بائع “السميت” الذي أصبح رئيسا لتركيا.. ماذا نعرف عن رجب طيب أردوغان؟ (فيديو)

تكتسب الانتخابات الرئاسية القادمة في تركيا زخما كبيرا ليس فقط لانعكاس نتائجها المتوقعة على معظم ملفات المنطقة المتشابكة، وإنما لما ستمثله أيضا من أهمية للرئيس الحالي رجب طيب أردوغان حيث ستُعَد تتويجا لمسيرته السياسية التي تمتد لأكثر من 40 عاما.

ومنذ فوز حزبه “العدالة والتنمية” في الانتخابات التشريعية التي جرت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2002، استطاع أردوغان أن ينال ثقة الناخبين في كل الاستحقاقات الانتخابية اللاحقة حتى يومنا هذا، محققا نهضة اقتصادية كبيرة في شتى المجالات.

وعلى مدار العشرين عاما الماضية، أعاد أردوغان لتركيا حضورها في الشرق الأوسط دون الاصطدام بواقعها السياسي والجغرافي، وأصبح أول رئيس تركي ينتخبه الشعب بالاقتراع المباشر.

نشأة درامية

وُلد رجب طيب أردوغان يوم 26 فبراير/شباط 1954 في أحد الأحياء الشعبية بمدينة إسطنبول، ودرس في ثانوية الأئمة والخطباء، ثم في كلية علوم الاقتصاد والتجارة بجامعة مرمرة في تركيا.

ومرارا سرد الرئيس التركي قصة طفولته في حي قاسم باشا الفقير بمدينة إسطنبول، وحكى عن ذكرياته حين كان صبيا لا يتجاوز 12 عامًا، عندما يعود من مدرسته إلى بيته فيجد والدته تعمل على آلة الخياطة، فيلقي عليها التحية، ويضع حقيبة كتبه ثم ينطلق إلى مخبز السميت “فرن قاسم باشا”، ليساعد أسرته في تدبير نفقات الحياة.

وعندما كان في سن مبكرة انخرط في حزب “السلامة الوطنية” الذي أُسّس عام 1972 بزعامة نجم الدين أربكان، ثم أصبح عضوا في حزب “الرفاه” ثم “الفضيلة” اللذين أسسهما أربكان إثر موجات الحظر التي كانت تشمل أحزابه، بفعل التضييق على الأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية.

طموح وتعثر

وفي عام 1985، تولى منصب رئيس حزب “الرفاه” في إسطنبول، وكان عمره حينئذ 30 عاما، ورشحه الحزب لعضوية البرلمان في انتخابات 1987 و1991، لكن الحظ لم يحالفه في المرتين، ثم ترشح لبلدية إسطنبول عام 1994 وفاز بها ومنها كان الانطلاق نحو القمة.

حقق خلال فترة رئاسته البلدية إنجازات نوعية أكسبته شعبية كبيرة في تركيا، لكن تلك الإنجازات لم تمنعه من خضوعه للمحاكمة من قِبل محكمة أمن الدولة عام 1998، وسجنه بتهمة التحريض على “الكراهية الدينية”.

وجاء الحكم بسبب اقتباسه في خطاب جماهيري من شاعر تركي يقول في إحدى قصائده “مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا”، فمُنع من الترشح للانتخابات العامة والعمل في الوظائف الحكومية.

لكن الحكم لم يوقف طموحاته بل ربما نبّهه إلى صعوبة الاستمرار في نهج أستاذه أربكان، فاغتنم فرصة حظر حزب الفضيلة لينشق مع عدد من الأعضاء، من بينهم عبد الله غول، ويشكلوا حزب العدالة والتنمية عام 2001.

ومنذ البداية أراد أردوغان أن يدفع عن حزبه أي شبهة استمرار الصلة الأيديولوجية مع أربكان وتياره الإسلامي الذي أغضب المؤسسات العلمانية مرات عدة، فأعلن أن “العدالة والتنمية” سيحافظ على أسس النظام الجمهوري ولن يدخل في مماحكات مع الجيش التركي.

نحو القمة

قاد حزب العدالة والتنمية إلى احتلال الصدارة في المشهد السياسي التركي، فحقق الفوز في الانتخابات التشريعية عام 2002 وحصل على 363 مقعدا في البرلمان، وهو ما مكنه من تكوين أغلبية ساحقة.

الرئيس أردوغان مع سلفه ورفيق دربه عبد الله غول (رويترز)

وبسبب تبعات الحكم القضائي الذي منعه من العمل في الوظائف الحكومية، لم يتمكن من ترؤس الحكومة في البداية، فتولى رئاستها عبد الله غول حتى 14 مارس/آذار عام 2003، ليتولاها أردوغان بعد إسقاط الحكم عنه في هذا التاريخ.

وفي الانتخابات التشريعية عام 2007، تمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على أغلبية مقاعد البرلمان بـ46.6% من أصوات الناخبين، وحصل في انتخابات 2011 على الأغلبية للمرة الثالثة بنحو 50% من أصوات الناخبين.

وفي أغسطس/آب 2014، فاز في أول انتخابات رئاسية يُنتخب فيها رئيس جمهوري تركي بالانتخاب المباشر، وحقق الفوز في الشوط الأول متقدما على منافسيه فيها.

وعلى المستوى الداخلي، حققت تركيا في ظل حكمه نهضة اقتصادية كبرى، كما اعتمد على استراتيجية اقتصاد السوق بكل آلياته، من خلال تسديد الديون العامة والخارجية للدولة التي كانت تُقدَّر بـ16 مليار دولار، عن طريق اتباع أنظمة مالية ناجحة وإعادة هيكلة النظام المالي في البلاد.

محاولة الانقلاب

وفي مساء 15 يوليو/تموز عام 2016، أعلنت مجموعة عسكرية من داخل الجيش انقلابا على السلطة الشرعية في البلاد، واستولوا على القناة الفضائية الرسمية وأجبروا العاملين بها على بث بيان يعلن إسقاط نظام حكم أردوغان، وتشكيل هيئة لاستلام السلطة، ووعدوا بإخراج دستور جديد.

لكن سرعان ما ظهر أردوغان على قنوات فضائية تركية، يتعهد بإفشال الانقلاب ومحاكمة من يقفون خلفه، داعيا الشعب للنزول إلى الشوارع لحماية الديمقراطية وإفشال خطط الانقلابيين، ومشددا على أن “القوات المسلحة لن تحكم تركيا”.

أردوغان في خطابه الشهير ليلة الانقلاب (سي إن إن ترك)

وشكلت الاستجابة الشعبية الواسعة لنداء أرودغان تحولا مفصليا في مسار الأحداث، حيث خرج الآلاف إلى الشوارع وبعض المطارات التي كان أفراد من الجيش قد سيطروا عليها، وتوالت عملية اعتقال الانقلابيين بعدما آلت خططهم إلى الفشل الذريع.

وفي اختبار آخر لشعبية أردوغان، شهدت تركيا سابع استفتاء في تاريخها، أُجري يوم 16 أبريل/نيسان 2017، وانتهى بانتصار “نعم” لصالح التعديلات الدستورية التي اقترحها حزب العدالة والتنمية الحاكم، لتتحول البلاد سياسيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.

وفي عام 2018، فاز أردوغان في انتخابات الرئاسة مرشحا عن “تحالف الشعب” الذي يضم حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية،  حاصدا 53% من أصوات الناخبين، متقدما على منافسه الرئيسي وقتها محرم إنجه الذي نال نحو 31% من الأصوات.

المعركة الحاسمة

أما الانتخابات القادمة المقرر إجراؤها في 14 مايو/أيار المقبل، فيدخلها الرئيس التركي مدركا أكثر من غيره أنه لا ينافس مرشحا منفردا بل تحالفا يتكتل لإسقاطه، وأن منظومة التحالفات ستكون أحد أهم العوامل المحددة لاسم الرئيس المقبل لتركيا.

وانطلقت، أول أمس الخميس، عملية التصويت في الانتخابات الرئاسية والتشريعية للأتراك المقيمين في الخارج وفي المعابر الحدودية والمطارات.

وبحسب استطلاعات الرأي، يُتوقع أن تشهد انتخابات الرئاسة التركية تنافسا حادا، ولا سيما بين الرئيس رجب طيب أردوغان ومرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو.

ويحق لأكثر من 64 مليون تركي المشاركة في الاقتراع، وفق اللجنة العليا للانتخابات التركية.

المصدر : الجزيرة مباشر