الدين النصيحة

 

يحاول الإنسان منذ نعومة أظفاره المشي على أثر أناس يعدّهم من وجهة نظره ناجحين لكونهم قطعوا أشواطا طويلة في سلم النجاح، وارتووا من روافد الحياة كلها فصاروا كمن يسير في حقل ألغام بكل ثقة، لأنه يدري تماما أين يضع قدمه دون أن يتضرر. لذلك، فالقدوة ضرورية لنحث مسارا حافلا بالنجاح للشباب واليافعين، وهي أحد المؤثرات الأساسية لبناء مسار حياة الناس، وخير قدوة هو نبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، لِما اتصف به من صفات الكمال البشري، حتى أثنى الله تعالى عليه في القرآن الكريم، فقال سبحانه: {وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عظيم}، وزكى دعوته ﷺ فقال تعالى: {وإنَّكَ لَتَهدي إلى صراطٍ مستقيم}.

فاستحق نبينا محمد ﷺ أن يكون القدوة الحسنة لكل باحث عن الحق، ولكل باحث عن الكمال، فقال تعالى: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رسولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كانَ يرجو اللهَ واليومَ الآخِرَ وذَكَرَ اللهَ كثيرًا}. وإذا كان قدوتنا ﷺ بهذه المكانة والمنزلة، كان حريّا بالمؤمن المقتدي بالنبي ﷺ، والمُتَّبع له أن يسلك المنهج السليم في الاقتداء به.

وقد حث نبينا الكريم على النصيحة، إذ قال ﷺ: “الدينُ النصيحة” ثلاثا، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: “لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم” رواه مسلم.

كامل الدين

ويستطيع المسلم باتباع هذه النصيحة أن يكون كامل الدين، إذا ما عمل بها ونصح. وينقسم الحديث كما يلي:

النصيحة لله سبحانه: هي ألا يشرك العبد مع الله شيئا، والإخلاص التام في العبادة من صلاة وصيام وزكاة وحج، بحيث لا تشوبها شائبة من رياء أو تقصير، وأن يجاهد في الله بقدر استطاعته، فيغيّر المنكرات بيده أو بلسانه أو بقلبه.

النصيحة لكتابه: هي التأدب بآدابه، والتخلق بأخلاقه، واتباع أوامره، واجتناب نواهيه، وأن يعظم، وأن يتلى حق تلاوته، وقد مر بك في الأدب مع القرآن.

النصيحة لرسوله: هي اتباع سنته، والتخلق بأخلاقه، والدعوة إلى سنته، وحب من يحبه، وبغض من يبغضه.

النصيحة لأئمة المسلمين: وهم الحكام، فهي إرشادهم إلى الحق، ونصحهم بالرفق واللين، وطاعتهم في غير معصية، لقوله تعالى: {يا أيُّها الذينَ آمنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمرِ منكم}.

النصيحة للمسلمين: هي أن تهتم بأمر أخيك المسلم وشؤونه، كما تهتم بأمرك وشؤونك الخاصة، فالمؤمن للمؤمن مثل المرآة التي تنعكس عليها الصورة، فيرى الإنسان من خلالها ما علق على وجهه فيزيله في الحال.

أمة عظيمة

وكانت مهمة رسولنا الكريم إبلاغ الرسالة والدعوة إلى الله عز وجل، وكانت دعوته ﷺ لتأسيس أعظم حضارة، وهذا ما اعترف به المؤرخون الغربيون في كل الأوقات.

إذ اعترفوا أن الأمة الإسلامية أمة عظيمة، لديها منهج عبقري متفرد رباني المصدر وواقعي التطبيق وشمولي الفكر والجوانب، لا يضره مرور الزمان، ولا تلغى فاعليته حداثة علم أو تعاقب أجيال.

وأعظم أسلوب للنصيحة أن تنصح لمن تنصح، مريدا له الخير في قلبك، محبّا لنفعه، مقدِّما مصلحته، بلا استكبار عليه ولا ترؤس وتسلُّط، ناصحا مشفقا لا فارضا عليه أمرك ونهيك مُلزِما له الاستجابة لرأيك، ثم بعد النصح تتركه وترحل. لا تَكَلَّفَ بالنصح، ولا تعيده من غير مسوِّغ يقتضي تكراره، وحبّذا استعمال اللين، لقوله تعالى: {فبما رحمةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لهم ولو كنتَ فظًّا غليظَ القلبِ لانفضُّوا مِنْ حولِكَ فاعفُ عنهم واستغفِرْ لهم وشاوِرهم في الأمرِ فإذا عزمتَ فتوكَّلْ على اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المتوكِّلين} صدق الله العظيم.