الحضارة المفقودة – أحمد عدلي يخالف زاهي حواس

من سنوات توفيت جدتي وبعد العزاء الذي أقيم في سرادق مكلف، وبعد انتهاء آخر وصلات القرآن للشيخ الأزهري المرموق والمعروف في البلد، نظر إلى خالي بفخر قائلا “الحمد لله كانت ليلتها حلوة” وهي كلمة دارجة في الأقاليم تعبر عن مرور إجراءات الدفن بسلاسة وتحضير المدفن لاستقبال الضيف الجديد وتجهيزالسرادق وإعداد الطعام للقادمين من القاهرة والأقاليم الأخرى لتقديم واجب العزاء وصولا إلى آخر الليلة مع الأداء الآسر للشيخ الأزهري.

وبعدما كبرت أكثر وبدأت استكشف وأدرك ما حولي وأربط بين ما نتعلمه في المدرسة وبين ما نعرفه من المنزل والشارع والصحافة والإعلام، وجدت إنه من المعلوم  بالضرورة إننا نحن المصريون نقدس الموت أكثر من الحياة وأننا نحب الآخرة أكثر من الدنيا وأننا شعب متدين بطبعه ومن شدة ارتباطنا بالموت وتعلقنا بالحياة الآخرة فإننا نبني المقابرعلى الأرض، بل لكل عائلة مقبرة مزخرفة بكتابة أسماء المتوفيين ويوجد حارس يعتني بها ويزينها بالزرع غيرعاداتنا أهل الريف بزيارة المقابر في الأعياد، وهذا ما ورثناه من أجدادنا قدماء المصريين الذين بنوا أكبر مقبرة في التاريخ الصرح العملاق الهرم الأعظم.

عشنا وتربينا أن حضارة أجدادنا كانت تبجل الموت وتؤمن بالبعث وتهتم بالمقابروالحياة الآخرة.

وكان ذلك مثل كثير من المسلمات التي نشأنا عليها باعتبارها حقائق مطلقة.

فالأهرامات مقابر بناها المصريون القدماء بطرق بدائية والمسلات فن معماري راق نحتها المهندس المصري القديم ذو العلم والبراعة ليتفاخر بها الملوك القدماء.

وهنا تكمن المشكلة، وهي أن الأمر إذا أصبح مسلما به فإنه يجمد ويصبح مع الوقت سطحيا ومفتقرا إلى التفكير المتعمق الإبداعي.

فيديوهات احمد عدلي

هذه الانطباعات عن الأهرامات والحضارة القديمة سرعان ما تتغير إذا شاهدت سلسلة فيديوهات المهندس أحمد عدلي على يوتيوب بعنوان الحضارة المفقودة. وقد شاهدت الحلقات ال ١٤ كاملة في أقل من يومين

وأدهشني هذا الجهد المبذول في استعراض نظرية ربما كانت متداولة ولكن لم يقدمها أحد سابقا للجمهور المصري والعربي بهذا الشكل وهذا الإتقان في استعراض فكرة مدعومة بكثير من المعلومات من مصادر متنوعة.

فهل قدم عدلي فيلما وثائقيا عاديا جمع فيه بعض المعلومات واستعرضها بطريقة شيقة جذبت الجمهور؟

في الواقع الأمر ليس كذلك إطلاقا..

المهندس أحمد عدلي قدم في سلسلته نظرية قائمة على أفكار ليست جديدة ولكنه عرضها بطريقة تبدو متماسكة ومتمحورة حول مبدأ أساسي مصحوبة بأدلة وتجارب علمية

إذن هي ليست مجرد فيلم وثائقي بل نظرية حاول التدليل عليها طوال السلسلة، وهي أن الأهرامات لم تكن مقابر بل كانت آلة كبيرة ومتطورة جدا لتوليد الطاقة وتحديدا الكهرباء. وأن المسلات كانت كذلك لها دور في توليد أو نقل الطاقة، وأن القدماء المصريين تمكنوا من تسخير الأحجار والاستفادة من خصائصها فيزيائيا وكيميائيا. وأن قطع أحجار الأهرامات والمسلات والمعابد كان بتقنيات متقدمة جدا وليس بطرق النحت اليدوية كما تدعي النظرية السائدة..

ماذا يعني ذلك؟

يعني ذلك أن كل التاريخ المسلم به الذي نعرفه عن الأهرامات والحضارة المصرية القديمة وعن الموروثات والجينات التي ورثها المصريون عن زهد الدنيا وحب الآخرة هو محل شك.

وقد يُفعِل ذلك إعادة النظر في تاريخنا وموروثاتنا وفتح باب الاجتهاد والتفكير بعمق.

ويبدو أن الفراعنة أو القدماء المصريين الذين نعرفهم والذين وجدنا جثثهم المحنطة في التوابيت داخل الآثار والمعابد ليسوا هم بناة الأهرامات الحقيقيين، إنما جاء هؤلاء الملوك مثل الملك خوفو ٢٦٠٠ ق م

وأعادوا استخدام هذه الأهرامات والآثار. وحفر الملوك أسماءهم ورموزهم على المعابد والأهرامات والآثار التي وجدوها كما وجدناها نحن بالضبط..

ولكن من هم بناة الأهرام الحقيقيون؟

حسب ما استعرضته سلسلة الحضارة المفقودة فإن بناة الأهرامات عاشوا قبل حوالي ١١ ألف سنة وكانوا مصريين متقدمين جدا في العلوم وربما هم أهل أطلنتس المفقودة، وقد تعرضوا لكارثة طبيعية ربما عواصف شمسية ثم طوفان كبير قضى على هذه الحضارة وأخفى علومها..

يعني أن بناة الأهرامات سبقوا الحضارة الفرعونية التي نعلمها بآلاف السنين..

هذا ملخص ما استعرضته سلسلة الحضارة المفقودة..

وقد أعجبني كثيرا هذا الجهد من صاحب النظرية ولكن هذا لا يعني أن نصدق أو لا نصدق. بل يعني أن ساكنا قد تحرك في قضية تشغل العالم المتحضر ولا تشغلنا أو لا نسمع لها صخبا في أوساطنا بالرغم من أنها قضيتنا نحن.

 

موقف زاهي حواس

 

أما أكثر ما لفتني وربما أزعجني هي المشاهد التي كشفت كيف يحبط العالم المصري دكتور زاهي حواس والوزير السابق وممثل النظام الرسمي في حقب متتالية كل فكرة جديدة أو نظرية مخالفة أو عالم آثار مختلف مع النظرية التي يتبناها أن الأهرامات مقابر، وكأنه توجيه سياسي أن يتم ترسيخ فكرة أن المصريين لا تفرق معهم الحياة ولا الخدمات ولا الحريات بل جيناتهم تأخذهم دائما إلى التسليم للواقع وانتظار الآخرة. وأظهرت مشاهد الدكتور حواس يفتتح مكانا أثريا اكتشف حديثا مع صحفية أجنبية وسرعان ما فسر كل ما في المكان على أنه مقبرة.. وكيف أنه يتحدث بسخرية عن أصحاب نظريات مختلفة ويقلل من أبحاثهم.. ومن يشاهد الفيلم سيكتشف أن هناك العديد من علماء الآثار المصريين النابغين وأصحاب أفكار وتفسيرات غير تقليدية، راحلين وحاليين وبعض الشباب ولكن ذكرهم نادر، ولم نسمع من عقود إلا عن ومن الدكتور زاهي حواس.

تفسير آخر للجمود بشأن تفسير ألغاز الأهرامات والحضارة القديمة جاء في أحد المشاهد، وهو البعد الديني الذي يفضل النظرية السائدة التي تتوافق مع تقويم العهد القديم الذي يتبنى أن بداية الكون قبل نحو ٦ آلاف سنة..

واللافت أيضا، هو كم الكتب والنظريات والعلماء الأمريكيين والأوربيين واليابانيين والروس من الغرب والشرق الذين يهتمون بعلم المصريات والذي اتضح من خلال الحضارة المفقودة أنه علم أكبر بكثير من  مجرد الانبهار بروعة البناء والنحت والبحث عن طريقة بناء هذه الصروح. بل إنه علم مركب من الجيولوجيا والتاريخ والأثريات والفيزياء والطاقة والرياضيات والكيمياء والأحياء.

أعتقد أن مجتمعاتنا بحاجة ماسة للأفكار الجديدة والنظريات الجديدة والتفسيرات المختلفة.. هذا فعلا ما ينقصنا، نحتاج لكثير من الأحجار في المياه الراكدة حتى تتحرك هذه الأمة للأمام، فهكذا تحركت الأمم التي سبقتنا عندما كسرت جمود المسلمات.

“الحضارة المفقودة” عمل مصري يقدم نظرية ربما ليست صحيحة وقد ينقصها المزيد من الدلائل ولكنه عمل مهم ومختلف وماتع يدعو إلى مزيد من البحث والتفكير في هويتنا وعاداتنا وموروثاتنا ويستوجب إعادة اكتشاف أنفسنا

——————————————————————————————————–

https://www.youtube.com/@AhmedAdly2/videos

فيديوهات أحمد عدلي