“مقبرة الإمبراطوريات”.. مقال أمريكي يكشف أخطاء واشنطن المبكرة وفشلها بأفغانستان

عسكريون يحملون نعش جنود أمريكيين قتلوا في الهجوم على مطار كابل (رويترز)

استعرض الدبلوماسي الأمريكي جيمس دوبنز -الذي خدم مبعوثا خاصا في عدد من الدول منها أفغانستان- أسباب فشل الولايات المتحدة هناك معتبرًا أن الأخطاء المبكرة جعلت من النجاح أمرًا مستبعدًا.

وكتب في مقال تحليلي بمجلة (فورين أفيرز) الأمريكية، يقول “شهدت الأيام التي انقضت منذ سقوط كابول في أيدي حركة طالبان سيلًا من التحليلات حول تورط الولايات المتحدة في أفغانستان تشير بعضها إلى سياسة معيبة وسوء تنفيذ، بينما يؤكد آخرون أن تورط واشنطن في البلاد كان محكوماً عليه بالفشل منذ البداية مشيرين إلى سمعة أفغانستان باعتبارها (مقبرة الإمبراطوريات)”.

وأضاف “الحقيقة هي أن فشل الولايات المتحدة في أفغانستان لم يكن مقدرًا، لكن واشنطن أعاقت بشدة جهود تحقيق الاستقرار في وقت مبكر”.

ويرى الكاتب أن الولايات المتحدة بدأت تدخلاتها العسكرية تاريخيًا بهدف وضع حد لشيء ما مثل العدوان العسكري والإبادة الجماعية والانتشار النووي والعمليات الإرهابية المستمرة -كما في حالة أفغانستان عام 2001.

وعندما يتحقق الهدف -كما حدث في أفغانستان بمجرد القضاء على التهديد المباشر من تنظيم القاعدة- تصل القوة المتدخلة إلى مفترق طرق، إذ ينبغي عليها حينئذ أن تختار بين عدة أمور هي: احتلال دائم أو إعادة الغزو بشكل دوري أو الالتزام بالمساعدة في بناء نظام وريث أقل كفاءة مما يسمح لها بشكل مثالي بترك مجتمع يعيش في سلام مع نفسه وجيرانه.

وقد اختارت إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الخيار الثالث، بما أنها غير راغبة في حكم أفغانستان ولا مواجهة خطر عودة تنظيم القاعدة، لكنها فشلت في فهم الأبعاد الكاملة للتحدي الذي كانت تواجهه.

في 31 أغسطس الماضي، فرضت حركة “طالبان” سيطرتها على مطار كابل، عقب انسحاب آخر الجنود الأمريكيين منه (أ ف ب)

أخطاء مبكرة

في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول، اكتسب التدخل في أفغانستان أهمية كبيرة لإدارة بوش التي كانت مصممة على منع هجوم كارثي آخر على الأراضي الأمريكية، لكن الإدارة لم تكن لديها رغبة في الوجود في أفغانستان إلى أجل غير مسمى، لذلك اختارت المساعدة في بناء نظام يخلف طالبان ويفترض أن يحكم البلاد يومًا ما والتأكد من أنها لن تصبح ملاذًا آمنًا للإرهابيين.

سار غزو أفغانستان والإطاحة بطالبان بسلاسة مفاجئة، مما أدى إلى انتصار سريع ومنخفض التكلفة، مما قاد إدارة بوش إلى الاعتقاد بأن متابعة مهمة بناء الدولة يمكن أن تكون بنفس السهولة.

كان الخطأ الأول لإدارة بوش فشلها في إدراك العوائق الجغرافية في طريق جهود إعادة الإعمار الأفغانية، إذ تقع أفغانستان على الجانب الآخر من العالم من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى كونها غير ساحلية ومحاطة بالعديد من الجيران الأقوياء بما في ذلك إيران وباكستان وروسيا.

كانت الطريقة الوحيدة التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها إدخال معظم قواتها وإمداداتها إلى أفغانستان أو الخروج منها هي عبر باكستان وهي دولة لا تشارك الأهداف الأمريكية هناك وتسعى بنشاط إلى تخريبها، بحسب تعبير الكاتب.

وعلاوة على ذلك، كان عدد سكان أفغانستان أكبر بكثير من عدد سكان أي دولة أخرى دخلتها القوات الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية. ففي عام 2001، كان عدد سكان أفغانستان ضعف عدد سكان فيتنام الجنوبية في زمن الحرب.

وعادةً ما تكون نسبة القوات إلى عدد السكان عاملًا مهمًا في تحديد نجاح عملية تحقيق الاستقرار، وكان عدد سكان أفغانستان في 2001 يبلغ 21.6 مليون نسمة، ولكن بحلول نهاية عام 2002، لم يكن هناك سوى حوالي 8000 جندي أمريكي. وبالتالي لم يكن هناك ما يكفي من الجنود الأمريكيين على الأرض لتأمين البلد الذي استولت عليه الولايات المتحدة.

انتشار قوات طالبان في العاصمة الأفغانية كابل بعد انسحاب القوات الأجنبية (الأناضول)

كان أحد أسباب الانتشار الصغير نسبيًا هو أن إدارة بوش لم تكن تنوي أن تتولى القوات الأمريكية مسؤوليات حفظ السلام أو الأمن العام، وبدلًا من ذلك ركزت حصريًا على تعقب أفراد القاعدة المتبقية على حساب الأمن الأساسي المطلوب لبناء الدولة العاملة.

كما أهملت إدارة بوش تخصيص الموارد المالية اللازمة لجهود إرساء الاستقرار في أفغانستان، بعكس ما فعلت في البوسنة على سبيل المثال، إذ قدمت الولايات المتحدة والمانحون الآخرون مساعدة اقتصادية تصل إلى 1600 دولار لكل فرد سنويًا خلال السنوات الأولى بعد الحرب، بينما بلغ الرقم المماثل في أفغانستان 50 دولارًا للفرد.

أخطاء قاتلة

ارتكبت إدارة بوش أخطاء فادحة أخرى حدت من إمكانية تحقيق استقرار ناجح على حد تعبير الكاتب، إذ لم تكن هناك جهود كبيرة مبكرة لبناء جيش أو قوة شرطة أفغانية وطنية، الأمر الذي ترك الأمن في أيدي أمراء الحرب المحليين وجعل مواجهة مقاتلي طالبان العائدين أكثر صعوبة.

ولم تكن هناك نقطة قيادة واحدة لجهود إعادة الإعمار الدولية التي تفتقر بالتالي إلى الاتساق، بل إن الأمر تطلب من المسؤولين الأمريكيين عدة سنوات لإدراك أنه رغم سحب باكستان دعمها لحكومة طالبان، فهي لم تتخل عن طالبان باعتباها منظمة، وبعد طردهم من أفغانستان تم منح قيادة طالبان وأعضاء المجموعة المتبقين ملاذًا في باكستان، حيث تعافوا وأعيد تدريبهم وإمدادهم ثم استأنفوا التمرد لاحقًا في أفغانستان.

المصدر : فورين أفيرز