طرائق الهروب

تمر على الكثير منا أوقات عصيبة يفقد فيها المرء توازنه ويشعر بضغوط كبيرة على روحه وعقله، ولا بد من مفر أو ركن ينزوي إليه ويهدأ فيه.

وقد يجد أحدنا راحته في دعاء ينطلق به لسانه يتضرع فيه مناجيًا مولاه بكل صدق ورجاء، وقد يجد آخر راحته في ركعتين يركعهما يفيض فيهما بهمّه لرب العالمين فيشعر وكأنه قد تطهر من أحزانه، ويتلألأ الأمل في عينيه بفرج قريب من ربه سبحانه.

وقد تجد أخرى راحتها في بث شكواها لوالدتها أو أختها أو صديقتها، فتشعر بيد تربت على كتفها وتكفكف دمعة انفرطت من عينيها.

وقد تجد أخرى سلواها في خلوة بعيدًا عن الدنيا، تستجمع بها قواها وتلملم شتات نفسها.

وقد يهرب آخرون إلى جمال الطبيعة فتهدأ دواخلهم، وتصفو أفكارهم وتسكن ضوضاء قلقهم، وقد يروّح آخرون عن أنفسهم برياضة محببة إليهم، أو هواية تسعدهم كالقراءة أو الرسم والتلوين أو القيام ببعض الأشغال اليدوية.

وبالنسبة لي، فقد تقلبت بين كل ما سبق كأي إنسان، لكني جربت مؤخرًا شيئين آخرين أفاداني كثيرًا.

أغلقت حسابي

فقد أغلقت حسابي على تويتر منذ أقل من شهر، بعد أن أثرت عليَّ الأخبار تأثيرًا سلبيًا لا يمكن احتماله، فقد آلمني ما يتعرض له مسلمو ومسلمات الهند من تعذيب وتضييق، وكذلك ما يتعرض له السوريون في لبنان وتركيا، والأخبار تتوالى بما لا يسر يوميًا من فلسطين الحبيبة، وفيديوهات من هنا وصور من هناك، فشعرت بأن الأرض قد ضاقت بي، وما حيلتي أنا أمام كل هذا؟!

فقمت بتعطيل الحساب، فتطبيق تويتر هو أكثر تطبيق نشط لديَّ في متابعة العالم من حولي، ولا أخفيكم الراحة التي أحسستها بعد ذلك، خاصة أنني أتفاعل مع الأخبار بكل انفعال سواء كان بالإيجاب أو بالسلب، وقد أبكي وأغضب وأسخط وأجاهد كي أخرج ما شاهدته عيناي من رأسي.

كما أني قد جربت تحميل بعض تطبيقات الألعاب، وكانت من الأشياء التي جعلت عقلي يرتاح قليلًا من زحمة أفكاره وهواجسه.

لكن من المهم كذلك ألا يستغرق الأمر أيامنا بطولها، بل هي فسحة من الوقت، نعود بعدها إلى حياتنا أكثر طاقة وأكثر إنجازًا وهدوءًا واتزانًا.

ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدوة حسنة، فعن حنظلة الأسيدي -رضي الله عنه- قال: (لقيني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله، ما قلت؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله ﷺ، يذكّرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله ﷺ عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا.

قال أبو بكر: فو الله إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله ﷺ، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله. فقال رسول الله ﷺ: “وما ذاك”، قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكّرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ونسينا كثيرًا. فقال رسول الله ﷺ: “والذي نفسي بيده أن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي الطرقات، ولكن يا حنظلة: ساعة وساعة”).

ومن المهم كذلك ألا يكون الترويح عن النفس بشيء محرَّم، فيسبب الضرر وخسران الدنيا والآخرة وزيادة الهم ومحق البركة.