كيف تحمي ابنك من إدمان الألعاب الإلكترونية بدون حرمان؟

الصراخ والخلافات بين الأصدقاء والأشقاء من مشاكل الإندماج في الألعاب الإلكترونية
الصراخ والخلافات بين الأصدقاء والأشقاء من مشاكل الإندماج في الألعاب الإلكترونية

يدور صراع في كل بيت حول الألعاب الإلكترونية؛ إذ يعشق الأطفال والمراهقون اللعب ويجدونه متعة ما بعدها متعة، ويخشى عليهم آباؤهم وأمهاتهم من مخاطرها.

فهل اللعب مفيد أم مضر؟ وكم الحد الأقصى للعب في أيام الدراسة وأيام العطلات؟ وكيف نشبع احتياج أبنائنا للعب ونجنبهم مضارها؟

متعة اللعب

بداية، ينبغي أن ننصت لرغبة واحتياج الأبناء “اللاعبين” أنفسهم. يتمنى مصطفى (14 عاما) أن يصبح مهندس كمبيوتر، ويصمم لعبة جديدة، ويرى أن احتراف اللعب قد يؤدي إلى النجاح في المستقبل، لأن هناك فتيان حصدوا الملايين باحترافهم اللعب ودخولهم مسابقات دولية.

وعن قلق أسرته من مدة اللعب، يقول مصطفى “أعتقد أنني لم أشعر يوما أنني قد أدمنت اللعبة، أقدر خوف أمي وأبي وهو في محله، لكني أعرف مصلحتي جيدا. أجد اللعب ممتعا جدا، وأشعر أنني ينبغي أن ألعب دون ضغط وقت طالما أنهيت مسؤولياتي وأنجزت فروضي”.

ويضيف “اللعب (أون لاين) يعني التنافسية والاستمتاع لأنني ألعب أمام شخص حقيقي، وفي اللعب (أوف لاين) ألعب مع الكمبيوتر، ولكن من مشاكل اللعب العصبية والتوتر والذي قد يصل إلى الخناقات والشتائم والتهديد بين اللاعبين!”.

ويرى علي (14 عاما) أن الألعاب الإلكترونية تنمي الابتكار والخيال كما هو الحال في لعبة Minecraft، بالإضافة للمتعة التي يشعر بها أثناء اللعب.

ويوضح أنه يدرك أضرار الاستغراق في اللعب؛ مضيفا “اللعب لوقت طويل يضيع الوقت وقد يؤدي إلى الإدمان والسلوك العنيف خاصة إذا كان الطفل أقل من السن المناسب للعبة، فلعبة Call of Duty تؤدي فعلا لسلوك عدواني، أما لعبة Fortnite فتخلق حالة إدمان، وأقترح ألا يلعبها الأطفال تحت 13 سنة”.

يؤدي إدمان الألعاب الإلكترونية إلى العزلة الاجتماعية والسلوك العدواني

 

الأب “اللاعب”

يمكن أن نطلق على “محمد” – أب لطفلين –  لقب “الأب الجيمر” أي الأب اللاعب، لأنه يحب اللعب مع ابنه بانتظام، يحكي عن تجربته “أحب أن ألعب مع ابني بتنافسية كبيرة، لدرجة أنني أنسى نفسي أحيانا وأكسر “ذراع” جهاز البلاي ستيشن من الانفعال بعد اللعب. اللعب مع ابني يجعلني أفهم شعوره عند اللعب، أمه لا تلعب معه وأحيانا تسأله عندما يتوتر أثناء اللعب لماذا تتوتر؟ بصراحة أنا أفهم شعوره عندما ينفعل”.

ويضيف “اللعب عند جيلي كان جزءا من الحياة، أما الأولاد الآن فاللعب هو حياتهم، وأكثر مشكلة تواجهني مع ابني هي اللعب أون لاين لأنه يخلق ضغطا نفسيا كبيرا، ووصلت لمرحلة أنني أطلب منه أن يلعب، لكن أوف لاين. ومن عيوب الألعاب الإلكترونية هي إصرار الطفل على اللعب لفترة طويلة، وعدم ضبط النوم، وتأثيره السلبي على البصر”.

ولاحظ محمد أن ابنه يتعامل بشكل عادي مع الألعاب العنيفة لأنها مجرد لعبة من وجهة نظر ابنه. وينصح الآباء بأن “ينزلوا” لمستوى أبنائهم ويتفهموا شعورهم واحتياجاتهم، ويكفوا عن قول “ممنوع اللعب”، والاتفاق على حل وسط بتفاهم مع الابن؛ لأن الأبناء في هذا العصر يقضون أوقاتا طويلة جدا بعيدا عن الآباء، ويستطيعون فعل أي شيء ممنوع.

مشاركة الآباء اللعب مع أبنائهم تجربة إنسانية وتربوية مختلفة

ومن تجربته مع أبنائه الثلاثة، ينظر “فريد” إلى الألعاب الإلكترونية بنظرة موضوعية، يرى أن لها إيجابيات منها أنها تجعل الأبناء مواكبين للعصر، وينمون مهاراتهم الذهنية والتكنولوجية، كما أنها تعزز لديهم سرعة رد الفعل والتواصل مع الآخرين في مجتمع اللاعبين، وتعزز أيضا الحالة النفسية والمعنوية للطفل بتنمية شعور المشاركة، كما تفتح مجالا للتعرف على أصدقاء جدد مع ما في ذلك من محاذير.

أما عن السلبيات التي لمسها “فريد” في لعب أبنائه فهي: الإدمان، والانعزالية، والتوتر، ومراكمة الغضب والإحباط، والتأثيرات الصحية السلبية نتيجة طول المكوث، والانشغال عن الأنشطة البدنية ومتابعة المهام الدراسية.

وأضاف “للأسف لا ألعب مع أبنائي لكن أعتقد أن لعب الوالدين مع أبنائهم يعطي مساحة من القرب والتفاهم ويعزز العلاقة بين الجانبين بما يسهل من مهام الوالدين في التربية وتوصيل المفاهيم الصحيحة والسيطرة على أوقات وأنماط اللعب لتعزيز إيجابياتها وتلافي سلبياتها. وجود الوالدين ضمن خارطة اهتمامات الأولاد يعطيهم أيضا مزية النقاش انطلاقا من نفس الأرضية بما يتيح قبولا أكثر من الأبناء لنصائحهم وتوجيهاتهم، كما يعزز الجانب الأمني وحماية الخصوصية لدى الأطفال والحيلولة دون استدراجهم من جانب غرباء”.

ويحاول “عمرو” – أب لطفلين – أن يقنن أوقات اللعب مع ابنه، موضحا “أتفهم حب ابني للعب، ألعب معه بعض الألعاب مثل فيفا، وقال لي ذات مرة أنه يريد أن يخترع لعبة جديدة، وأنا أدعمه في أي نجاح يحققه حتى لو في مجال الألعاب”.

ويستدرك “أكثر ما يزعجني في الألعاب الإلكترونية أنها تأخذ وقتا كبيرا، وتعزله اجتماعيا، فضلا عن الانفعالات الكبيرة أثناء اللعب مثل الصراخ والصوت العالي. ولكن الفوائد من وجهة نظري في لعبة مثل فورتينايت، القدرة على اتخاذ قرارات سريعة، ومعرفة حقيقية بكل أنواع الأسلحة، وهذا مهم لي أن تكون لدى ابني ثقافة عامة في هذه الموضوعات”.

وعي الأمهات

تذكر “جميلة” – أم لديها ثلاثة أبناء – أن هناك أفكارا متداولة بين الجيل الجديد منها أن من حقهم اللعب دون قيود، وهذا ما تناقشه مع أبنائها، لأنه لا يوجد يسمى بـ”الحق المطلق” لأي فرد في الأسرة، وهذا ما تحاول أن تغرسه في أبنائها، فكل شخص عليه واجبات وله حقوق، وبالنسبة للأبناء عليهم واجبات وهي الالتزام بدراستهم والمشاركة في تنظيف المنزل، ولهم حقوق منها حق اللعب، ولكن يتم تنظيمه وفقا لوقت الأسرة.

وتضيف جميلة أن تنظيم الوقت يختلف من وقت لآخر. فمثلا في نهاية الأسبوع تشاهد الأسرة فيلما مناسبا لكافة أفراد الأسرة، وفي الأيام العادية تعطي أولادها مساحة للعب بعد أداء الواجبات الدراسية، وتمنحهم وقتا أطول للعب في الإجازات الصيفية.  

وترى أن مشاركة الأبناء في التمارين الرياضية والأنشطة الاجتماعية تسحبهم من إدمان الألعاب الالكترونية. وتضيف “نحن كأمهات مسؤولات عن صحة أبنائنا العقلية والجسدية، ونلاحظ أن الابن لا يتحرك أثناء اندماجه في اللعب، ولا يستمع لأي أحد يتحدث معه، لذا أتفق مع أولادي على أوقات اللعب وأناقشهم في الأسباب والتبعات”.

اللعب أون لاين أكثر إمتاعا لكنه يجعل الطفل في حالة توتر بالغ

 

الاضطراب الناجم عن اللعب

من جانب آخر، قد تبلغ سليبات الألعاب الإلكترونية مرحلة مرضية، وتوجد عيادات متخصصة على مستوى العالم لعلاج إدمان الألعاب لدى الأطفال والمراهقين. 

وقد أدرجت منظمة الصحة العالمية “الاضطراب الناجم عن اللعب” ضمن التصنيف الدولي للأمراض، وأكدت المنظمة على ضرورة أن ينتبه الأشخاص الذين يمارسون هذه الألعاب إلى مقدار الوقت الذي يقضونه في ممارسة أنشطة اللعب، ولاسيما عندما يؤدي ذلك إلى استبعاد الأنشطة اليومية الأخرى، وأن ينتبهوا كذلك إلى أية تغيّرات تطرأ على صحتهم البدنية أو النفسية أو على أدائهم الاجتماعي يمكن أن تُعزى إلى نمط سلوكياتهم في اللعب.

توجهنا إلى الدكتور العربي عطاء الله قويدري استشاري في الإرشاد النفسي والأسري لسؤاله عن أفضل الوسائل للموازنة بين رغبة الأبناء وقلق الآباء والأمهات.

أشار د. العربي إلى أن بعض الآباء يتركون أبناءهم يلعبون لتلهيتم وتقليل الإزعاج في البيت. كما تلجأ بعض الأسر لملء أوقات فراغ أبنائهم بتحفيزهم على التسلية بالألعاب الإلكترونية لفترات طويلة وبخاصة في فصل الصيف مع بدء الإجازة الصيفية.

ويوضح أن الألعاب الإلكترونية ليست كلها خطرا على الأبناء، بل هناك ألعاب لها فوائد على العقل، ولكن بشرط حسن استعمالها وتحديد الوقت المناسب لذلك دون التمادي أو الإفراط ومن بين هذه الفوائد:

  • تنمية الذاكرة وسرعة التفكير.
  • تطوير حس المبادرة والتخطيط والمنطق.
  • التعامل مع تلك التكنولوجيا باحتراف.
  • تحفيز التركيز والانتباه، وتنشيط الذكاء.
  • بعض الألعاب تحمل ألغازاً تساعد في تنمية العقل والبديهة.
  • بعض الألعاب تثير التأمل والتفكير.
  • تنتج عواطف إيجابية، وعلاقات اجتماعية قوية، وشعور بالإنجاز.
اللعب الجماعي بين أفراد الأسرة يقلل من الآثار السلبية للألعاب الإلكترونية

ويوجه د. العربي رسالة تربوية لكل أب وأم من أجل وقاية أبنائهم من إدمان الألعاب الإلكترونية، تتلخص في النصائح التالية:

  1. اصطحب ابنك أثناء شراء الألعاب.
  2. شاركه اللعب.
  3. تعرف على تصنيفات الألعاب واختر الألعاب التي تناسبه.
  4. قم بإنشاء حساب له في سوق البرامج بالعمر الحقيقي.
  5. قدم له بدائل جيدة.
  6. عوده على وضع منبه عند استخدام الأجهزة الذكية.
  7. اعمل على توعيته باختيار ما يناسبه (هناك فيديوهات رسومية تساعد على توصيل الرسالة).
  8.  شجع ابنك على شراء لعبة لتنمية الذكاء أو لتعليم نشاطات جديدة.
  9. ابدا بمشاركة ابنك مع أصدقائه في الألعاب الجماعية وحاول قدر المستطاع إبعاده عن الألعاب الفردية، ليتكون لديه حب للمجتمع والأصدقاء والبعد عن العزلة والاكتئاب.
  10. عود ابنك منذ الصغر على ممارسة التمارين الرياضية التي تحافظ على رشاقة جسمه، كما تخرج الطاقة الكامنة بداخله في شيء مفيد بعيدا عن إخراجها في لعبة عدوانية.
  11. شارك ابنك في رسم لوحة، فالرسم يخرج الطاقة الكامنة كما يساعده على التخيل والإبداع، أو اشترك له في مركز ثقافي لممارسة الهواية التي يفضلها، مع إمداده بالأدوات والتشجيع المستمر.
  12. احرص على بناء الحصانة في نفس ابنك دائما، ليبتعد ذاتيا عن كل ما هو ضار ومخالف للدين وللعادات والتقاليد.

واختتم د. العربي قوله بأن الأطفال نعمة من الله يجب المحافظة عليهم والتعب في تربيتهم وعدم إهمالهم لأي سبب كان. ولا ينبغي أن يترك الطفل وحيدا، بل لا بد من إيجاد بدائل مفيدة لهذه الألعاب كمشاركة الطفل في أنشطة اجتماعية ورياضية وثقافية وفكرية.

المصدر : الجزيرة مباشر