاف السنين ليس بالمهمة السهلة، خاصة وأن البشر كانوا يتحدثون لفترة طويلة قبل أن يتعلموا كتابة وتسجيل أي شيء.

ومع ذلك، فإن الفكرة مثيرة للاهتمام لأولئك الذين انبهروا بتطور اللغة – وهو شيء يجب التفكير فيه في المرة القادمة التي تقوم فيها بالحديث عن ما قاله شخص آخر.

يقول سبرونك: “لا يُقصد من فرضيتنا أن تحل محل التفسيرات المعرفية التقليدية لقواعد اللغة، ولكنها تقدم قصة جديدة لظهور الفئات النحوية، خاصة تلك التي يصعب تفسيرها تقليديًا”.

المصدر : الجزيرة مباشر + مواقع أجنبية