من المسؤول عن الفيضانات الكارثية في باكستان؟

الهروب من الفيضان الى الخيام

تعاني باكستان من أسوأ أزمة إنسانية منذ عقد من الزمان، مدفوعة بغزارة هطول الأمطار والفيضانات المفاجئة المدمرة. وتركت الفيضانات الأكثر انتشارًا في تاريخ باكستان -الممتد 73 عامًا- ثلث البلاد تحت الماء، وأجزاء تشبه “محيطًا صغيرًا”.

ونفت إدارة البلاد مسؤوليتها عن الأزمة، وألقت باللوم على الدول الأكثر ثراء التي تنتج الجزء الأكبر من انبعاثات الكربون العالمية في الكارثة المناخية التي تتكشف.

ويجب مساءلة الدول الغنية، كما ينبغي إعادة تعريف المعونة الإنسانية بوصفها تعويضات للمناخ. ولا بد أيضًا من الاعتراف بإرث تغيّر المناخ الاستعماري. ومع ذلك، فلا تزال الدولة الباكستانية أيضًا مسؤولة عن تجريد شعبها في أعقاب الفيضانات.

ومثل العديد من البلدان، تتمركز المراكز السكانية في باكستان حول أنظمة الأنهار. وليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها باكستان لفيضانات بهذا الحجم. في عام 2010، غمرت المياه أجزاء كبيرة من البلاد أيضًا. وعملت في مجال الاستجابة للكوارث في أعقاب الفيضانات، وأُجريت منذ ذلك الحين أبحاث مع المجتمعات المتضررة في جميع أنحاء البلاد.

وتم تعلّم دروس مهمة من الفيضانات في عام 2010. ولسوء الحظ، فشلت السلطات في استخدامها لتشكيل السياسات الوطنية.

        المناطق المهمشة الأشد تضررًا

على وجه الخصوص، يحدث الدمار الناجم عن الفيضانات في بعض أفقر المناطق في البلاد والمناطق المكبوتة سياسيًّا، مثل بلوشستان، حيث يستمر تمرد مسلح ضد عمليات الدولة.

كما يتميز جنوب البنجاب -وهو منطقة أخرى متأثرة بشدة- بالتنمية غير المتكافئة وعدم المساواة. وتم وضع علامة على حقوق الأراضي غير الآمنة كعائق كبير أمام التعافي من الكوارث بعد الفيضانات في عام 2010.

وفي عملي مع الوكالات الدولية والمنظمات الخيرية، جادلت بأن التمكين ينبغي أن يكون في صميم العمل المناخي، الذي يُعد أمن حيازة الأراضي عاملًا أساسيًّا فيه. وتم إحراز تقدّم ضئيل منذ ذلك الحين في تعزيز حيازة الأراضي. وتتعلق حيازة الأراضي بالعلاقة بين الناس والأرض التي يعيشون ويعملون فيها. وفي باكستان، ترتبط ملكية الأراضي ارتباطًا وثيقًا بالمحسوبية السياسية.

ويدفع المزارعون المتعاقدون الإيجار لأصحاب الأراضي مقابل حق الإقامة وزراعة المحاصيل. وهناك حافز ضئيل لطبقة المزارعين لإجراء أي تحسينات على الأرض يمكن أن تخفف من آثار الفيضانات. ولا يُسمح للمزارعين الذين يستأجرون تلك الأرض بإجراء تغييرات كبيرة.

ومع ذلك، فإن أولئك الذين لديهم حيازة للأراضي يستخدمون مساعدة إعادة الإعمار بشكل أكثر فاعلية لبناء مساكن مرنة في أعقاب الفيضانات والزلازل في البلاد.

        العمل المناخي يحتاج إلى الاستثمار والتمكين

على الرغم من وجود سلطة لإدارة الكوارث على الصعيدين الاتحادي والإقليمي، فلم تعط الأولوية للتأهب للكوارث والتخفيف من آثارها. وتوضح السياسة المناخية الوطنية للبلد ضرورة وجود أنظمة الإنذار المبكر والبنية التحتية المقاومة للكوارث وخطط الإخلاء. ولم يتم تنفيذ هذه التوصيات بعد.

وتفاقمت الآثار المدمرة للفيضانات بسبب سنوات من سوء الإدارة. وأصبح التخلف مشكلة مزمنة في المناطق المعرضة للفيضانات. وبسبب عدم وجود سياسات تقسيم المناطق أو إعادة التوطين، تستمر المجتمعات في الإقامة بمناطق هامشية قريبة بشكل خطير من المجاري المائية، مما يؤدي إلى تراكم التكاليف المتكررة لتغيّر المناخ. وحيثما توجد القوانين، كان إنفاذها صعبًا.

وبعض من أهم خطوط الدفاع ضد الفيضانات هي مشاريع الحقبة الاستعمارية، وكثير منها في حالة سيئة.

        التعويضات والمساءلة

تنبعث في باكستان أقل من 1% من الانبعاثات العالمية، ولكنها من بين البلدان العشرة الأكثر تضررًا من تغيّر المناخ. وجادل وزير تغيّر المناخ الباكستاني بأن الدول الأكثر ثراءً مدينة بتعويضات للبلدان التي تواجه كارثة مناخية.

وكانت التعويضات المناخية قضية مثيرة للجدل في قمة (COP26) في غلاسكو العام الماضي. وعارضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي التعويضات المناخية.

وفي حين أن التعويضات المناخية من شمالي الكرة الأرضية قد تساعد باكستان في التعافي من الأزمة الحالية، فإن التغيير الهيكلي ضروري لإعداد البلاد للكارثة المناخية التالية. وهذا يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية المقاومة للمناخ والحد من الفقر.

وتنفق باكستان مليارات الدولارات على خدمة الديون للمقرضين الأجانب، ودفعت 15 مليار دولار على مدفوعات هذا العام وحده، بما يتجاوز 80% من إجمالي إيراداتها الضريبية.

وهناك دعوات متزايدة لإلغاء الديون كشكل من أشكال التعويض المناخي، وصدرت دعوات مماثلة بعد الفيضانات في عام 2010.

وينبغي أيضًا استخدام أطر العدالة الانتقالية المستخدمة لمتابعة المساءلة في أعقاب الحروب والنزاعات في سياقات الكوارث.

وإن التعويضات المناخية منطقية بالنسبة لباكستان بسبب التاريخ الأطول بكثير من الاستغلال الاستعماري، وهذه التعويضات هي أيضًا تعويضات استعمارية.

ولن يكون من المستغرب أن تكون السلطات الوطنية والعاملون في المجال الإنساني والجهات المسببة لانبعاثات الكربون العالية على قائمة المسؤولين عن الفيضانات في باكستان إذا تم تنفيذ مثل هذه الآليات.

وفي حين لا يمكن أبدًا استعادة الأرواح المفقودة والمتضررة بالكامل، فإن تركيز المساءلة والتمكين في جهود إعادة الإعمار يوفر طريقًا للمضي قدمًا.