بعد الفوضى وتحويل مسار طائرته.. اعتقال المعارض الروسي “نافالني” فور وصوله موسكو

المعارض أليكسي نافالني وزوجته يوليا على متن الطائرة (رويترز)

قال مراسل الجزيرة إن السلطات الروسية اعتقلت المعارض أليكسي نافالني فور وصوله عند نقطة الحدود بمطار شيرميتيوفا في موسكو، بينما سمحت لزوجته يوليا بالعبور.

وكانت وكالة الأنباء الفرنسية قد ذكرت أن الطائرة التي تقل نافالني هبطت في موسكو، كما قالت وكالة أنباء رويترز إن طائرة المعارض الروسي غيرت وجهتها نحو مطار آخر في موسكو بعد اعتقال بعض أنصاره بمطار فنوكوفا.

وقال مراسل الجزيرة إن السلطات الروسية حولت طائرة نافالني إلى مطار شيرميتيوفا في موسكو واعتقلته فور وصوله.

وقبل اعتقاله، قال نافالني “سعيد بعودتي ولا أفهم تعريض السلطات المجال الجوي بموسكو للخطر بتغيير مسار الرحلة”.

وطار نافالني وزوجته، الأحد، من العاصمة الألمانية برلين، إلى روسيا رغم اعتقال محاميته واثنين من مساعديه، ورغم فوضى عمت المطار وأسفرت عن اعتقال عدد من مؤيديه أيضًا.

واستقل نافالني طائرة عائدا إلى وطنه، للمرة الأولى منذ تعرضه للتسمم الصيف الماضي، على الرغم من إعلان السلطات الروسية اعتزامها اعتقاله وربما سجنه لسنوات.

إقلاع الطائرة التي تُقل المعارض الروسي أليكسي نافالني من برلين إلى موسكو
إقلاع الطائرة التي تُقل المعارض الروسي أليكسي نافالني من برلين إلى موسكو (غيتي)

 

وقال نافالني للصحفيين بعد صعوده الطائرة المتجهة إلى موسكو “هذه أفضل لحظة في الأشهر الخمسة الماضية.. لدى شعور رائع. أخيرًا، سأعود إلى مسقط رأسي”، وفي مقطع فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، قال لأنصاره “تعالوا لاستقبالي”، مضيفًا أنه “شُفي عمليًّا” من التسمم الذي أغرقه في غيبوبة.

وقبل مغادرته، كتب نافالني على تطبيق إنستغرام “انظروا إلى أي مدى هم جبناء ويثيرون الشفقة والسخرية”.

وقالت وسائل إعلام روسية إن صحفيين ونشطاء سوف يرافقون نافالني على متن رحلته، واشترى بعضهم تذاكر لمشاهدة الأحداث شخصيًا.

 

في حين، قالت إدارة السجون في موسكو إنها ستسعى لاعتقاله بمجرد عودته، متهمة إياه بانتهاك شروط عقوبة السجن مع وقف التنفيذ بتهمة الاختلاس، وهي قضية تعود لعام 2014 يقول إنها كانت ملفقة.

جاء ذلك بعد يوم واحد من إعلان نافالني (44 عامًا) العودة إلى موسكو، في حين قال المعارض الروسي إنه لا يعتقد أن يُقبض عليه، مؤكدًا أنه بريء، مضيفًا “ما الذي يجب أن أخاف منه؟ ما الشيء السيئ الذي يمكن أن يحدث لي في روسيا؟ إنه شعور مواطن روسي له كل الحق في العودة (إلى بلاده)”.

ولوحظ انتشار كثيف للشرطة مكافحة الشغب الروسية بمطار “فنوكوفو” في موسكو، حيث يتوقع وصول المعارض، بينما تجمّع نحو مئتين من أنصار نافالني أمام الحواجز التي أقيمت لمنعهم من بلوغ قاعة وصول المسافرين، وفق صحفيين لوكالة الأنباء الفرنسية كانوا على متن الطائرة.

وشُدِّدت إجراءات الأمن في مطار “فنوكوفو” في الساعات التي تسبق وصول نافالني، وأظهرت صور نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تحرك القوات الخاصة وعربات نقل السجناء إلى مواقع في المطار، بينما وثق ناشطون الفوضى التي عمّت المطار واعتقال البعض.

وقال نشطاء آخرون إنهم احتُجزوا في مطار بولكوفو في سان بطرسبرغ أو أوقفوا في سيارات في الشارع، واشتكى صحفيون من أن سلطات المطار في فنوكوفو حظرت الوصول إلى المطار، بسبب جائحة كورونا.

نقل نافالني إلى برلين عقب تسميمه
نقل نافالني إلى برلين عقب تسميمه (غيتي)

ونُقل نافالني، أحد أبرز منتقدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى برلين للعلاج الطبي الطارئ بعد تعرضه للتسمم، في أغسطس/آب الماضي، وأظهرت الفحوص الألمانية أنه غاز الأعصاب “نوفيتشوك”.

ويقيم المعارض في ألمانيا، منذ أواخر أغسطس/آب، بعدما أصيب بإعياء شديد خلال رحلة العودة من سيبيريا إلى موسكو في إطار حملة انتخابية، وأدخل المستشفى في مدينة أومسك حيث بقي 48 ساعة، ثم نقل إلى برلين في غيبوبة -دامت ثلاثة أسابيع- بعد ضغط مقربين منه.

وخرج نافالني من المستشفى، في أوائل سبتمبر/ أيلول الفائت، وخلصت ثلاثة مختبرات أوربية إلى أنه سمّم بمادة “نوفيتشوك” التي طوّرت خلال الحقبة السوفيتية من أجل أغراض عسكرية، وأكدت هذا الاستنتاج منظمة حظر الأسلحة الكيميائية رغم نفي موسكو المتكرر.

وبعد نجاته من محاولة الاغتيال هذه، لم يتأخر نافالني -المحامي السابق- في الرد فنشر تحقيقًا لوسائل إعلام عدة، سلّط فيها الضوء على مسؤولية جهاز الأمن الفدرالي الروسي في تسميمه، وبثّ محادثة هاتفية قال إنه أوقع فيها بأحد عناصر الجهاز الذي يلاحقه منذ سنوات.

ويقول نافالني إن أجهزة الأمن الروسية دبرت لاغتياله بأمر مباشر من بوتين، الذي لا يذكر نافالني اسمه إطلاقًا، لكن بوتين ينفي كل تلك الاتهامات، كما تنفي موسكو عملية التسميم جملة وتفصيلا، رغم نتائج المختبرات الأوربية التي تثبت أنه تعرض للتسمم.

تحقيق في احتيال

وحتى الآن، ترفض روسيا فتح تحقيق جنائي لمعرفة ما حصل لنافالني، بحجة أن ألمانيا ترفض نقل بياناتها إلى روسيا.

لكن ألمانيا أعلنت، السبت، أنها أرسلت إلى موسكو غالبية عناصر التحقيق القضائي المتعلق بقضية التسميم المفترض لنافالني، وتضمّ عناصر “محاضر جلسات استجواب” نافالني من قبل المحققين الألمان، فضلًا عن “عينات دم وأنسجة وقطع ملابس”.

وقالت ألمانيا إنها تنتظر الآن من موسكو أن “تُلقي الضوء على هذه الجريمة”.

وأكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، الأحد، أن موسكو تلقت الوثائق التي أرسلتها ألمانيا، لكنها أوضحت “أنها لا تتضمن أساسًا أي شيء” مما طلبته موسكو.

وتقول سلطات السجون الروسية إن نافالني لم يحترم حين كان في ألمانيا شروط حكم بالسجن مع وقف التنفيذ صدر بحقه العام 2014، والذي يلزمه بالتوجه مرتين في الشهر -على الأقل- إلى إدارة السجون.

وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول، فتح تحقيق في حق نافالني بتهمة حصول “احتيال واسع النطاق”.

وأشارت لجنة التحقيق الفدرالية الروسية إلى أن شبهات تحوم حول إنفاق نافالني مبلغ 356 مليون روبل (3.9 مليون يورو) لأغراض شخصية، كان مصدرها تبرعات جمعتها منظمات عدة، خصوصا جمعيات تكافح الفساد، أو معنية بحماية حقوق الإنسان “يديرها نافالني”.

ولا يزال نافالني -الذي تتجاهله وسائل الإعلام الروسية، وغير الممثل في البرلمان ولا يحق له الترشح بسبب إدانته بتهمة التهرب الضريبي التي وصفها بأنها قرار سياسي- أبرز أصوات المعارضة، لا سيّما وأنه الآن الصوت الرئيسي للمعارضة، خصوصًا منذ اغتيال بوريس نيمتسوف، في 2015.

كما يعود ذلك بشكل أساسي إلى قناته على موقع “يوتيوب” التي يتابعها 4.8 ملايين شخص، ومنظمته الخاصة بمكافحة الفساد.

ورغم تعرّض نافالني مرارًا لملاحقات قضائية والحكم عليه بالسجن لفترات قصيرة، نجح وهو الناشط في مجال مكافحة الفساد بتنظيم العديد من المظاهرات التي جرت متابعتها من كثب، بينما تسببت استراتيجياته الانتخابية بخسارات محرجة عدة للسلطة في استحقاقات محلية. لكن تبقى شهرته محدودةً خارج المدن الكبرى.

وبحسب استطلاع للرأي أجراه مركز “ليفادا” المستقل، أيدت نسبة 20 في المئة فقط من الروس تحرك نافالني، في حين رفضها 50 في المئة منهم، أما الباقون فإما لم يسمعوا قط بالمعارض، وإما رفضوا الإدلاء بآرائهم.

ويرى خبراء أن عودة نافالني تطرح معضلة أمام الكرملين الذي عليه اتخاذ قرار بشأن سجنه فور رجوعه من ألمانيا أو تركه طليقًا، إذ إن تركه حرًا يعرّض الكرملين لخطر الظهور بمظهر الضعف، فيما إدانته بالسجن ستشكل فضيحة جديدة.

المصدر : الجزيرة مباشر + مواقع التواصل + وكالات