أزمة البوليساريو تقوّض الثقة بين المغرب وإسبانيا.. ولن تنتهي بطرد غالي

إبراهيم غالي يجدّد الأزمة بين المغرب وإسبانيا
إبراهيم غالي يجدّد الأزمة بين المغرب وإسبانيا (غيتي)

عدّت السلطات المغربية مثولَ زعيم جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) إبراهيم غالى، أمام القضاء الإسبانى، غدًا الثلاثاء، خطوة إيجابية و”اختبارا لمصداقية الشراكة” بين البلدين، وأصرت على “توضيح صريح” من الجانب الإسباني، مؤكدة فى الوقت نفسه على أن محاكمة غالى ليست جوهر الأزمة الدبلوماسية مع إسبانيا.

وقالت وزارة الخارجية المغربية في بيان رسمي، اليوم الإثنين، إن عمق الأزمة الحالية مع إسبانيا يتمثل في كسر الثقة بين الشريكين والصورة العدائية التي تعاملت بها مدريد مع موضوع الصحراء التي تشكل قضية مقدسة بالنسبة للرباط وللشعب المغربي.

وأضاف البيان “الأزمة لا تتعلق بشخص (إبراهيم غالي) ولم تبدأ بدخوله إسبانيا ولن تنتهي بخروجه منها. المسألة أساسًا تتعلق بفقدان الثقة والاحترام المتبادل بين المغرب وإسبانيا. لقد كانت اختبارا للشراكة بين البلدين”.

وشدّدت الخارجية المغربية في بيانها على وجود “صعوبات طبيعية مرتبطة بالجوار وحتمية الجغرافيا، بما في ذلك أزمات الهجرة الدورية، لكن ذلك لا ينبغي أن ينسينا أبدًا أن التضامن هو الشراكة، وحسن الجوار والصداقة مرتبطان بالثقة والمصداقية”، نافية ممارسة أي “ابتزاز” في هذه القضية.

وتابع البيان أن الأزمة “لن تحل بالاستماع” إلى غالي فقط، مشدّدًا على أنها “تستوجب من إسبانيا توضيحا صريحا لمواقفها وقراراتها واختياراتها”.

واستدعى القضاء الإسباني زعيم “الجبهة الشعبيّة لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” (بوليساريو) للمثول أمامه، غدًا الثلاثاء، عبر الفيديو في إطار تحقيقين بتهم “تعذيب” و”إبادة جماعية”.

وأثار استقبال إسبانيا لغالي المدعوم من الجزائر غضب الرباط، وقد برّرت مدريد الأمر بأنه “لأسباب إنسانية بحتة”.

ودخل غالي الأراضي الإسبانية، في أبريل/نيسان الماضي، وذلك للعلاج من آثار الإصابة بفيروس كورونا المستجد (المسبب لمرض كوفيد-19).

وكانت مجلة “جون أفريك” الناطقة بالفرنسية كشفت الأمر، ما أكدت بوليساريو لاحقاً صحته ثم الحكومة الإسبانية التي أشارت إلى “دوافع إنسانية محضة” وراء استقباله رافضة إعطاء أي تفاصيل حول وضعه الصحي.

وتحوّلت القضية إلى أزمة بين البلدين بعد تخفيف الشرطة المغربية رقابتها على الحدود بداية الأسبوع، ما أدّى إلى تدفّق نحو 10 آلاف مغربي إلى جيب سبتة الإسباني.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره البولندي ماتيوش مورافيتسكي قرب مدريد، قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إنه “من غير المقبول” أن “تفتح الحدود أمام عشرة آلاف مهاجر لكي يتمكنوا في أقل من 48 ساعة من دخول مدينة إسبانية”.

لكن سانشيز جدد التأكيد أن المغرب حليف “استراتيجي” لإسبانيا، مشددًا على أن العلاقات بين البلدين يجب أن يسودها “الاحترام والثقة”.

وتابع رئيس الوزراء الإسباني “على المغرب ألا ينسى أن لا حليف أفضل له من إسبانيا في الاتحاد الأوربي”.

ومنذ أيام عدة تطالب الرباط بتحقيق “شفاف” حول ظروف وصول زعيم جبهة بوليساريو الذي تقول الأجهزة المغربية إنه سافر بطريقة “احتيالية” وبـ”جواز سفر مزوّر”.

ووفق صحيفة “البايس” الإسبانية، نقلا عن مصادر دبلوماسية، وصل غالي في 18 أبريل على متن طائرة طبية تابعة للرئاسة الجزائرية ويحمل “جواز سفر دبلوماسيا” قبل دخوله إلى مستشفى لوغرونيو (شمال) تحت اسم مستعار “لأسباب أمنية”، وأوضحت المصادر أنّه كان يواجه “خطر الموت” لدى وصوله.

ولفتت الصحيفة الاسبانية إلى أنّ قرار استقباله اتخذ “على أعلى المستويات” كخدمة للجزائر (أبرز موردي الغاز إلى إسبانيا)، ولكنّه أثار غضب الرباط التي طالبت بـ”تحقيق شفاف” حول ظروف وصول غالي.

وردًا على استقبال مدريد لإبراهيم غالي الذي تصنِّفه الرباط “مجرم حرب”، خففت القوات المغربية قبضتها على الحدود مع سبتة، ما أسفر عن عبور نحو عشرة آلاف مهاجر، حسب شرطة سبتة.

وعزا وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة “السبب الحقيقي للأزمة” إلى “استقبال مدريد لزعيم ميليشيات بوليساريو الانفصالية بهوية مزورة”.

ونددت الحكومة الاسبانية بـ”الابتزاز” واستدعت سفيرة المملكة المغربية التي عادت إلى بلادها عقب ذلك حيث ستبقى إلى انتهاء الأزمة وفق بوريطة.

وأوفد القاضي الذي سيستمع إلى غالي عناصر شرطة إلى لوغرونيو للتحقق من هويته وإبلاغه بالاستدعاء للمثول أمامه قضيتين؛ تدور الأولى التي تقدّم بها فاضل بريكا (المنشق عن جبهة بوليساريو ويحمل الجنسية الإسبانية) بتهمة ارتكاب “تعذيب” في مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف (غربي الجزائر)، والثانية تقدمت بها الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان ومقرّها إسبانيا، بتهم ارتكاب إبادة جماعية وقتل وإرهاب وتعذيب وإخفاء قسري.

وتطالب بوليساريو بإجراء استفتاء تقرير مصير في الصحراء الغربية أقرّته الأمم المتحدة، في حين يقترح المغرب الذي يسيطر على ثلثي هذه المنطقة الصحراوية منحها حكمًا ذاتيًا تحت سيادته.

وتعد الأمم المتحدة “الصحراء الغربية” من ضمن “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي” في ظل عدم وجود تسوية نهائية لوضعها.

وكانت الجبهة قد أعلنت استئناف القتال، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد حوالي ثلاثة عقود من سريان وقف إطلاق النار، وذلك بعد تنفيذ المغرب عملية عسكرية في منطقة بأقصى جنوب الصحراء الغربية.

من هو إبراهيم غالي؟

يتزعم إبراهيم غالي منذ 2016 بوليساريو ويرأس “الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية” المعلنة من جانب واحد في 1976.

تحاول الجبهة الاستقلال بالصحراء الغربية، المستعمرة الاسبانية القديمة التي يسيطر المغرب على نحو 75% منها، وهي تعدّ منطقة صحراوية تبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع وتقع شمال موريتانيا، وتعدها الأمم المتحدة منطقة “غير محكومة ذاتيا” في غياب تسوية نهائية.

وتدعو جبهة بوليساريو بدعم من الجزائر إلى تنظيم استفتاء لتقرير المصير وافقت عليه الأمم المتحدة ولكن يؤجَّل باستمرار منذ التوقيع في عام 1991 على وقف لإطلاق النار بعد 16 سنة من القتال، ويقترح المغرب من جانبه منح المنطقة حكما ذاتيا تحت سيادته.

ومع توقف عملية التسوية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، استؤنفت الأعمال العدائية منتصف نوفمبر.

المصدر : الجزيرة مباشر + وكالات