شكوك وأسئلة متزايدة حول لقاح أسترازينيكا.. ووفيات في دول أوربية بعد التطعيم

لقاح أسترازينيكا المثير للجدل
لقاح أسترازينيكا المثير للجدل (غيتي)

تزايدت الأسئلة والشكوك المثارة حول لقاح أسترازينيكا، وذلك بعد ظهور حالات وفاة جديدة في بريطانيا وفرنسا بعد تلقي اللقاح بسبب حالات تجلط دم غير نمطيّة، لكن وكالة الأدوية الأوربية لم تؤكد الصلة بين لقاح أسترازينيكا وحالات الوفاة.

ويطل سؤال: كيف يمكن تفسير مشاكل الدم الخطيرة والنادرة التي ظهرت على أشخاص تلقوا لقاح أسترازينيكا المضاد لكوفيد-19؟ لا يملك العلماء إجابة محددة عن هذا السؤال، في انتظار الاجتماع الجديد لوكالة الأدوية الأوربية، الأسبوع المقبل، لعلها تقدّم الجديد.

ولفهم الأسئلة المثارة حول لقاح أسترازينيكا، يتعين الإلمام بطرف من القصة وبدايتها، ثم موقف الدول والهيئات من اللقاح، حتى الآن.

ما الذي لوحظ؟

في البداية، ظهرت مشاكل صحية على بعض من طعِّموا بلقاح أسترازينيكا، لم تكن مجرّد تخثرات عادية (تكوّن جلطات دموية)، وإنما كانت تخثرات متقدمة -وربما مميتة- وهي ظاهرة “غير مألوفة للغاية”، وفق ما تؤكده وكالة الأدوية الفرنسية.

ووفق الوكالة، يتعلق الأمر بـ”جلطات في الأوردة الكبيرة، غير مألوفة في مكان وقوعها (الدماغ في الأغلب، ولكن أيضًا في الجهاز الهضمي)، يمكن أن تقترن بنقص الصفائح (الدموية) أو اضطرابات تخثر” مع حدوث نزيف.

يعد معهد بول إيرليش الطبي -الذي يقدم المشورة للحكومة الألمانية- أول جهة أشارت، منتصف مارس/آذار الماضي، إلى “تراكم لافت لشكلٍ محدد من الخِثار الوريدي الدماغي شديد الندرة، مرتبط بنقص الصفائح الدموية”، ويذكّر ذلك بظاهرة تسمى التخثر المنتشر داخل الأوعية، حسب أطباء مختصين.

وأوضح أوديل لوناي أخصائي الأمراض المعدية، وعضو لجنة لقاحات كوفيد -التي أنشأتها الحكومة الفرنسية- أنها “متلازمات استثنائية للغاية، تظهر في حالات تعفن الدم الخطيرة (التهابات شديدة)، ويمكن أن تؤدي إلى جلطات ونزيف”، وذلك خلال حديثه لوكالة فرانس برس.

هل من رابط بين حالات الوفاة واللقاح؟

أكدت وكالة الأدوية الأوربية، الأربعاء الماضي، أنه “لم تثبت أي صلة سببية (مع اللقاح)، لكنها ممكنة وتُجرى حاليًّا تحليلات إضافية”، وستجتمع الوكالة مجددًا للنظر في المسألة بين 6 و9 أبريل/ نيسان الجاري.

في حين، أصدر مختصون آخرون في أنحاء أوربا آراء أكثر قطعيّة، إذ صرّح أندريه هولمي، المسؤول في مستشفى أوسلو الوطني، ويعمل على هذه الحالات، في تصريح لتلفزيون (تي في2) النرويجي، في 27 مارس الماضي، أنه “يجب أن نوقف التكهن إن كان هناك ارتباط أم لا؟ جميع الحالات ظهرت عليها الأعراض بعد 3 إلى 10 أيام من تلقي لقاح أسترازينيكا. لم نجد أي عامل سببيّ آخر”.

بينما قال المسؤول الصحي النرويجي شتاينار مادسن لفرانس برس “تقدّر وكالة الأدوية النرويجية أنه توجد صلة محتملة باللقاح”.

وأكدت وكالة الأدوية الفرنسية، في 26 مارس الماضي، أن ذلك احتمال (نادر) بناءً على “الطبيعة غير النمطية لهذه الجلطات، وأعراضها السريرية المتشابهة والوقت المتقارب لظهورها”.

كم يبلغ حجم التهديد؟

يظل هذا هو السؤال الأساسي في التعامل مع لقاح أسترازينيكا، ووفق الأرقام التي نشرتها وكالة الأدوية الأوربية، الأربعاء الماضي، أحصِيت حتى الآن 62 حالة تخثر وريدي دماغي في العالم، 44 منها في 30 بلدًا ضمن المنقطة الاقتصادية الأوربية (الاتحاد الأوربي وأيسلندا والنرويج ولشتنشتاين) على 9.2 مليون جرعة لقاح مستعملة.

وسُجِّلت 14 وفاة من دون أن تُعزى دائمًا بشكل موثوق إلى الجلطات غير النمطية، وفق ما صرّحت مديرة الوكالة إمير كوك خلال مؤتمر صحفي عبر الإنترنت، الأربعاء الماضي، كما أوضحت الوكالة أن تلك المعطيات جزئيّة.

وسُجِّلت في ألمانيا 31 حالة يشتبه في إصابتها بالتخثر الوريدي الدماغي (19 منها مصحوبة بانخفاض في عدد الصفائح الدموية) وتسع حالات وفاة، وفق معهد بول إيرليش.

يمثل ذلك معدل حالة واحدة لكل 100 ألف جرعة من لقاح أسترازينيكا (استعملت 2.8 مليون جرعة).

وأبْلِغَ أيضًا عن حالات في فرنسا (12 بينها أربع وفيات، من أصل 1.9 مليون جرعة وفق وكالة الأدوية الفرنسية)، وفي النرويج (خمس حالات بينها ثلاث وفيات، من أصل 120 ألف جرعة) وكذلك في هولندا.

أما في المملكة المتحدة التي تستعمل لقاح أسترازينيكا على نطاق واسع، أعلن السبت عن 30 حالة بينها سبع وفيات، من بين 18.1 مليون جرعة مستعملة.

لكن كما هو الحال مع أي دواء، فإن معرفة المخاطر لا تكفي، إذ يجب مقارنتها بالفوائد التي يوفرها المنتج.

كررت الوكالة الأوربية للأدوية، الأربعاء الفائت، موقفها الذي أعلنته، في 18 مارس المنقضي، إثر رصد أولى الحالات، وقالت إن “فوائد لقاح أسترازينيكا في الوقاية من كوفيد-19 الذي يؤدي إلى حالات الاستشفاء والوفيات، تفوق مخاطر الآثار الجانبية”.

هل توجد عوامل خطر؟

حتى الآن، ظهرت معظم الحالات على أشخاص دون سن الخامسة والستين، وغالبيتهم نساء. لكن لا يمكن استخلاص أي استنتاج من ذلك، لأنه قد يكون نتيجة تطعيم الشباب به بشكل أساسي في بداية حملات التلقيح.

علاوة على ذلك، قد يكون ارتفاع نسبة النساء بين الحالات المبلَّغ عنها مرتبطا بكثرة استعمال اللقاح في تطعيم الموظفين الصحيين، وهي فئة ذات أولوية، ويكثر حضور النساء في أوساطهم.

وتعد وكالة الأدوية الأوربية أنه “حتى الآن، لم تحدد الاختبارات أي عوامل خطر معيّنة لهذه الحالات النادرة جدًا، مثل العمر أو الجنس أو التاريخ الطبي بما في ذلك مشاكل تجلط الدم”.

بالرغم من ذلك، وبعد الموجة الأولى لتعليق استعمال اللقاح منتصف مارس الماضي، قرر بعض البلدان عدم إعطاء هذا اللقاح لأشخاص دون سنّ معينة.

وتبقى ألمانيا آخر الدول التي قررت، الثلاثاء الماضي، تقييد استخدام اللقاح لمن هم دون سنّ الستين، بينما علقت كندا استخدامه لمن هم دون سنّ الخامسة والخمسين، وكانت قد سبقتهما فرنسا (55 عاما) والسويد وفنلندا (65 عاما).

وقالت عالمة الفيروسات في جامعة غوته في فرانكفورت ساندرا سيسيك لمجلة (ساينس): “ليس لدينا لقاح واحد فقط، بل عدة لقاحات، ولهذا السبب يبدو لي تخصيص أسترازينيكا لكبار السن أمر منطقي”.

واتخذت النروج والدنمارك خيارا أكثر جذرية من خلال تعليق استعمال لقاح أسترازينيكا بشكل كامل في الوقت الحالي.

ما الأسباب؟

لا نزال في مرحلة الفرضيات وهذه واحدة من النقاط التي يجب أن توضحها وكالة الأدوية الأوربية.

وفي دراسة نُشرت على الإنترنت، في 28 مارس الفائت، لم تُقيَّم بعد من علماء آخرين، قارن باحثون ألمان ونمساويون المسألة بظاهرة أخرى معروفة.

وقال الباحثون الذين قادهم أندرياس غرينشر (جامعة غرايفسفالد) إن الظاهرة المرتبطة بلقاح أسترازينيكا “تشبه سريريًّا ضعف الصفائح الدمويَّة نتيجة استعمال دواء هيبارين”.

وضعف الصفائح نتيجة هيبارين هو رد فعل مناعي غير طبيعي وشديد ونادر يحدث لدى بعض المرضى عند تلقي عقار هيبارين المضاد للتخثر.

وكان فريق في مستشفى أوسلو الوطني قد قدَّر، في 18 مارس الفائت، أن تلك الحالات يمكن تفسيرها بأنها نتيجة “استجابة مناعية قوية” تجاه اللقاح.

بدوره، يعتبر تجمّع الأطباء والباحثين الفرنسيين الذي يحمل اسم “دوكوتي دو لاسيونس” (في صفّ العلم) أن الحالات ناتجة عن “رد فعل مناعي شديد”، ويطرح فرضية مبتكرة، إذ يعتبر أنه من الممكن أن تكون نقطة البداية “الحقن العرضي للقاح في وريد في العضلة الدالية، (في الكتف)”.

ويضيف في منشور على موقعه الإلكتروني أنه “في ظل وجود عوامل لم يتم تحديدها بالكامل، فإن الحقن الوريدي العرضي من شأنه أن يولد رد فعل مناعي متباين”.

وفي السياق، علَّقت هولندا استخدام لقاح استرازينيكا في حملة التطعيم ضد كورونا مؤقتا، وكانت وزارة الصحة الهولندية قررت، مساء أمس الجمعة، عدم استخدام اللقاح في تطعيم الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 60 عاما، وذلك على خلفية حدوث تأثيرات جانبية خطيرة لدى نساء.

وبعد مشاوراتها مع الوزارة، قررت المكاتب الصحية في هولندا، اليوم السبت، تعليق كل التطعيمات بلقاح استرازينيكا مؤقتا لمنع الهدر في اللقاح لأنه لا يمكن ضمان الاستفادة من كل الأمبولات التي ستُفتح للتطعيم مع قلة عدد القادمين.

وكان من المنتظر تلقيح نحو 700 شخص تزيد أعمارهم عن 60 عاما بلقاح استرازينيكا في الأيام المقبلة، ومن المنتظر أن يسري قرار التعليق مؤقتا حتى السابع من الشهر الجاري.

ويتمثل السبب في قرار الوقف المؤقت للتطعيم باسترازينيكا في ورود خمسة بلاغات عن حالات تجلط دموي لنساء تتراوح أعمارهن بين 25 و65 عاما وانتهت إحدى هذه الحالات بوفاة صاحبتها.

وحسب وزارة الصحة، فإنه يجري البحث في إن كانت هناك علاقة لهذه الحالات بالتطعيم، ويشار إلى أن عدد الأشخاص الذين تلقوا التطعيم بلقاح أسترازينيكا في هولندا وصل حتى الآن إلى قرابة 400 ألف شخص.

وبعد تلقي أكثر من 18 مليون شخص لقاح أسترازينيكا، قالت وكالة مراقبة الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية البريطانية إن سبعة أشخاص توفوا بسبب جلطات دموية نادرة، على الرغم من أنه لم يتضح إن كانت هذه مصادفة.

وقال جون راين، المدير التنفيذي لوكالة مراقبة الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية البريطانية لهيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) “لا تزال الفوائد في منع الإصابة بمرض كوفيد-19 ومضاعفاتها تفوق أي مخاطر ويجب على الجمهور الاستمرار في تلقي لقاحاتهم، عند دعوتهم لذلك”.

وكانت الوكالة قد ذكرت في وقت سابق أنه كانت هناك 30 حالة لحوادث نادرة لجلطات دموية، من أصل 18.1 مليون جرعة للقاح أسترازينيكا/أوكسفورد، الذي تم إعطاؤه في بريطانيا.

وتابعت الوكالة أنه حتى 24 مارس الماضي، وردت أنباء عن إجمالي 22 حالة من “تخثر في الوريد الدماغي” وثمانية أنواع أخرى من تجلط في الدم، مشيرة إلى أنه لم يتضح أيضا إن كانت تلك لها صلة.

وكانت تقارير بشأن حالات غير عادية لجلطات دموية لدى مرضى، تلقوا لقاح أسترازينيكا قد دفعت بعض هيئات مراقبة الأدوية الوطنية لفرض قيود على من يمكنهم الحصول على اللقاح.

ومع ذلك قالت بريطانيا إن اللقاح آمن لجميع الفئات العمرية، كما تلقى أكثر من 31 مليون شخص في بريطانيا أول جرعة من اللقاح، أكثر من 18 مليون منهم بلقاح أسترازينيكا.

في السياق، ذكرت هيئة الأدوية الأوربية أن اللقاح آمن، على الرغم من أنها تعتزم إجراء مزيد من المشاورات في أعقاب قرارات مسؤولي الصحة الوطنية.

من جهتها، راجعت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية رخصة لقاح شركة مودرنا للسماح للشركة بشحن قنينات ممتلئة بما يصل إلى 15 جرعة، مقارنة بالقنينات الحالية المليئة بعشر جرعات، بحسب وكالة بلومبرغ للأنباء.

وإلى جانب تغيير في التصنيف، فإن من شأن هذا التعديل أن يساعد مودرنا في التخفيف من مشكلة تواجهها مصانع تعبئة القنينات والتسريع من الوتيرة التي تمكنِّها من طرح جرعات اللقاح في الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن مزايا لقاح أسترازينيكا/أكسفورد أنه غير مكلف، وقد تم تطويره من فيروس يصيب الشمبانزي، لكنه يراكم خيبات أمل بينها شكوك حول آثار جانبية خطيرة رغم ندرتها، وقد طوّر اعتمادا على فيروس منتشر لدى الشمبانزي، إذ طوّر اللقاح باحثون في جامعة أكسفورد مع شركة الأدوية البريطانية العملاقة أسترازينيكا.

ويعتمد لقاح أسترازينيكا على (ناقل فيروسي)، أي أنه يستند إلى فيروس آخر هو فيروس غدّي منتشر بين الشامبنزي، جرى إضعافه وتكييفه لمكافحة فيروس كورونا المستجد، وطريقته في إيصال المادة الجينية إلى الخلايا، وتوجيهها لمهاجمة فيروس كورونا المستجد قد وُصفت بأنها (حصان طروادة).

ومن أبرز ميزات لقاح مختبرات أسترازينيكا وجامعة أكسفورد أن كلفته ضئيلة تقارب 2.50 يورو للجرعة الواحدة، كما أنه سهل التخزين إذ يتطلب حرارة تراوح بين درجتين وثماني درجات مئوية، وهي حرارة البرادات العادية.

يأتي ذلك على نقيض لقاحي موديرنا وفايزر-بايونتيك اللذين لا يمكن تخزينهما على المدى الطويل إلا بدرجات حرارة متدنية جدا تصل إلى 20 درجة تحت الصفر للقاح الأول، و70 درجة تحت الصفر للقاح الثاني، ما يسهّل التطعيم بلقاح أسترازينيكا على نطاق واسع.

ووفق شركة أسترازينيكا، تبلغ فعالية اللقاح 70% (مقابل أكثر من 90% للقاح فايزر-بايونتيك وموديرنا)، وهي نسبة أكدتها مجلة “ذي لانست” المختصّة، وأظهرت نتائج أولية تفاوتا في الفعالية وفق الجرعة المستعملة، نتيجة خطأ في تحديد الجرعة، ما أثار انتقادات دفعت الشركة إلى إجراء دراسات إضافية.

وبرز أيضا تشكيك أوربي حول فعاليته لدى من يتجاوز سنّهم 65 عاما، نتيجة نقص البيانات، قبل أن تظهر دراسات جديدة أنه آمن، وانتقدت السلطات الصحيّة الأمريكية الشركة بعد أن تسلمت منها معطيات (قديمة) حول تجاربها السريرية. جرى إثر ذلك خفض فعالية اللقاح إلى 76% ضد أشكال الإصابة غير المترافقة بأعراض بعد أن كانت 79% في البداية.

وأظهرت دراسات بريطانية أجريت في ظروف واقعية، في اسكتلندا وإنجلترا، أن اللقاح يوفر حماية مهمة من الاستشفاء (بنسبة 94% بعد أربعة أسابيع من الدراسة في اسكتلندا).

ووفق أسترازينيكا، رخِّص للقاح في أكثر من 70 بلدا حتى منتصف مارس الماضي، وبريطانيا هي أول بلد وافق على استعماله وطلب 100 مليون جرعة منه، أما في الاتحاد الأوربي، فقد تعرضت الشركة لانتقادات كثيرة نتيجة تأخرها في تسليم شحنة وجهتها إلى المملكة المتحدة.

وقررت المفوضية الأوربية تشديد الرقابة على صادرات اللقاحات المضادة لكورونا إلى خارج دول الاتحاد، في ظل ضعف عمليات التسليم مقارنة بما جاء في الاتفاق، مما سبَّب خلافا حادا بين بروكسل ولندن اللتين التزمتا منذ ذلك الوقت بتسوية الخلاف عبر التفاوض.

المصدر : الجزيرة مباشر + وكالات