“كل مَن يخرج الآن بلا روح”.. صدمة رجال الخوذ البيضاء مع كل عملية انتشال وصورة طفلتين تصمد أمام الزلزال (شاهد)

من عملية البحث والإنقاذ في مدينة سلقين بالشمال السوري (الخوذ البيضاء)

لليوم السادس على التوالي، وفي مشهد أشبه بخلية نحل، يعمل متطوعو الدفاع المدني السوري في مناطق المعارضة (الخوذ البيضاء)، على إخراج العالقين تحت ركام منازلهم التي دُمّرت نتيجة الزلزال الذي ضرب شمالي سوريا فجر الاثنين الماضي.

ووسط تخاذل واضح من المجتمع الدولي، يوثّق الدفاع المدني السوري، عبر حسابه على تويتر، مشاهد من محاولاته الأخيرة لإنقاذ عالقين تحت الأنقاض من دون جدوى، فكل من يخرجون الآن أجساد بلا أرواح.

موت فوق موت

وفي مقطع مؤثر قال أحد متطوعي الخوذ البيضاء “موت تشابه علينا. صورتان لطفلتين قرب أنقاض منزلهما في مدينة جنديرس بريف حلب، تبكي القلوب. وتبكي. وتبكي. هو موت فوق موت”.

وبيّن خلال الفيديو آثار الدمار التي غطت المكان كله في حين صمدت صورة الطفلتين اللتين لم يُعرف هل صمدتا تحت أنقاض الزلزال أم رحلتا مع الراحلين.

في تلك الليالي الطويلة المظلمة منذ وقوع الكارثة، بقي رجال الدفاع المدني السوري على قيد الأمل وأرواحهم معلقة بأنفاس من هم تحت الركام، رغم تضاؤل الأمل في العثور على ناجين مع مرور الوقت.

وبينما ضاعت المعالم وغابت تفاصيل الحياة في مدن صارت ركامًا تلفّه تفاصيل العذاب كما في مدينة سلقين، أصبح جميع السوريين مفجوعين بالكارثة.

وتم انتشال عائلة قضت تحت الركام جراء الزلزال، في المدينة الواقعة غربي إدلب.

وانتشرت صورة أحد رجال الخوذ البيضاء وهو متعبٌ ومنهك يلتقط أنفاسه، لكنه أبى أن يغادر موقعه حتى الانتهاء من عملية البحث والإنقاذ في ثالث أيام الكارثة بالمدينة ذاتها.

جنديرس المنكوبة

مع بزوغ فجر أمس الجمعة، أراد هذا المتطوع أن يزرع النور في ظلام موحش تفوح منه رائحة الحزن لعله يجد روحًا يعيد إليها الأمل في جنديرس المنكوبة بريف حلب الشمالي.

غير أن المدينة المنكوبة شهدت وحدها حتى ظهر اليوم السبت، انتشال 515 جثة وأكثر من 830 مصابًا من تحت أنقاض المباني المدمرة، ولا تزال فرق الدفاع المدني تواصل أعمال البحث في الشمال السوري.

دمار واسع والكل يبحث في حيز ضيق من الوقت لانتشال عالقين تحت الأنقاض بالمدينة المنكوبة.

وحين غربت شمس الجمعة غربت معها الحياة مجددًا، حيث تم انتشال طفلة في المدينة مع استمرار عمليات البحث والانتشال بين الأنقاض في مشهد قاسٍ وحزين.

ومن قبل ذلك اليوم، غاب هتاف الحياة تقريبًا عن جنديرس المنكوبة منذ اليوم الرابع من الزلزال، فكل من خرج كان فاقدًا للحياة.

إنقاذ حتى الرمق الأخير

ومنذ وقوع الكارثة، وثّقت الخوذ البيضاء مقاطع أخرى تبعث الأمل مع خروج أناس على قيد الحياة قبل أن تعلن انقطاعه نهائيًّا مساء أمس، بقرارها توقف أعمال البحث عن ناجين وبدء انتشال جثث الضحايا ليبقى ضحايا الكارثة وصمة خالدة في وجه المجتمع الدولي.

ففي قرية أرمناز غربي إدلب، تمكن رجال الدفاع المدني من إنقاذ طفلة، رغم بقائها محاصرة مدة 40 ساعة، بين جدران منزلها الذي تهدم فوق عائلتها.

وفي قرية بسنيا غربي إدلب، تمكنوا من انتشال عائلة كاملة من تحت الركام وسط صيحات التكبير والتهليل فرحًا بأسرة كُتب لها الحياة رغم انعدام كل فرص الحياة.

وفي بلدة عزمارين في ريف إدلب الغربي، كشفت عناصر الخوذ البيضاء عن مهارة واحترافية، ليس فقط في جهود الإنقاذ وانتشال الناجين، وإنما أيضا في التعامل مع الأطفال في هذه الظروف العصيبة، والقدرة على احتوائهم وطمأنتهم للتخفيف من هول ما يلاقون.

ولم يقتصر أصحاب (الخوذ البيضاء) على البحث عن ناجين، بل تجولوا أيضا في مخيمات الإيواء، لتقديم الخدمات الطبية للمتضررين، وسط ظروف صعبة يعانيها المدنيون مع انعدام مقومات الحياة حتى قبل الزلزال وتفشي مرض الكوليرا، ووجود نحو مليوني مهجّر يعيشون في المخيمات.

ومع اللحظات الأولى من الزلزال أعلن الدفاع المدني السوري، حالة الطوارئ القصوى، وواصل الليل بالنهار من أجل إنقاذ أكثر عدد ممكن من العالقين تحت الأنقاض، وأعلن الشمال السوري “منطقة منكوبة” مستنجدًا بإدخال مساعدات وإغاثات لنجدة مئات العائلات القابعة تحت الأنقاض.

وخلال الساعات الأولى من بداية الزلزال كان أنقذ مئات من تحت الأنقاض وهم على قيد الحياة، وانتشل أيضًا عددا كبيرا من جثث الذين قضوا تحت ركام المنازل، ولكن الفرص بدأت تتضاءل والوقت بدأ ينفذ بعد مرور 72 ساعة من عمر الزلزال بسبب الصعوبات الكبيرة التي واجهت عمليات الإنقاذ.

وتمثلت أبرز الصعوبات في شح الوقود اللازم لتشغيل الآليات الثقيلة ساعات أطول لتسريع عمليات الإنقاذ، والانتشار الجغرافي الكبير للدمار في معظم مناطق شمال غرب سوريا وما يتطلبه من مستلزمات كبيرة جدًّا في معدات البحث والإنقاذ، والمعدات التقنية الحديثة لتحديد أماكن المصابين، كالمستشعرات الحرارية ومجسات النبض والكاميرات، وغياب المساعدات الدولية وعدم الاكتراث من المجتمع الدولي بالنداءات الإنسانية.

وقد بدأ متطوعو الخوذ البيضاء عملهم عام 2013 بعدما تصاعدت الثورة السورية إلى نزاع مسلح تسبب حتى اليوم في مقتل قرابة نصف مليون سوري ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

بدأ متطوعو الخوذ البيضاء عملهم عام 2013 (الدفاع المدني السوري)

وفي 2014 أصبحوا يعرفون باسم “الخوذ البيضاء” نسبة إلى الخوذ التي يضعونها على رؤوسهم، وتعرّف العالم عليهم بعدما تصدرت صورهم وسائل الإعلام وهم يبحثون بين الأنقاض عن أشخاص عالقين تحت ركام الأبنية أو يحملون أطفالا تغطيهم الدماء إلى المستشفيات خلال المعارك والهجمات العسكرية التي طالت مناطق سيطرة الفصائل المعارضة.

وتلقى عدد منهم تدريبات في الخارج، ثم عادوا إلى سوريا لتدريب زملائهم على تقنيات البحث والإنقاذ.

وتضم منظمة الخوذ البيضاء الناشطة في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة بشمال وشمال غرب سوريا حاليا 3300 متطوع، معظمهم من الرجال، وبينهم نساء يشاركن في عمليات الإنقاذ.

المصدر : الجزيرة مباشر + مواقع التواصل