بعد طرح شهادات 25% وتخفيض العملة.. هل تهتز ثقة المصريين بالقطاع المصرفي؟

البنك المركزي المصري
البنك المركزي المصري (غيتي)

تسببت الإجراءات الاقتصادية الأخيرة في مصر، من تعويم جديد للجنيه، وطرح شهادات بنكية بفائدة 25%، وبعض الإجراءات البنكية المتشددة مع العملاء في إثارة مخاوف كثير من المواطنين واحتمالات اهتزاز ثقتهم بالقطاع المصرفي، كما حدث في دول أخرى مثل لبنان والسودان والأرجنتين وغيرها، حيث كانت البدايات لأزمات تلك الدول متشابهة مع الوضع المصري الحالي.

وفقد الجنيه المصري في آخر 10 أشهر فقط أكثر من 50% من قيمته بعد قرار تعويمه وفقًا لشروط صندوق النقد الدولي لأجل منح مصر قرضا بقيمة 3 مليارات دولار، وهو ما شكك في جدوى شهادات الاستثمار التي تطرحها الحكومة رغم ارتفاع فوائدها مع خشيتهم من حدوث المزيد من التعويم؛ مما يقلب فوائدهم إلى خسائر.

وأعاد هذا الانهيار -في قيمة العملة- إلى لأذهان أرباح شهادات قناة السويس، التي أثير حولها الكثير من الجدل وقت استردادها، حيث اشترى المصريون في 2014 الشهادة بعائد 12% لمدة 5 سنوات حين كان الدولار الأمريكي يساوي 7.2 جنيهات، وحققت حصيلة قدرتها الحكومة بـ64 مليار جنيه (نحو 9 مليارات دولار حسب سعر الصرف وقتها). لكن في 2016 قرر البنك المركزي تعويم الجنيه ليقفز الدولار إلى نحو 16.5 جنيها وقت الاسترداد، وهو ما يعني أن هذه الشهادات قد خسرت في الإجمالي نحو 15 مليار جنيه عند نهاية المدة، وفق إحصاء سابق للجزيرة مباشر.

وجمع بنكا الأهلي ومصر 750 مليار جنيه (40.3 مليار دولار بسعر الصرف وقتها) من خلال شهادات الـ18% التي طُرحت في مارس/ آذار الماضي، في حين بلغت حصيلة شهادات الاستثمار بعائد 25% و22.5%، نحو 335 مليار جنيه مصري (11 مليار دولار)، حسب تصريحات إعلامية لرئيس اتحاد بنوك مصر محمد الأتربي.

وخرجت في الأثناء دعوات على مواقع التواصل تطالب المصريين بالتخارج من البنوك وسحب كافة أموالهم، مشككة في قدرة البنوك على رد الأموال، وهو سؤال وجهه موقع الجزيرة مباشر إلى خبراء اقتصاديين: هل يمكن أن تتخلف البنوك عن سداد أموال الودائع؟ وهل يمكن أن تهتز ثقة المصريين بالجهاز المصرفي؟ وما جدوى هذه الثقة؟

فقد الثقة في مردود الشهادات

في هذا الصدد قال الأكاديمي المصري والباحث الاقتصادي أحمد ذكر الله، إنه في أوقات الأزمات الاقتصادية تكون هناك حالة عامة من عدم ثقة المواطنين في أجهزة الدولة، ويأتي دائمًا الجهاز المصرفي في مقدمة هذه الحالة.

وأكد ذكر الله لـ”موقع الجزيرة مباشر” أنه يجب التفريق بين ثقة المصريين في حصولهم على أموالهم المودعة في البنوك من خلال شهادات استثمار، وهو أمر مستبعد تمامًا نظرًا لحماية ورعاية البنك المركزي لهذه الأموال، وبين قدرة هذه الشهادات على تعويض خسائر انخفاض القوى الشرائية للجنيه المصري، وهنا موضع الأزمة، على حد قوله.

وأشار إلى أن الحكومة أصدرت خلال الفترة الماضية العديد من الشهادات المرتفعة الفائدة، لكن كان انهيار قيمة العملة المحلية أكبر بكثير من قيمة الفوائد التي يحصل عليها المواطنون، وإذا ما قارنا عائد شهادة الـ25% بالتضخم فسنجد أن العائد سلبي إلى حد كبير، في حين كان من المفترض أن يكون عائد الشهادات مساويًا أو مقاربًا على الأقل لنسبة التضخم وانخفاض العملة.

وحول حصيلة شهادات الـ25% التي أعلن عنها، قال إن جزءًا كبيرًا منها جاء من فك ودائع سابقة، أي أن حجم المعلن مما تحصلت عليه البنوك حتى الآن يحتوي بالفعل على أموال كانت من ودائع سابقة أما ما دخل من جديد فلا يمثل الكثير، وهو دليل على فقد ثقة المواطنين في قيمة مردود الشهادات.

وأضاف “ما أريد أن ألفت النظر إليه هو أنه يوجد قاعدة كبيرة مما يمكن أن نسميه حزب الموظفين، ولا أقصد هنا الوظيفة الرسمية، بل هم أولئك الذين لا يستطيعون توظيف أو استثمار أموالهم بشكل يدر أرباحًا، لذلك فإن الملاذ الوحيد لأموالهم هو الودائع في البنوك التجارية، مهما كانت قيمتها”، وتوقع الأكاديمي المصري استمرار الحكومة في طرح شهادات جديدة بقيم أعلى ولو لفترات محدودة.

الأكاديمي المصري والخبير الاقتصادي أحمد ذكرالله
الأكاديمي المصري والخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله (منصات التواصل)

تجارب سابقة.. ماذا تقول؟

اتفق وكيل وزارة التجارة والصناعة والخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب مع ذكر الله بشأن من وصفهم بـ”الموظفين”، وقال إن هناك نوعين من المواطنين، نوع يعتمد على الاستثمار والمضاربة في مجالات اقتصادية عدة، ونوع آخر وهم الغالبية العظمى من المواطنين يعتمدون على إيداع أموالهم في البنوك، فهؤلاء مهما تغيرت الأمور فلن يغامروا أو يغيروا أفكارهم، وبالتالي عندما تصدر شهادات عالية القيمة فإنهم مباشرة يحولون أرصدتهم من الودائع أو أموال إلى شراء هذه الشهادات، لأنهم يبحثون عن الاستقرار ويبتعدون عن المخاطرة.

ويرى عبد المطلب أن الجهاز المصرفي المصري سوف يظل من أقوى الأجهزة المصرفية في أفريقيا والمنطقة العربية، لافتًا إلى أن شهادات الاستثمار ما زالت تجذب مدخرات الكثير من المصريين، وتابع “لها شق اقتصادي سلبي في القطاعات الأخرى، لكنها في النهاية تبقى الأفضل في مثل هذه الأوقات”.

وفيما يتعلق بتخوفات بعض المواطنين من عدم قدرة البنوك على رد أموالهم، قال لـ”موقع الجزيرة مباشر” إن هذا أمر مستحيل، وتابع “لدينا بالفعل بعض التجارب السابقة التي تؤكد الثقة في البنك المركزي، فعندما أحاطت ببنك التنمية والاعتماد مجموعة من المشاكل قام البنك المركزي بإجبار البنوك المملوكة للدولة على شراء الأصول، ورد كل أموال المواطنين”.

وأكد عبد المطلب أن الجهاز المصرفي المصري ينضوي تحت ما يسمى قواعد “لجان بازل” للرقابة المصرفية، ومن المستحيل أن يتخذ البنك المركزي إجراءات تضر المودعين أو تخرجه من احترام القواعد العالمية، وإلا فإنه سيخرج من التصنيفات العالمية للبنوك المركزية.

وأوضح خطورة ذلك قائلا “خروجه سيعني أنه سيُحرم من عملية تحويل الأموال عبر العالم والبنوك الدولية، والدخول في أي أعمال مصرفية سواء كان قبول ودائع أو تحويل أموال أو إدارة أصول أو طرح أسهم وسندات في البورصات العالمية”.

الخبير الاقتصادي المصري دكتور عبدالنبي عبدالمطلب
الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبد النبي عبد المطلب (منصات التواصل)

هل مِن بدائل متاحة؟

من جهته قال الكاتب المتخصص في الاقتصاد مصطفى عبد السلام، إن البنك المركزي يفرض رقابة شديدة على القطاع بهدف حماية المودعين، ويكفل جميع أموال المواطنين في كافة البنوك المصرية، سواء كانت محلية أو دولية، حتى في حالة الإفلاس.

وحول خسارة المودعين لقيمة أموالهم إذا ما قورنت بالدولار في بداية إيداعها وعند نهاية تحصيلها، أوضح عبد السلام لـ”موقع الجزيرة مباشر” أنه لا توجد بدائل وإن ذلك أفضل لهم من بقائها في المنازل، مشيرًا إلى أن البدائل المتاحة هي العملات الأجنبية، ومن الصعب الحصول عليها، وكذلك الذهب الذي ارتفع سعره أيضًا بشكل كبير جعل شراءه مغامرة كبيرة، وفقًا لقوله.

وحذر الخبير الاقتصادي من خطورة دعوات سحب الأموال من البنوك، ولفت الانتباه إلى خطورة اهتزاز الثقة بين المواطنين والجهاز المصرفي، قائلًا “البنوك هي المقرض الأول والرئيسي للخزانة العامة، ومن دونها تنهار الدولة”.

وتابع “البنوك هو مصدر أموال الدعم ومرتبات الموظفين الحكوميين، وهو الذي يدبر النقد الأجنبي لتمويل واردات مصر من الواردات، مشتقات بترولية وغيرها، لذلك فإن مثل هذه الدعوات تضر بالدولة وتضر المواطن في المقام الأول”.

الخبير الاقتصادي مصطفى عبدالسلام
الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام (منصات التواصل)

وتضاعف حجم الودائع المجمّعة للمصارف المصرية بنحو ضعفين ونصف خلال خمس سنوات، ليصل إلى 7.63 تريليونات جنيه بنهاية أغسطس/ آب 2022، وهو ما يساوي تقريبًا حجم الناتج المحلي الإجمالي لمصر، حسب بيان لاتحاد المصارف العربية.

المصدر : الجزيرة مباشر