من الثورة المصرية إلى فض “رابعة”.. البرادعي يثير جدلا جديدا بالحديث عن محاولة “تدميره”

مع حلول الذكرى العاشرة لثورة يناير، عاد نائب الرئيس المصري السابق، محمد البرادعي، ليثير الجدل مرة أخرى حول من يتحمل مسؤولية إخفاق الثورة ويفتح صندوق الخلافات السياسية بين القوى المصرية.

وأثارت عودة البرادعي للتغريد حول الثورة المصرية حالة من الجدل بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة مع تكرار تركيز نقده وتحليله للتيار الإسلامي دون الإشارة إلى أخطاء التيار المدني -الذي ينتمي إليه- في حق الثورة.

وكان البرادعي جدد اتهامه لجماعة الإخوان المسلمين بتهديده خلال محاولته التوسط بينها وبين الجيش خلال اعتصام رابعة العدوية، الذي فض في 14 أغسطس/آب 2013 وأوقع مئات القتلى بين صفوف المعتصمين.

وقال البرداعي في تغريدة عبر حسابه على تويتر “من الغاز وخراطيم المياه فى 28 يناير مرورًا بالحجارة وكسر الرخام في استفتاء 19 مارس وصولًا إلى التهديد (بالتدمير) أثناء محاولات إيجاد حل سلمي لاعتصام رابعة. وقبل ذلك وبعده الكثير”.

وأثارت تغريدة البرادعي حالة من الجدل بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وانقسمت الأراء بين تحمل البرادعي وعدد من رموز التيار المدني مسؤولية دعم الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر صيف عام 2013 وأطاح بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا في البلاد، وقضى معه على مشروع الثورة.

وهناك من ذهب إلى تحمل التيار الإسلامي وفي مقدمتهم الإخوان، مسؤولية الوضع الذي وصلت إليه الثورة المصرية بعد عقد من اندلاعها.

وكان للبرادعي دور بارز في دعم خطوة الجيش في الانقلاب على الرئيس المصري المنتخب في يونيو/حزيران 2013، لكن سرعان مع أخل الجيش بوعده في التخلي عن السلطة.

وشهدت العلاقة بين البرادعي وجماعة الإخوان المسلمين، تباينات مختلفة ،حيث دعمته الجماعة في بداية تأسيسه للجمعية الوطنية للتغيير، التي شكلت مظلة للقوى السياسية نهاية عهد حسني مبارك، لكن سرعان ما اختلف الطرفان عقب الثورة بعدما تبنت الجماعة ومعها العديد من التيارات الإسلامية بدعم التصويت الايجابي على استفتاء مارس/آذار، بينما حمل التيار المدني شعار التصويت السلبي ضد الاستفتاء الذي دعا إليه المجلس العسكري لتعديل الدستور.

وتعمقت الخلافات بين التيار الإسلامي والمدني حول الانتخابات البرلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، لتصل إلى ذروتها عقب انتخاب القيادي بالجماعة محمد مرسي رئيسا للجمهورية.

البرادعي الذي سرد أسباب إخفاق الربيع العربي في سلسلة من التغريدات تحت وسم ذكريات، أشار إلى أن تنحية الخلافات بين القوى السياسية وإعلاء الانتماء الوطني يمثل المفتاح لاستعادة مشهد الثورة المصرية في المستقبل القريب.

 

وكتب عبر حسابه على تويتر” في مثل هذا اليوم منذ عشرة سنوات أثبتنا اننا نستطيع تنحية خلافاتنا والتوحد حول أهم وأسمى ما يجمعنا: إنسانيتنا و مصريتنا. قدرتنا على استعادة هذا المشهد هى مفتاح المستقبل”.

وتابع “ثار المصريون لحريتهم وكرامتهم عندما سُدت أمامهم أبواب التغيير. واجهوا تحديات وعقبات عديدة وخُدعوا كثيرًا واخطأوا كثيرًا وضحوا كثيرًا ولكن في كل ذلك تعلموا وتغيروا كثيرًا. مسيرة الشعوب نحو الحرية دائمًا طويلة وإذا كان من الممكن تعطيلها فإنه من المستحيل وأدها”.

واختار مدير وكالة الطاقة الذرية السابق، شعار الكاتب الإنجليزي جورج أورويل “الحرية عبودية والجهل قوة” واصفًا محاولات النظام الحالي تشويه الثورة المصرية.

وقدم البرادعي تحليلًا مطولًا عن أسباب إخفاق الربيع العربي، قائلًا “بدلًا من الخضوع لانتقال حقيقي إلى الحرية والعدالة الاجتماعية، ارتدت كل بلدان الربيع العربي تقريبًا إلى توليفات متعددة من حكم الفرد ودرجات متباينة من الفقر والعنف، باستثناء تونس”.

وأشار في مقال كتبه قبل أيام في صحيفة (بروجيكت سنديكيت) تحت عنوان “الربيع العربي ووعده الأبدي”، إلى أن “الديمقراطية ليست فنجانًا من القهوة السريعة الذوبان. بل إنها في احتياج إلى بيئة مواتية وثقافة مضيافة لتزدهر وتنمو، بسبب تاريخ طويل من الاستعمار، تلته عقود من الاستبداد. كانت هذه البيئة غائبة في العالم العربي”.

وعزا البرادعي إخفاق شعارات الثورة المصرية في تحقيق أهدافها إلى حالة الانقسام التي ضربت أطرافها، قائلًا كان شعار “الخبز، والحرية، والعدالة الاجتماعية” هو النداء الحاشد، ولكن تبين أن ترجمة هذا إلى واقع أكثر ديمقراطية أمر مُعضِل وشديد التعقيد.

وأرجع ذلك إلى أنه “لم تكن المؤسسات اللازمة لتمكين التماسك الاجتماعي الحقيقي حاضرة ببساطة. انقسم الثوار على طول مجموعة متنوعة من الخطوط الأيديولوجية”.

وحمل البرادعي مجددًا التيارات الإسلامية، مسئولية الإخفاق دون الإشارة إلى دور التيار المدني في هذا المشهد المعقد الذي تعيشه الثورة.

وأضاف “بعد اندلاع الربيع العربي، تسبب صدع عميق في التفريق بين الإسلاميين والعلمانيين، تبين أن هذا الافتقار إلى التماسك الاجتماعي والإجماع على قيم أساسية هو كعب أخيل الأكبر ونقطة الضعف الأعظم في الجهود الرامية إلى التحول إلى الديمقراطية في العالم العربي”.

ويرى البرادعي أن “ثالوث إخفاق الثورة المصرية يرجع إلى نجاج النظام القديم تشكيل ذاته، وتحول النزاع في أغلب الحالات إلى صراع شرس على السلطة بين الدولة العميقة الراسخة، والمؤسسة العسكرية، والجماعات الدينية العديدة التي مثلت القوات المنظمة الوحيدة غير التابعة للدولة، بجانب تدخلات بعض القوى الخارجية بِغِلظة، لأنها ارتأت أن المنطقة أكثر أهمية من أن تُترَك لتقرير مستقبلها بذاتها”.

وقال إن “هناك أربعة دروس من الربيع العربي قد تكون مفيدة في توجيه المسار السياسي في المنطقة، تتمثل في إعادة تشكيل المجتمع المدني المستقل، والعمل على التماسك الاجتماعي لدرء التدخل الخارجي، وتشكل المصالحة الأيديولوجية، وتحديد العلاقة بين الدين والدولة، بجانب إدراك أن الانتقال إلى الديمقراطية تراكمي وتدريجي… يجب أن تكون عملية التحول إلى الديمقراطية شاملة ودقيقة”.

واختتم مقاله قائلًا “الدرس الأخير المستفاد من الربيع العربي ــالذي يتجلى بشكل مأساوي في ليبيا وسورياــ هو ضرورة إقناع القائمين على السلطة بأن من مصلحتهم أن ينضموا إلى هذه المسيرة. فمن منظور أي نظام، يُعَد التغيير التدريجي أفضل بكل تأكيد من احتمال اندلاع ثورة مفاجئة تهدد بإزاحة القائمين على السلطة ليحل محلهم خواء السلطة”.

المصدر : الجزيرة مباشر + مواقع التواصل