هاجمت أوربا.. لماذا تحالفت مالطا مع حكومة الوفاق الليبية؟

وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو ووزير الشؤون الخارجية والأوربية لمالطا بارتولو مع رئيس الوزراء الليبي فايز السراج في طرابلس

رغم أنها أصغر دول الاتحاد الأوربي مساحة وسكانا، إلا أن مالطا الوحيدة في هذه المنظمة التي اتخذت موقفا رافضا لعملية إيريني البحرية الأوربية لحظر الأسلحة إلى ليبيا.

بل وانسحبت منها، وأصبحت مواقفها داعمة بشكل واضح وصريح لحكومة الوفاق الشرعية في طرابلس.

كثفت الحكومة المالطية خلال الأشهر الأخيرة من لقاءاتها بالمسؤولين الليبيين بالتنسيق مع تركيا، وخاصة بعد تحرير الجيش الليبي التابع للحكومة الشرعية، كامل الحدود الإدارية للعاصمة طرابلس، ومعظم مدن وبلدات المنطقة الغربية في يونيو/حزيران الماضي.

وتحدّت مالطا، التي لا تتجاوز مساحتها 320 كلم مربعا، دولا كبرى في الاتحاد الأوربي مثل فرنسا وألمانيا بالإضافة إلى اليونان، عندما انتقدت ازدواجية المعايير التي تتبعها أوربا في ليبيا.

وتغض أوربا الطرف عن نقل كميات كبيرة من الأسلحة جوا وبرا من روسيا ومصر والإمارات وحتى من النظام السوري إلى قوات حفتر، بينما تحاول محاصرة الحكومة الشرعية في طرابلس بحرا.

وفي هذا الصدد، قال وزير خارجية مالطا إيفاريست بارتولو،في يوليو/تموز الماضي، ينبغي لأوربا ألا تكون منافقة تجاه ليبيا، وأن تكون منصفة، وألا تكيل بمكيالين، مشددا على أن حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا ينبغي أن يشمل جميع الطرق البرية منها والجوية، لا فقط تلك الآتية من البحر.

رئيس حكومة الوفاق الليبية ووزير الخارجية التركي ووزير الخارجية المالطي

 

هذا الموقف القوي من فاليتا، تُرجم من خلال توقيع وزير الخارجية المالطي مع نظيريه التركي مولود تشاووش أوغلو، والليبي محمد الطاهر سيالة، على بيان مشترك، في 6 أغسطس/آب الجاري، بطرابلس، أعلنوا فيه تحفظهم على عملية إيريني، ودعم أنقرة وفاليتا لحكومة الوفاق المعترف بها دوليًا.

وسبق هذا الاجتماع الثلاثي، اجتماع آخر في العاصمة التركية أنقرة، في 21 يوليو/تموز، ضم وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ووزيري الداخلية الليبي فتحي باشاغا، والمالطي بويرون كاميلاري، وتم بحث خطط تعزيز الاستقرار في منطقة حوض المتوسط، ومكافحة الهجرة غير النظامية والجريمة المنظمة، ومكافحة الإرهاب، وتطوير القدرات الأمنية.

لماذا تتحالف مالطا مع الحكومة الليبية؟

لا تبعد السواحل المالطية عن شواطئ العاصمة الليبية طرابلس سوى نحو 357 كلم فقط، فهي أقرب أرض أوربية إلى ليبيا بعد جزيرة لامبيدوزا الإيطالية (354 كلم عن شواطئ زوارة الليبية).

لذلك تعتبر مالطا الهدف الثاني للمهاجرين غير النظاميين بعد إيطاليا، والذين ينطلقون من السواحل الغربية لليبيا على غرار شواطئ زليتن (150 كلم شرق طرابلس) والقره بوللي (45 كلم شرق طرابلس)، وصرمان وصبراتة (أقل من 70 كلم غرب طرابلس)، ومليتة (80 كلم غرب طرابلس) وزوارة (100 كلم غرب طرابلس) وأبو كماش (150 كلم غرب طرابلس).

وفي بلد لا يتجاوز عدد سكانه 460 ألف نسمة فقط، 90% منهم من المسيحيين الكاثوليك، فإن مالطا تخشى أن تتحول إلى قِبلة للمهاجرين غير النظاميين من الدول العربية وأفريقيا جنوب الصحراء وحتى آسيا، بشكل يؤثر على تركيبتها السكانية.

وعلى سبيل المثال، بلغ عدد المهاجرين غير النظاميين الذي تمكنوا من الوصول إلى الأراضي المالطية في 2019 فقط، نحو 3 آلاف و700 مهاجر.

وأحد أسباب استياء فاليتا من عملية إيريني الأوربية، عدم تضمنها مكافحة الهجرة غير النظامية في البحر الأبيض المتوسط، والتي تمثل هاجسا كبيرا لحكومة فاليتا.

ولم يأخذ الاتحاد الأوربي بعين الاعتبار الهواجس المالطية في عين الاعتبار عند إطلاقه إيريني، لذلك صوتت فاليتا في 8 مايو/أيار الماضي، داخل مجلس الاتحاد ضد إيريني، قبل أن تعلن انسحابها منها في اليوم التالي.

ناهيك عن اتهامات فاليتا لأوربا بعدم توزيع المهاجرين بشكل عادل على بقية الدول.

مهاجرون أنقذتهم القوات المسلحة المالطية

 

وفي هذا السياق، قال وزير الداخلية المالطي، مايكل فاروجيا، في تغريدة، يناير/كانون ثاني 2020، السلطات المالطية قدمت طلباً لمساعدتها في نقل المهاجرين الذين تم العثور عليهم في مركز الاستقبال الأولي إلى دول (أوربية) أخرى، بعد عام قياسي (2019) من عمليات الإنقاذ التي أجريت في أعالي البحار تحت مسؤوليتنا. حتى الآن لم يتم تقديم أي ترتيب لإعادة التوطين. من السهل جدًا انتقاد ذلك.

وبالتزامن مع إحساس مالطا بتخلي أوربا عنها في أزمتها مع الهجرة غير النظامية، وجدت في الحكومة الليبية الشرعية حليفا جادا وموثوقا به.

وزير الخارجية المالطي، قال في تدوينة له على فيسبوك، نهاية يونيو/حزيران الماضي، إن حكومة الوفاق تمكنت على الرغم من كل مخاوف الحرب التي سببتها، ووباء كورونا، وبوسائل محدودة للغاية، من منع المتاجرين بالبشر من إرسال 2000 مهاجر آخر إلى مالطا.

وفي 6 يوليو، استقبل رئيس وزراء مالطا روبيرت آبيلا، رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج، استقبالا وصفته وسائل إعلام بـالمهيب وغير المألوف، في زيارة مفاجئة لم يعلن عنها مسبقًا، وافتتح الرجلان خلالها مركزا للتنسيق المشترك بين البلدين لمواجهة الهجرة غير النظامية بفاليتا.

كما زار وفد أمني مالطي، طرابلس، في 5 أغسطس/آب الجاري، برئاسة السفير تشارلز صليبا، ومندوبين عن رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع المالطيتين، لمناقشة ما يتعلق بمكافحة الهجرة غير النظامية وتدريب العناصر الأمنية الليبية وحرس السواحل في مجال تفكيك ونزع الألغام، ومكافحة الهجرة غير النظامية.

التعاون الاقتصادي

من بين المواضيع التي تمت مناقشتها بين مسؤولي ليبيا ومالطا في محطات مختلفة، التعاون الاقتصادي والاستثمارات.

ففي البيان الثلاثي المشترك، الذي صدر الخميس، تم الاتفاق على عودة الشركات التركية والمالطية للعمل في ليبيا، واستئناف الرحلات الجوية بين البلدان الثلاثة.

كما بحث السفير المالطي لدى طرابلس والوفد المرافق له، مع رئيس مؤسسة النفط الليبية مصطفى صنع الله، إمكانية تفعيل مذكرة التفاهم المبرمة بين البلدين في 2013، والتي تنص على التعاون النفطي بينهما.

رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا مع السفير المالطي

وتتحدث بعض التحاليل والقراءات، عن إمكانية توقيع الحكومة الليبية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع مالطا، على غرار تلك الموقعة مع تركيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

ويتيح ترسيم الحدود البحرية لمالطا، البدء في استكشاف النفط والغاز في منطقتها الاقتصادية بالبحر الأبيض المتوسط، الغني بالنفط والغاز.

وكاد أن يؤدي شروع فاليتا بالتنقيب عن النفط في البحر المتوسط في 1980، لنشوب أزمة مع طرابلس، قبل أن يفصل التحكيم الدولي لصالح ليبيا في 1981.

مالطا توجه ضربة موجعة لحفتر

تعد مالطا من الدول الأوربية التي عارضت بشكل صريح هجوم حفتر على طرابلس في 4 أبريل 2019، بالنظر إلى انعكاس ذلك سلبيا على أمنها سواء من حيث ازدياد الهجرة غير النظامية أو التهديدات الإرهابية.

لكن أكبر ضربة وجهتها مالطا إلى قوات حفتر، مصادرتها حاويتين بحجم 56 مترا مكعبا، أواخر سبتمبر/أيلول 2019، مليئتين بعملة ليبية مطبوعة في روسيا كانت مخصصة للحكومة الموازية في شرق البلاد.

وشكلت هذه العملية ضربة موجعة لحفتر، بالنظر إلى حاجته الملحة لمزيد من الموارد المالية لتمويل حملته العسكرية على طرابلس حينها، خاصة بعد تجنيده عددا أكبر من أبناء القبائل والمرتزقة الروس والأفارقة، ومواجهة سكان المنطقة الشرقية أزمة في السيولة المالية، وتدهور الوضع الاقتصادي إجمالا في المناطق التي يسيطر عليها.

ومن المتوقع أن يتعزز التحالف المالطي مع ليبيا أكثر وبدعم من تركيا، بالنظر إلى حجم المصالح الأمنية والاقتصادية بين البلدان الثلاثة.

المصدر : الأناضول + الجزيرة مباشر