“فناء خلفي”.. سي إن إن: حرب أوكرانيا سهّلت على أمريكا عزل الصين في المحيط الهادئ

أشارت سي إن إن إلى تطورات تركت الصين معزولة بشكل كبير في فنائها الخلفي (غيتي)

قالت شبكة (سي إن إن) الأمريكية إن الدعم الذي قدمته الصين لروسيا في حربها على أوكرانيا، فتح الباب أمام واشنطن لتعزيز علاقاتها بشركائها في المحيط الهادئ على حساب بيجين.

وأضافت الشبكة في تقرير لها أنه وخلال الأشهر القليلة الماضية فقط، تعهدت اليابان بمضاعفة الإنفاق الدفاعي والحصول على أسلحة بعيدة المدى من الولايات المتحدة؛ كما أقرت كوريا الجنوبية بأن الاستقرار في مضيق تايوان ضروري لأمنها. في حين أعلنت الفلبين عن حقوق وصول جديدة إلى القواعد الأمريكية، وسط حديث عن تسيير دوريات مشتركة في بحر جنوب الصين مع أستراليا واليابان والولايات المتحدة.

عزلة في الفناء الخلفي

هذه التطورات وغيرها، تركت الصين معزولة بشكل كبير في فنائها الخلفي، إذ مازالت ترفض إدانة الحرب على أوكرانيا دعما لحليفتها الروسي من جهة، واستمرارها في المزيد من الضغط على جارتها الصغرى تايوان من جهة أخرى.

ويرى محللون أن كل هذه المياه كانت ستجري في النهر على كل حال، لكن الحرب الروسية على أوكرانيا والدعم الصيني لها، سرّعا بلا شك من وتيرة جريان تلك التطورات.

ففي اليابان على سبيل المثال، وهي دولة يقيدها دستورها الذي تم إقراره عقب الحرب العالمية الثانية باستراتيجية عسكرية لا تجاوز حد “الدفاع عن النفس”، باتت تستشعر الخطر، وأعلنت أنها سوف تشتري صواريخ توماهوك كروز بعيدة المدى من الولايات المتحدة، وهي أسلحة قد يصل مداها إلى قلب الصين.

وقال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، في مؤتمر عُقد في سنغافورة الصيف الماضي “لدي شعور قوي بأن ما يجري في أوكرانيا اليوم قد نراه في شرق آسيا غدًا”.

كلام كيشيدا لم يكن مجرد تصريحات فحسب، ففي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلنت طوكيو عن خطة لمضاعفة الإنفاق الدفاعي مع الحصول على أسلحة ذات نطاقات بعيدة خارج الأراضي اليابانية.

أجرت الصين مناورات عسكرية مكثفة في الأيام الأخيرة حول تايوان (رويترز)

اليابان وتعديلات استراتيجية الدفاع

وأقرت الحكومة اليابانية تعديلات قانونية هي الأكبر من نوعها على استراتيجية الدفاع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945، ووصفت وثيقة السياسة الدفاعية الجديدة الجارة الصين بالتحدي الإستراتيجي غير المسبوق، كما وصفت روسيا بأنها باتت مصدر قلق للأمن القومي الياباني.

وأمام حوالى ثلاثة آلاف نائب من المؤتمر الوطني لنواب الشعب مجتمعين في قصر الشعب في بيجين، دعا رئيس الوزراء المنتهية ولايته لي كه تشيانغ إلى تكثيف تدريب الجيش وإلى الاستعداد للقتال، بينما يتصاعد التوتر الصيني الأمريكي حول مسألة تايوان.

وتسعى تايوان إلى الاستقلال بشكلٍ تام عن الصين، لكن بيجين تؤكد دائما أنها جزء من أراضيها، وتطالب المجتمع الدولي باستمرار، بالاعتراف بتبعية تايوان لها.

وترى وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الياباني أن الصين تطرح تحديا استراتيجيا للبلاد هو الأكبر، مضيفة أن بيجين لم تستبعد استخدام القوة العسكرية لإحكام السيطرة على جزيرة تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي.

مضيق تايوان

بدوره صرح وزير خارجية كوريا الجنوبية بارك جين لشبكة “سي إن إن” مؤخرًا أن السلام والاستقرار في مضيق تايوان ضروريان لتحقيق السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، ولا غنى عنهما لأمن وازدهار المنطقة ككل.

وهناك قلق في سول من أنه إذا انجرفت القوات الأمريكية إلى أي صراع مع الصين بشأن تايوان، فإن كوريا الجنوبية ستكون في مرمى نيران جارتها الشمالية ذات القوة النووية. وهو ما أدى لتصاعد دعوات في العاصمة الكورية الجنوبية لتكون أكثر استعدادًا للدفاع عن النفس، حتى إن استلزم الأمر العمل على امتلاك سلاح نووي.

وفي الوقت نفسه، تعمل سول وطوكيو معًا بشكل وثيق في الشؤون الدفاعية، بما في ذلك التدريبات البحرية المشتركة مع الولايات المتحدة.

سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني قبالة مياه تايوان (رويترز)

وأعلنت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، يوم الجمعة الماضي، أنهما ستجريان مناورات “درع الحرية” في الفترة ما بين 13 إلى 23 من مارس/آذار الجاري، بلا انقطاع، وهي أطول فترة على الإطلاق تجرى فيها مناورات مركز القيادة المشترك بمحاكاة الحاسوب، وفقاً لهيئة الأركان المشتركة لكوريا الجنوبية والقوات الأمريكية.

وارتفعت صادرات كوريا الجنوبية من الأسلحة بنسبة 140% إلى مستوى قياسي بلغ 17.3 مليار دولار، بينها صفقات بقيمة 12.4 مليار دولار لبيع دبابات ومدافع هاوتزر وطائرات مقاتلة وقاذفات صواريخ متعددة إلى بولندا، أحد أقرب حلفاء أوكرانيا.

وعلى الصعيد ذاته، أعلنت الفلبين والولايات المتحدة في بيان مشترك، الشهر الماضي، أنهما أبرمتا اتفاقًا يسمح للجنود الأمريكيين باستخدام أربع قواعد إضافية في هذه الدولة الواقعة في جنوب شرقي آسيا.

وقدمت الفلبين العام الجاري 10 احتجاجات دبلوماسية على الأقل ضد الصين بشأن “انتهاكات” مزعومة في بحر جنوب الصين ، مما يلقي الضوء على تجدد التوترات بين الدولتين بشأن المياه المتنازع عليها.

اللافت في الأمر أن الرئيس الفلبيني السابق رودريغو دوتيرتي لم يكن من المعجبين بواشنطن ولطالما بحث عن طرق للعمل مع بيجين، إلا أن الصين لم تظهر أبدًا، بحسب محللين أي تقدير حيال ذلك الأمر. أما الرئيس الفلبيني الحالي، فرديناند ماركوس جونيور، فقد أظهر على خلاف سلفه، حرصًا واضحًا على التعاون مع الولايات المتحدة وحلفائها.

تحالف أقوى مع واشنطن

من جهته، أوضح بليك هيرزينجر، وهو باحث وخبير سياسة الدفاع في المحيطين الهندي والهادي في معهد أمريكان إنتربرايز، أن “استفزاز خفر السواحل الصيني لبحارة خفر السواحل الفلبيني باستخدام الليزر (مؤخرًا)، ساعد في إثبات ضرورة وجود تحالف أقوى مع واشنطن”.

وتحدث جيفري أوردانييل، مدير الأمن البحري في منتدى المحيط الهادي والأستاذ المساعد في جامعة طوكيو الدولية، عن أن “سنغافورة وفيتنام أصبحتا أكثر انفتاحًا على وجود أمريكي أكبر في المنطقة، مضيفا “إنهما لا تريدان أن تهيمن الصين على جنوب شرق آسيا”.

في المقابل، اعتبر محللون آخرون أن حرب أوكرانيا لم تثمر بنتائج بالنسبة للشراكة الأمريكية الرئيسية في المحيطين الهندي والهادئ، وتحديدًا التحالف الرباعي غير الرسمي الذي يربط بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، حيث لم تدن نيودلهي الحرب الروسية  على أوكرانيا.

وقال ديريك جروسمان، كبير محللي الدفاع في مؤسسة “راند” إنه “عندما حاولت الولايات المتحدة وأستراليا واليابان إدانة روسيا من خلال بيان مشترك، رفضت الهند، قائلة إن الرباعية لا تتعامل إلا مع التحديات في المحيطين الهندي والهادئ، وبما أن روسيا ليست في المنطقة، فلا يمكن التطرق إلى هذا الموضوع”.

وأفاد جروسمان، بأن الانقسام في التحالف الرباعي لا يصرف الانتباه عن تركيزه الأساسي حول كيفية التعامل مع الصين.

المصدر : سي إن إن