فورين بوليسي: كيف يهدد فيروس كورونا نظام السيسي في مصر؟

أحد أفراد فرق التعقيم يرش حائط عليه صورة الرئيس السيسي بمحطة الشهداء لمترو الأنفاق

أظهر تقرير مطول في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية الشهيرة أن فيروس كورونا المستجد ربما يحمل وطأة على النظام السياسي في مصر بنفس قدر وطأته أو أكثر على النظام الصحي.

وأشار التقرير الذي كتبه أستاذ العلوم السياسية نائل شامة إلى الأثر الذي يمثله وباء كوفيد-19 الناجم عن فيروس كورونا المستجد على الصعيد السياسي وكيف يمكن أن تتحول الأزمة الصحية في مصر إلى كرة ثلج تطيح بالنظام السياسي الحالي وتغير الوضع في مصر لتنال “استقلالها” على غرار ما تسببت فيه “الإنفلونزا الإسبانية” في العام 1918 والتي أحدثت تغييرات هيكلية أدت إلى نيل مصر استقلالها عن بريطانيا في عام 1922.

ويمكن الاطلاع على النص الأصلي للتقرير من هنا

وجاء ترجمة التقرير كالتالي

” في 16 من مارس/آذار الماضي، سجلت مصر 126 حالة مؤكدة بفيروس كورونا المستجد، وبحلول منتصف أبريل/نيسان وصل العدد إلى 2700، وبعد أسبوع زادت الحالات بما يزيد على الثلث.

وعلى الرغم من أن تفشي الفيروس لا يزال في بدايته، إلا أن نظام الرعاية الصحية الهش في مصر يعاني بالفعل وكذلك السكان. كما أن الاقتصاد المتعثر منذ فترة طويلة وحكومة لا تجعل الإنفاق على الخدمات الصحية من أولوياتها، يصب الزيت على النار.

وفي حال استمرار فيروس كورونا في انتشاره السريع فإن الأمر مجرد وقت قبل أن تنفجر الأزمة الصحية الحالية لتتحول إلى أزمة سياسية.

تسلط الزيادة الحادة في أعداد حالات فيروس كورونا الضوء على الوضع المذري لنظام الرعاية الصحية المصري..

وسجلت مصر نحو خمسة آلاف حالة مؤكدة وتوفي 359 شخصا بالفيروس بحلول يوم 28 من أبريل/نيسان، ومما لا شك فيه فإن الأعداد الحقيقية أكثر بكثير في ظل العدد المتدني للغاية من الفحوصات.

وفي أنحاء البلاد، ثمة نقص في الأطباء والتمريض والأدوية والمستلزمات الطبية والأسرة بالمستشفيات، ما يترك النظام الصحي بلا تجهيزات مناسبة لمواجهة جائحة قاتلة للغاية تنتشر بسرعة.

تسبب تدني الأجور وظروف العمل السيئة في ترك كثير من الأطباء البلاد، بينهم 10 آلاف طبيب فقط خلال السنوات الثلاثة الماضية.

وقدرت نقابة الأطباء المصرية أن من بين 220 ألف طبيب مسجلين، يعمل نحو 120 ألف طبيب خارج مصر. وتعاني المستشفيات العامة من نقص في التمريض يتراوح بين 55 ألفا إلى 60 ألفا.

وفي مصر يبلغ معدل الأسرة في المستشفيات 1.3 سرير لكل ألف شخص، مقارنة بمعدل 13 سريرا في اليابان وثمانية أسرة في ألمانيا وستة أسرة في فرنسا.

وذكر استطلاع لمؤسسة “الباروميتر العربي” أن 31% فقط من المصريين راضون عن الأداء الإجمالي للخدمات الصحية الحكومية في الفترة من عام 2018 إلى عام 2019، بانخفاض قدره 19 نقطة عن عام 2010.

ويشكل الأطباء والتمريض والعاملون في المجال الطبي نحو 13% من إجمالي الإصابات بفيروس كورونا في مصر، وهي نفس النسبة تقريبا التي جرى تسجيلها في إيطاليا وإسبانيا.

وعلى الرغم من خطورة الحديث علنية، لجأ عديد الأطباء إلى وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة الوعي بشأن أوضاع العمل، وسوء الإداء ونقص المستلزمات التي يقولون إنها تعرض حياتهم للخطر.

وأصبحت فيديوهات تظاهر العاملين في المجال الصحي في أروقة المستشفيات أمرا شائعا. وفي حال تصاعد الأزمة، فإن محاولات إسكات أصواتهم لن تجدي نفعا.

على مدار عقود، تجاهلت الحكومة الرعاية الصحية، خاصة عندما تقارن بالحصة الكبير من الموازنة العاصمة المخصصة للقوات الأمنية. وانخفض الإنفاق الحكومي على الصحة من 6.7% من الموازنة العامة في عام 2000 إلى 4.2% في موازنة عام 2016.

سيكون عدد الحالات المتزايدة من فيروس كورونا بمثابة تذكير مأساوي لقادة البلاد بأن التهديدات ليست كلها ذات طبيعة عسكرية.

ومنذ وصول عبد الفتاح السيسي للرئاسة في عام 2014، بالغ بشكل كبير في التأكيد على خطر الإرهاب والتضحيات التي يقدمها الجيش والشرطة للقضاء على الإرهاب. وجاء هذا على حساب مخاطر أخرى.

ويعد الجيش في مصر أقوى مؤسسة سياسية واقتصادية وأمنية. ومنذ عام 1952 أصبح دوره في النظام السياسي والاقتصاد والمجتمع محوريا وحاسما.

وانخرط الجيش بقوة في قتال مسلحين إسلاميين في سيناء على مدار السنوات السبع الماضية.

وأدى الفساد المترسخ وسوء إدارة موارد الدولة في تفاقم الإحباط العام. واندلعت مظاهرات نادرة ضد السيسي في سبتمبر/أيلول 2019 بعد أن نشر رجل الأعمال والمقاول السابق لدى الجيش محمد علي، الذي يعيش في منفى اختياري، فيديوهات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، اتهم فيها قادة بارزين بالفساد.

وتفاقم الغضب العام بعد تأكيدات السيسي أن القصور الرئاسية التي انتقد لإنشائها بنيت من أجل مصلحة أعلى وأنها ضرورية لبناء “دولة حديثة”.

من ناحية أخرى، واصلت الحكومة المصرية تشييد عاصمة ساحرة جديدة في شرق القاهرة بكلفة قدرت بنحو 58 مليار دولار.

وهذا الأمر مزعج للغاية بالنظر إلى المشاكل الاقتصادية للبلاد. ولا يزال المصريون يتحملون أعباء تعويم الجنيه في عام 2016، والذي أدى إلى خسارة العملة المصرية لنصف قيمتها مقابل الدولار الأمريكي.

وفي عام 2018، ارتفع مؤشر الفقر في البلاد إلى 32.5%، بزيادة 5% نقطة عما كان عليه قبل عامين.

ودخل الانتعاش الاقتصادي في حالة خمول، لدرجة أن أنشطة الاقتصاد الخاص غير النفطي تقلصت في يناير/كانون الثاني إلى أدنى نقطة في نحو ثلاث سنوات.

ومما لا شك فيه أن الإغلاق العالمي الذي سببه فيروس كورونا سيتسبب في انخفاض حاد في مصادر العملة الصعبة التي تحتاجها مصر بشدة، بما في ذلك إيرادات السياحة التي تشكل نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر ورسوم عبور السفن في قناة السويس والاستثمار الأجنبي وتحويلات العاملين بالخارج والذي يعمل كثير منهم في قطاعات تأثرت على الفور بالتدابير الاحترازية لمواجهة تفشي فيروس كورونا وانخفاض إنفاق المستهلكين.

ومن المسلم به أن معدلات البطالة والفقر سترتفع، وستتأثر العمالة المؤقتة في مصر والتي تتراوح ما بين 5 ملايين إلى 12 مليون شخص بشدة، بينما سيحصل مليون ونصف المليون منهم فقط على إعانات من وزارة القوى العامة، وهي علاوة تبلغ قيمتها 1500 جنيه مصري أي نحو 95 دولارا على ثلاثة أقساط.

ولن يحصل العدد المتبقي على إعانات لأنهم غير مسجلين لدى الوزارة. وفي ظل عدم وجود ضمان اجتماعي أو أجر منتظم سيشكل الملايين المنسيون قنبلة موقوتة.

وفي ظل تدهور القطاع الصحي تحت وطأة الجائحة وتصاعد الأعباء العامة، ستجد الحكومة أنه من المستحيل مواصلة تبرير نفقاتها الباذخة على المدن المسورة والقصور الرئاسة والأجهزة الأمنية المنتفشة.

وفي غضون الأشهر المقبلة، سيسعى السيسي على الأرجح إلى تخفيف الغضب العام من خلال الإشادة بالأطباء والعاملين في القطاع الصحي (الذين يشاد بهم في وسائل الإعلام الحكومية باعتبارهم جيش مصر الأبيض) وضخ مزيد من الموارد في نظام الرعاية الصحية، واتخذ السيسي بالفعل عدة خطوات في هذا المسار.

وكثفت الحكومة جهودها لوقف حدة مرض كوفيد- 19(الناجم عن فيروس كورونا المستجد) من خلال فتح مزيد من مراكز الفحص وشراء مزيد من أدوات التحليل والمؤن الطبية ورفعت أجور الأطباء المتدربين.

من ناحية أخرى، خفضت الحكومة أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء للمصانع من أجل دعم القطاع الصناعي وتعزيز الاستثمار، كما أنها أرجأت الضرائب العقارية لثلاثة أشهر.

وخفضت الحكومة الضرائب على الأسهم كما خفض البنك المركزي أسعار الفائدة بنسبة 3% وأجل لستة أشهر القروض المستحقة للشركات الصغيرة والمستهلكين. إلا أن هذه الجهود ليست كافية

ويدرك مراقبو السياسة المصرية الحديثة مدى السرعة التي يمكن بها لدعوات التغيير أن تتضخم في أوقات الأزمات. إذا لم تتخذ الحكومة خطوات جذرية – خاصة لدعم القطاع الصحي – يمكن توقع موسم جديد من السخط.

في يناير/كانون الثاني 2011، تبخرت قوة الشرطة بأكملها من مصر في الهواء في مواجهة ثلاثة أيام من الاحتجاجات والاشتباكات. فالانسحاب المفاجئ للشرطة شجع الثوار وفي نهاية المطاف أدى إلى استقالة الرئيس حسني مبارك بعد ثلاثين عاما في الحكم فيما عرف بالربيع العربي في مصر.

وقبل ذلك بعقود، مُني الجيش المصري بهزيمة كبيرة أمام إسرائيل في يونيو/حزيران 1967 ما دفع الرئيس صاحب الكاريزما جمال عبدالناصر إلى الاستقالة والتي سحبها لاحقا إلا أن الهزيمة أضرت بصورة مصر في العالم العربي.

وعلى نفس المنوال، الأحداث المضطربة في عام 1981 التي أطلق عليها في لغة السياسة المصرية ” خريف الغضب” بلغت ذروتها باغتيال الرئيس أنور السادات، وهو ما أدى بدوره إلى اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن ومسلحين إسلاميين أودت بحياة أكثر من 100 شخص في مدينة أسيوط الواقعة في صعيد مصر.

بدون شرعية كبيرة يمكن الاعتماد عليها، أصبحت الطبقة السياسية في مصر اليوم أضعف مما كانت عليه في تلك اللحظات الأخرى. وعمقت الأزمة الحالية الشروخ بشكل واضح.

وأصبحت وزيرة الصحة هالة زايد مصدر سخرية في وسائل التواصل الاجتماعي بعد سفرها إلى إيطاليا لتقديم مساعدات طبية بينما المستلزمات الطبية غير متوفر في مصر أو تباع بأسعار مبالغ فيها.

والشهر الماضي تجمع حشد في مناطق مختلفة من الإسكندرية مرددين دعوات ضد الفيروس، وهو أمر يضعهم تحت طائلة قوانين مستبدة تعود لعام 2013 تمنع التظاهرات غير المرخص بها والتجمعات العامة. وفي 11 أبريل/نيسان أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع في إحدى قرى محافظة الدقهلية بعد أن منع الأهالي دفن طبيبة توفيت جراء كوفيد-19 خشية إصابتهم.

ويمكن للمعارضة أن تجد أرضية خصبة تجمع المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية.

وربما تشعل الأزمة الحالية تغييرا آخر، ويتعلق هذا بالتصورات والتفضيلات السياسية. ومنذ استعادة النخبة المصرية السلطة في عام 2013، وهو يدعون إلى وطنية متشددة ويسوقون مبادئها وطقوسها وأساطيرها.

وتستغل الحكومة القانون والخطاب العام ووسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والأفلام السينمائية وبرامج التلفزيون للتأكيد على أن البطولة تأتي حصريا في الزي الرسمي وأن وجود رجل قوي على رأس هرم السلطة هو العلاج الوحيد لما تعانيه البلاد من أوجاع.

وأصبح هذا الخليط من القومية والعسكرة والنزعات الرجولية نوعا من عقيدة الدولة.

إلا أن الأطباء والممرضين باتوا الآن في الخطوط الأمامية، يدافعون ضد الفيروس القاتل بدعم ضئيل، وبات الأبيض كتفا إلى كتف مع اللون الكاكي. وتمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بالإشادة بالأطباء وبالشكاوى من ظروف العمل السيئة التي يعانون منها.

وفي حال بدا أنه من المستبعد أن يعيد فيروس تشكيل السياسية والمجتمع المصريين، فهناك سابقة.

ففي العام 1918، دمرت الإنفلونزا الإسبانية مصر وتسببت في مقتل 138 ألف شخص أي ما يشكل 1% من السكان، معظمهم في المناطق الريفية الفقيرة.

يشير المؤرخ كريستوفر إس. روز، الذي درس التأثير السياسي للوباء، إلى أن الاحتياجات العسكرية حلت محل الاحتياجات المدنية وسرعان ما اجتيحت المستشفيات وتوقف الإنتاج الزراعي تماما في ظل اكتساح الفيروس للريف.

ودفعت النكبة، التي جاءت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، المصريين إلى حافة الهاوية.

وفي العام 1919 عمت احتجاجات كبرى ضد الحكم البريطاني. وعلى الرغم من مقتل المئات فإن الثورة نجحت وفي غضون ثلاث سنوات حصلت مصر على استقلالها.

المصدر : الجزيرة مباشر + فورين بوليسي