حصري للجزيرة مباشر: طبيب يشرح طريقة صناعة اللقاحات الحديثة وآلية عملها

سباق اللقاحات قد يضع نهاية لفيروس كورونا المستجد
سباق اللقاحات قد يضع نهاية لفيروس كورونا المستجد (رويترز)

في حديث خاص للجزيرة مباشر، شرح أستاذ واستشاري الأمراض الباطنية في لندن، ماهر عبد العزيز حمد، طريقة صناعة اللقاحات الحديثة وآلية عملها، وذلك بالتزامن مع بدء تطبيق استعمال لقاح فيروس كورونا المستجد (المسبّب لمرض كوفيد-19) في عدد من دول العالم.

وقال حمد: “يجب توفر شرطين في اللقاحات؛ الأول سلامة اللقاح، والثاني فعاليته ضد المرض”.

وتابع “لعمل اللقاح يجب أن يمر بثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى عبر تجربة اللقاح ‏على الحيوانات (لا سيّما الفئران الصغيرة)، يُعطى القاح للحيوانات مع مراقبتها بعناية شديدة، ورصد أيّ مضاعفات جانبية قد تبدو عليها، والوقوف على فعالية اللقاح فعال ضد المرض (عبر دراسة الأجسام المضادة في دم الحيوانات)، وفي المرحلة الأخيرة يُحقن الفيروس في الحيوانات وتُراقب.

بعد التأكد من سلامة اللقاح وفاعليته في الحيوانات، تبدأ تجربة اللقاح على الإنسان، في عملية تتألف من 4 خطوات.

تشمل الخطوة الأولى تجربة اللقاح على عدد بسيط من المتطوعين الأصحاء ومن لا يعانون من أيّ أمراض (نحو 100 شخص).

‏يُراقب المتطوعون للتأكد من حدوث مضاعفات جانبية من عدمه، وفي الوقت نفسه تُحدد الجرعة المناسبة من اللقاح، وهذا مهم لأنه إذا كانت الجرعة أقل من المطلوب قد تؤثر على فاعليته سلبًا، وإذا زادت عن المطلوب قد تؤدي إلى آثار جانبية.

في ‏الخطوة الثانية يطبّق اللقاح على عدد أكبر من المتطوعين (100 إلى 1000 شخص)، ويُراعى أن يمثّل المتطوعون تركيبة المجتمع (أعمار مختلفة، أجناس مختلفة، سلالات مختلفة، وممن يعانون أمراضًا مزمنة).

‏وفي هذه الخطوة يُراقب الأطباء المختصون المتطوعين إذا حدثت ‏لهم آثار جانبية، كما تُحدد أيضًا الجرعة المطلوبة للقاح.

في الخطوة الثالثة، يُجرب اللقاح في عدد كبير من المتطوعين (أكثر من ألف متطوع)، وتُراعى فيها خصائص المتطوعين كما في المرحلة الثانية.

في ‏الخطوة الرابعة والأخيرة، إذا أثبت اللقاح فعاليته وسلامته، يقدّم للسلطات المعنية لإجازته.

آلية إنتاج لقاح شركتي فايزر ومودرنا

وبشأن لقاح شركتي فايزر ومودرنا، قال حمد إنهما يعملان بتقنية mRNA وهي تقنية تستعمل هذا الحمض النووي، ويختلف عن الحمض النووي DNA الذي يحمل الجينات الوراثية للأشخاص.

ينقلmRNA  الأوامر من الـDNA الخاص بخلايا الجسم لتصنيع بروتينات جديدة، تُحدد الإطارات والأجزاء ومعظم العمليات الكيميائية لجميع أشكال الحياة.

والـmRNA ضعيف وغير مستقر، وبمجرد أداء مهمته يتخلص منه الجسم ومدة وجوده قبل أن يكتشفه الجسم ويتخلص منه 5 دقائق تقريبا.

وتقنية الـmRNA تتمثل في تحميل الصبغة الجينية للبروتين المكوِّن لنتوءات فيروس كورونا الموجود على الجدار الخارجي للفيروس (spike protein)

ونظرًا لضعف الـmRNA ضعيف وقِصر مدة حياته، فإنه يُغلَّف بطبقة دهنية لحمايته وإطالة عمره نسبيًّا، وعندما يحقن اللقاح في الجسم يلتصق الغلاف الدهني بجدار الخلية ويطلق الـmRNA صبغة الفيروس الوراثية داخل الخلية، وهنا يستغل الـmRNA الخلية المضيفة لتصنيع البروتين المكون لنتوءات فيروس كورونا مما يؤدي لتحفيز الجهاز المناعي وتتكون أجسام مضادة، ويحفز الجهاز المناعي الخلوي لتنشيط الذاكرة ضد الفيروس.

في هذه الأثناء تتخلص الخلية من الـmRNA وهذا يؤكد أنه لا خطورة ولا مضاعفات جانبية من هذه التقنية، والتي استخدمت من قبل في علاج السرطانات.

بدء استعمال اللقاح المضاد لفيروس كورونا المستجد
بدء استعمال اللقاح المضاد لفيروس كورونا المستجد (غيتي)

لقاح أسترازنكا/ أكسفورد

تتشابه التقنية المستخدمة في صناعة هذين اللقاحين مع التقنية السابقة، لكن بدلا من أن يُغطى الـmRNA بجدار دهني؛ فإن الخواص الجينية الموجودة في نتوآت فيروس كورونا ‏وتحمّل في الحمض النووي DNA.

‏ولحقن الحمض النووي في الجسم، يحتاج إلى حامل يحمله، وفي هذه الحالة يحمل الحمض النووي في الفيروس المسبب للنزلات البرد (Adenovirus) في قرود الشمبانزي، وهذا ‏الفيروس لا يؤثر على الإنسان، وغير ضار له.

‏عند حقن اللقاح المكوّن من الحمض النووي المحمول في فيروس الـ(Adenovirus)، يلتصق الأدينو-فيروس بجدار الخلايا و‏يُطلَق الحمض النووي في الخلية، ومن هنا يذهب الحمض النووي إلى النواة وهناك يتحول الـDNA إلىmRNA ، والذي يخرج من النواة  ويتخذ الخطوات ذاتها التي حدثت في تقنية لقاح فايزر.

‏وتشترك التقنيتان في الخطوات النهائية والرئيسية، في حين أن الاختلاف الوحيد ينحصر في طريقة إدخال البروتين المكون لنتوءات فيروس كورونا إلى الجسم والخلية.

‏ مرت جميع هذه اللقاحات على كل التجارب السريرية المطلوبة، وما قبل السريرية بدون اختزال لها.

وفيما يختص السرعة في إنتاج اللقاح، أرجع أستاذ الأمراض الباطنية السبب إلى عوامل أساسية؛ توافر الدعم ‏المالي الكبير، فضلًا عن اكتشاف الصبغة الجينية للفيروس بسرعة.

في الماضي، كانت التقنيات المتاحة لإنتاج اللقاح محدودة، وقد تستغرق سنوات طويلة، واعتمدت على إضعاف الفيروس، ولإضعاف الفيروس‏ كان يجب التأكد من أنه وصل لدرجة الضعف، فلا يتكاثر في الجسم ولا يسبب المرض، كما أن تحديد الجرعة الكافية من المادة المضعِفة للفيروس، والوسيلة المناسبة لإضعافه كانت تأخذ وقتًا طويلًا، أما الطريقة الأخرى فهي قتل الفيروس، و‏إيجاد الوسيلة لقتل الفيروس -في هذه التقنية أيضًا- مع الإبقاء على الصفات المحفزة للمناعة تحتاج وقتًا طويلًا، وبعد ذلك يزرع الفيروس بكميات كبيرة، وهي مسألة تستغرق كذلك زمنًا طويلًا.

وأضاف حمد “قد تكون هذه التقنيات -في بعض الأحيان- خطيرة جدًا؛ لأنه إذا كانت سرعة انتقال الفيروس سريعة والفيروس قاتل مثل مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، فإنه قد يصيب العلماء العاملين على إنتاج اللقاح.

ومن العوامل المؤثرة في سرعة إنتاج اللقاح كذلك تطور تقنية المعلومات والكومبيوتر، وسهولة وجود متطوعين (73 ألف متطوع خلال أشهر بسيطة)، علاوة على وجود تفنيات عالية وحديثة لإنتاج اللقاح.

المصدر : الجزيرة مباشر