‏مسحوق أبيض-2 السكر

قبل أكثر من 1500 عام و تحديدا سنة 500 ميلادية، لاحظ طبيبان هنديان، وهما سوسوتا وشاروكا، أن النمل يتجمع على بول بعض الأشخاص دون غيرهم، وكان هذا دليل على وجود السكر في البول، ولأن جميع الأطباء غريبي الأطوار لم يسأل أحد ما الذي  يجعل الطبيب يترك عمله ويراقب ما يحصل لبول المرضى على جانب الطريق، المهم أن هذا الكشف كان خطوة مهمة في التعرف على مرض معروف حتى منذ زمن قدماء المصريين يصيب مئات الملايين حول العالم ويقتل الملايين، ويسبب مضاعفات خطيرة ويقلل من جودة الحياة للمرضى، ألا وهو مرض السكر أو مرض البول السكري.

الشرف العظيم لـ “السكر”

نال السكر شرف أن يسمى مرض عظيما باسمه، ‏ولكن الملح والذي يتسبب بأمراض خطيرة أيضا، لم ينل شرف أن يسمى أي مرض باسمه (الواسطة من جديد)، لذلك يمكننا فيما بيننا أن نسمي مرض ضغط الدم بمرض الملح لتحقيق العدالة.
دعونا الآن من إعطاء كل مسحوق أبيض ما يستحق من التكريم والاهتمام، ودعونا نركز على مخاطر وإدمان السكر. ‏إن المصدر الطبيعي للسكر هو الفاكهة، ولكن الطبيعة تعطينا السكر بالإضافة إلى الألياف في نفس الوجبة مما يقلل كثيرا من مخاطر السكر إذ إن الألياف تقلل امتصاص السكر وتستهلك طاقة في الهضم، وكمية السكر في الفاكهة أيضا تكون معقولة.

‏ولكن خطر على بال أحد الأشخاص أن يستخرج السكر من بين الألياف، ويستخلصه على شكل مادة نقية من قصب السكر أو البنجر او أي فاكهة أخرى (مثل التمر) للاستعمال التجاري وكانت هذه بداية الكارثة. بعد ذلك بسنوات كثيرة تحديدا عام 1966 تم اكتشاف شراب الذرة عالي الفركتوز وقد كانت هذه الضربة القاضية.
يتذوق الإنسان الطعم الحلو والذي يدل على وجود الكربوهيدرات عالية الطاقة عند وجود السكريات الأحادية أو الثنائية في الطعام مما يجعل الدماغ يفرز مادة الدوبامين ليشعر الشخص بالمتعة بسبب نظام المكافئة.

‏هناك العديد من السكريات الثنائية مثل: السكروز وهو سكر الفاكهة أو سكر المائدة واللاكتوز وهو سكر الحليب وغيرها. تتحلل هذه السكريات عند الهضم إلى سكريات أحادية مثل: الجلوكوز والفركتوز، والجالاكتوز، فمثلاً كل جزيء سكروز يعطيني واحد جلكوز وواحد فركتوز.

سكر المائدة

سوف نركز في هذا المقال فقط على السكروز (سكر المائدة) وشراب الذرة عالي الفركتوز والذي يحتوي على سكريات أحادية بنسبة متساوية من الفركتوز والجلوكوز. نتحدث عن السكريات بشكل منفصل عن باقي الكربوهيدرات، وذلك لأن طعمها الحلو يؤدي إلى الإدمان وقد استخدمتها شركات إنتاج الطعام في كل شي تقريبا.

‏يعطي الفركتوز إحساسا بالطعم الحلو ضعف ما يعطيه الجلوكوز لذلك قامت شركة الأغذية -مشكورة- بإضافة هذه المادة تقريبا لكل شيء حتى البيتزا والكاتشب و الصلصة الحارة!! لتبدأ جائحة عالمية من أمراض السمنة والسكر والضغط وأمراض القلب.

‏يربط العلماء بين ارتفاع معدلات استهلاك السكر وارتفاع معدلات السرطان ومرض الزهايمر وطبعا تسوس الأسنان وغيرها كثير.

‏وجود الطعم الحلو المركّز في الأطعمة الجاهزة او الأطعمة البيتية قد أفسد على الإنسان متعة تذوق الطعام الطبيعي ولو توقفنا عن إضافة السكر لكل شيء أو تقليله للحد الأدنى، وتوقفنا عن استعمال الأطعمة المضاف إليها شراب الذرة عالي الفركتوز فلن نخسر شيئا سوى بعض الكيلو غرامات من الوزن وسوف يخسر الأطباء (خصوصا أطباء القلب والسكري والأسنان) بسبب قلة عدد المرضى. أما عن الطعم والمتعة فهي موجودة وقد تكون أفضل.

بدون سكر

على سبيل المثال جرب أن تشرب الشاي بدون سكر ولسوف تعتاد خلال أسابيع قليلة على الطعم الأصلي ولن تستعمل السكر ثانية أبدا. لقد تعودت على الطعم الأصلي ولم تعد تنطلي عليك الخدعة بعد الآن.

حسب توصية منظمة الصحة العالمية، فإن معدل الاستهلاك اليومي الصحيح للسكر هو 6 ملاعق صغيرة أي 25 غراما، فلو علمنا بأن قالب الشوكولاتة أو الحلوى يحتوي على 3-5 ملاعق من السكر، وزجاجة المياه الغازية تحتوي على 9 ملاعق فلن نستغرب من أن يبلغ معدل الاستهلاك اليومي للسكر للفرد في الولايات المتحدة مثلا 26 ملعقة يوميا!!

‏كمسلمين ندقق كثيرا في الأطعمة قبل تناولها خوفا من أن تحتوي على ما هو محرم مثل: دهن الخنزير أو الكحول، وهذا من مقاصد الشرع، وكذلك الحفاظ على الصحة أيضا من مقاصد الشرع، فحبذا لو اطلعنا أيضا على محتويات الأطعمة من ناحية كمية السعرات الحرارية وكمية الملح وكمية الدهون وكمية ‏الفركتوز والمواد الحافظة…الخ.

وأدعو في النهاية إلى أن يتم تدريب الطلاب في المدارس على معرفة محتوى الأغذية قبل تناولها.