لماذا رفض ماكرون الاعتذار عن التاريخ الاستعماري لفرنسا؟ ولماذا أقحم تركيا في أزمته مع الجزائر؟

بينما جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رفضه تقديم الاعتذار بشأن تاريخ بلاده الاستعماري في أفريقيا، يتواصل الغضب الجزائري رسميا وشعبيا ضد تصريحاته التي اعتبرها الجزائريون مسيئة لتاريخ بلادهم.

ولفت المحلل الفرنسي باتريك فورسيي إلى أن ماكرون عند زيارته للجزائر في 2017 كانت له تصريحات قال فيها إن “الاستعمار جريمة ضد الإنسانية” وانتُقد آنذاك وهو مرشح للرئاسة.

زيارة إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في 2017 (رويترز)

وقال فورسيي للجزيرة مباشر “لا أعتقد أن الانتخابات الرئاسية المقبلة هي التي جعلت ماكرون يتحدث بهذه الطريقة، إنما هناك خلاف بين الجزائر وفرنسا تفاقم مؤخرا وربما يشعر ماكرون بخيبة أمل لأنه لم يستطع تسوية ملف الذاكرة إذ يعتقد أن الأمر مغلق من الجانب الجزائري وأن هناك صعوبة في التقدم”.

وأوضح أنه قبل 3 أسابيع حد ماكرون من منح التأشيرات لمواطني دول المغرب العربي حتى يخفف عددهم في فرنسا، في حين ترفض الجزائر إعادة مواطنيها غير النظاميين في فرنسا ما زاد العلاقات الثنائية توترا.

وبرر فورسيي لقاء رئيس فرنسا بأحفاد الحركيين (جزائريون حاربوا مع فرنسا ضد بلادهم وأخذتهم معها بعد الاستقلال) والذي اعتبرته الجزائر استفزازا، بأن ماكرون “يتجاوز النخب السياسية ويحاول التحدث إلى الشباب باعتبار أن الجزائر تعيش أزمات داخلية بسبب المظاهرات  والوضع الاجتماعي بسبب كوفيد 19”.

وقال المحلل إن البعد الاقتصادي غير حاضر في الأزمة إنما هي سياسية وأمنية بسبب مخاوف من وجود “إرهابيين” بين المهاجرين غير النظاميين.

تخبطات ماكرون

وعاد فورسيي ليقف عند تصريح ماكرون بخصوص الوجود العثماني في الجزائر، وقال إن تعبير الرئيس وإن كان سيئا “إلا أنه لا يمكن إنكار هذا الأمر”.

في المقابل، قال خبير الشؤون التركية علي باكير إن نفوذ الفرنسيين في أفريقيا آخذ في التراجع خلال العشر سنوات الأخيرة لصالح دول أخرى ذات نفوذ أقوى مثل الصين وأمريكا وتركيا وروسيا.

وأضاف باكير أنه من الصعب على العقلية الفرنسية الاستعمارية تقبل تراجع نفوذها الإقليمي، مشيرا إلى أن هذا سبب تخطبها، مرجعا هذه الأزمات إلى أسباب اقتصادية، معتبرا أن المستعمرات القديمة تبقي الاقتصاد الفرنسي في حالة من الديناميكية باعتباره يحظى بامتيازات هائلة داخل هذه البلدان دون السماح لدول أخرى بالمنافسة العادلة.

ورأى باكير أن تقوية العلاقات التركية مع دول المغرب العربي يضرب السياسة الفرنسية في صلبها ما يجعل الأخيرة تحاول افتعال المشاكل مع أنقرة وتحريض حلف الناتو والاتحاد الأوربي واليونان ضدها دون جدوى.

وقال باكير إن تركيا تعلم أن ماكرون مقبل على انتخابات في أبريل/نيسان المقبل، وعلى ما يبدو أنه في ورطة وينتقل من نزاع لآخر مع عدة دول، بدءا من تركيا والمسلمين والجزائر وأمريكا وبريطانيا وأستراليا والمغرب، قبل أن يعود إلى الجزائر.

ووصف باكير بأنه يعتمد على سياسة شعبوية يسعى من خلالها لكسب أصوات اليمين المتطرف ويلعب على مواضيع حساسة في الداخل الفرنسي منها موضوع اللاجئين والإسلام والعلاقة مع الجزائر و”الخطر التركي المتصاعد”.

وأوضح الخبير أن الجانب التركي على وعي بهذه المناورة الفرنسية، قبل أن يستطرد “لكن مثل هذا الأسلوب يمكن أن يشكل خطرا على العلاقات الثنائية ليس فقط على المستوى السياسي بل يمكن أن يؤدي إلى تأجيج الصراع في المنطقة”.

ولفت باكير إلى عدم وجود نية للتصعيد من الجانب التركي على اعتبار أن استمرار تخبط ماكرون سيؤدي لفشله في الانتخابات المقبلة وبالتالي لا حاجة للانخراط معه في نزاع سيزيد شعبيته، لكن تحركات تركيا إزاء هذه الأزمة تعتمد على ماكرون.

تصعيد محتمل

من جهته اعتبر الدكتور ناصر جابي أستاذ الاجتماع السياسي في الجزائر، أن ماكرون قدم نفسه في البداية خلال حملته الانتخابية على أنه مرشح على استعداد لتقديم تنازلات في هذا الملف وتحدث عن استعمار بلاده للجزائر عندما زارها وأبدى حسن نية، لكن هذا الاستعداد شهد انتكاسة، حتى إن ماكرون تنافس مع أقصى اليمين على أطروحته.

وتوقع جابي أن ماكرون لن يتراجع عن هذه المواقف، وأنه سيستمر لعوامل كثيرة أهمها المزاج السياسي والثقافي والفكري في فرنسا والذي يتجه حتى أقصى اليمين.

وعن انسلاخ ماكرون من تصريحاته السابقة عندما كان مرشحا، ربط أستاذ الاجتماع السياسي ذلك بالنخب السياسية الفرنسية التي تدهورت في العقود الأخيرة، واعتبر صعود ساركوزي في 2007 خير دليل على أن “فرنسا لم تعد قادرة على إنتاج نخب بمواصفات عالية كما السابق وهو ما ينطبق على ماكرون”.

ووصف جابي رؤساء فرنسا في العقود الأخيرة بـ”المتواضعين على المستوى السياسي والفكري”، وقال إنهم لا يملكون طموحات كبيرة، في حين أن المطلوب رئيس جمهورية قوي حتى يقطع مع تاريخ البلاد الاستعماري.

وأضاف أن العلاقات الجزائرية الفرنسية لن تعود إلى سابق عهدها بعد تصريحات ماكرون وبأن الجزائر فوجئت بهذه المواقف، خاصة عندما تحدث ماكرون عن “عدم وجود أمة جزائرية” ورجح أنها ستؤدي إلى تدهور أكبر في كافة المجالات.

واعتبر أن فرنسا لم تعد قوة عظمى ما جعلها تتطرف وتعود إلى الخطاب السياسي الاستعماري القديم وهو ما لن ينساه الجزائريون.

أزمة ثلاثية

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون استدعى سفير بلاده لدى باريس للتشاور بعد تصريحات نقلتها صحيفة (لوموند) الفرنسية تساءل فيها ماكرون مستنكرا “هل كان هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟”.

وألمح ماكرون إلى تركيا بقوله “كان هناك استعمار للجزائر قبل الاستعمار الفرنسي” -في إشارة لفترة الوجود العثماني- قبل أن يتراجع ويدعو للتهدئة ويعرب عن احترامه للشعب الجزائري.

وانتقد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة تصريحات ماكرون ووصفها بالخطأ الجسيم، وقال في تصريحات لوكالة الأناضول إن “تركيا لاعب دولي مهم جدا” وشدد الوزير على أن بلاده “لا يمكن أن تقبل أي تدخل في شؤونها الداخلية”.

واستبعد لعمامرة أن تؤثر الأزمة التي تعيشها الجزائر مع فرنسا على علاقات الأولى بدول شقيقة مثل تركيا، وأضاف “لنا تاريخ طويل ومعقد مع فرنسا وتمكنا دائما من إدارته كما مع أي دولة أخرى بطريقة تحفظ كرامتنا وحقوقنا وسيادتنا”.

وأكد وزير الخارجية  أن الجزائر لا تقبل المساومة بكرامتها مقابل التعاون سواء مع فرنسا أو أي من الشركاء، ووصف الرد على “التشكيك في وجود أمة جزائرية” بالقوي والحازم.

ودخل وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو على الخط واتهم الرئيس الفرنسي بالشعبوية، وأضاف أن تلك التصريحات كانت سيئة للغاية وأنه من الخطأ إقحام أنقرة فيها، وأشار إلى أن ماكرون يتبع ما وصفها بـ”أساليب رخيصة” بسبب الانتخابات في بلاده.

المصدر : الجزيرة مباشر