نظرة مهمة إلى جدري القرود

تتناول وسائل الإعلام حاليا خبر انتشار فيروس جدري القرود، سأتناول في هذه المقالة مقدمة تاريخية عن هذا الفيروس، وكذلك بحث مهم أجرته قبل أكثر من عام مبادرة التهديد النووي بالتعاون مع مؤتمر ميونخ للأمن لمحاكاة فيروس جدري القرود كمثال لتهديد فيروس بيولوجي.

مقدمة تاريخية

يُعدّ جدري القرود مرضا نادر الحدوث، وكان أول ظهور لهذا الفيروس في عام 1958 بالعاصمة الدنماركية كوبنهاعن، حيث اكتُشف في أحد معامل أبحاث تُجرى على القرود، ومن هنا جاءت تسميته، وكذلك تبيّن أن الفيروس يستوطن في القوارض.

وحدثت أول إصابة للإنسان عام 1970 في دولة الكونغو، ويستوطن الفيروس في أفريقيا، ووفق صحيفة الغارديان البريطانية، فهنالك سلالتان في أفريقيا؛ سلالة في وسط أفريقيا تصل نسبة الوفيات بها إلى 10%، وسلالة أخرى في غربي أفريقيا تصل نسبة الوفيات بها إلى ما يتراوح من 1 إلى 3%، وهذه السلالة تم الكشف عنها في الحالات الموجودة حاليا في بريطانيا.

وظهر الفيروس في نيجيريا عام 2017، حيث تم تشخيص نحو 200 حالة هناك منذ ذلك الوقت، وكذلك تم تشخيص حالتين في الولايات المتحدة قبل عامين، لشخصين كانا قادمين من نيجيريا.

وحديثا، لوحظ انتشار سريع للفيروس في أمريكا وكندا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال والسويد وألمانيا وفرنسا وأستراليا، وحسب موقع منظمة الصحة العالمية، فقد بلغ عدد الإصابات المؤكدة في العالم نحو 80 حالة في 11 دولة، حيث الأعراض الأولية مشابهة لفيروس الإنفلونزا، مع ظهور طفح جلدي وتضخم في الغدد اللمفاوية، وفترة حضانة من 7 إلى 14 يوما. حيث ينتقل الفيروس بالاتصال المباشر مع المصاب عبر جروح في الجلد أو عبر الأغشية المخاطية والسوائل، وحسب مجلة كونفرساشن، فهذه المرة الأولى التي يتم توثيق طريقة انتقال عبر الجنس لهذا الفيروس، حيث لوحظ 4 من 7 حالات في بريطانيا وكذلك 22 من 23 حالة في مدريد كانت حالات فيها ممارسة جنس بين الرجال، والغريب في هذا الانتشار أنه يحدث في دول غير مستوطن فيها هذا الفيروس، وكذلك تم اكتشاف حالات من غير وجود سفر مسبق إلى دول يستوطن فيها الفيروس مثل أفريقيا.

نظرة إلى بحث مبادرة التهديد النووي بالتعاون مع مؤتمر ميونخ للأمن

عنوان البحث:

تقوية النظام العالمي في التعامل مع حدوث تهديد بيولوجي ذي آثار عالية جدا.

ملخص البحث:

بتاريخ مارس/آذار 2021، قامت NTI (مبادرة التهديد النووي) بالتعاون مع مؤتمر ميونخ للأمن، بمبادرة محاكاة استراتيجية بهدف التحضير ولمنع التهديد البيولوجي، وتم في هذه المحاكاة فحص الثغرات في الأمن البيولوجي الدولي، والتحضير للجائحة، والفرص لتطوير ولمنع التهديد البيولوجي.

من ضمن مراحل تصميم سيناريو المحاكاة ما يلي:

  • المرحلة الأولى: اكتشاف فيروس بتاريخ 15 مايو/أيار 2022، أدى إلى حدوث 1421 إصابة من فيروس جدري القرود، و4 وفيات خلال 3 أسابيع، والسيناريو على فرض عدم وجود نظام تحذير دولي للتهديد البيولوجي.
  • المرحلة الثانية: خلال 8 أشهر، وفي اوائل عام 2023، يتم تصنيع لقاح لهذا الفيروس، ولكن يتبين أن هذا الفيروس مصنع بشكل لا يستجيب للقاح، لذلك استفحل الفيروس في 83 دولة في العالم، وكذلك إصابة 70 مليون حالة و1.3 مليون وفاة.
  • المرحلة الثالثة: في مايو 2023، بحيث يكون هنالك 480 مليون إصابة، و27 مليون وفاة، ويتم الاعلان أن ذلك مصدر إرهاب بيولوجي، ومصدره من معمل فيروسات بيولوجي. بعد 7 أشهر، وبتاريخ ديسمبر/كانون الأول 2023، تصل الإصابات إلى 3.2 مليارات حالة و271 مليون وفاة.

القضايا المهمة في سيناريو المحاكاة هي مدى التحضير للجائحة والتدابير اللازمة لتعزيز الجاهزية الوطنية لها

نتيجة البحث والمحاكاة، تم شرحها في صفحة 6 من وثيقة البحث:

  • ضعف النظام العالمي في اكتشاف وتقييم والتحذير من مخاطر الأمراض والوباء.
  • ثغرات في التأهب على المستوى الوطني لمواكبة هذه الأمراض.
  • ثغرات في إدارة الأبحاث البيولوجية الموجودة حاليا.
  • التمويل غير الكافي للتأهب الدولي في حالة حدوث جائحة.

وبناء على هذه الثغرات، تم إصدار التوصيات التالية:

  • دعم الأنظمة الدولية لتقييم مخاطر الجائحة والتقييم والتحقيق في مصادرها، ودور منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة في ذلك.
  • تطوير الاستجابة المبكرة للجائحة على المستوى الوطني.
  • إنشاء مؤسسة دولية للحد من المخاطر البيولوجية.
  • تطوير صندوق للأمن الصحي العالمي لتسريع القدرة على مواجهة الجائحة في دول العالم.
  • إنشاء عملية دولية لمواجهة نقص الاحتياجات والمواد الخام بسبب الجائحة.

التعليق على المقدمة والبحث أعلاه:

طبعا، بالمقارنة مع عدد الإصابات التي تم تشخيصها في هذه الأيام، نحو 80 حالة وأكثر، فهذا مؤشر انتشار سريع للفيروس، إذ وصل عدد الإصابات في نيجيريا إلى 200 حالة خلال 5 أعوام، لذلك فإن 80 حالة خلال فترة قصيرة هو رقم مرتفع جدا، لذلك قد يكون مؤشر انتشار سريع للفيروس، والنقطة الأخرى، هي أنه هنالك حالات تم تشخيصها من غير سفر المصاب إلى الأماكن والدول المنتشر فيها الفيروس، فكيف وصل إليهم؟ وهل هنالك طرق انتشار أخرى للفيروس؟ كما تم الحديث عن موضوع الانتشار عبر الجنس؟ وهل هنالك متحورات مسؤولة عن سرعة انتشار الفيروس؟ وما هي حدة الإصابة؟ هذه أسئلة ستتبين في الأيام القادمة.

بالنسبة للبحث، هذا واحد من مئات الأبحاث التي تقوم بها الشركات الخاصة أو الحكومية أو مراكز الأبحاث. ففي هذا البحث، تمت مناقشة سيناريو وإجراء بحث في حال حدوث وباء وتهديد بيولوجي معين، والهدف منه الاستعداد لذلك، سواء إذا حصل هجوم بيولوجي من دولة أخرى. ولكن الغريب في هذا السيناريو والمحاكاة، أنه تم استخدام نفس اسم فيروس الجدري المنتشر حاليا وبنفس التاريخ المكتوب في السيناريو!! هل هذا محض صدفة؟! لذلك يتم استخدام مثل هذه الأبحاث المسبقة لتنفيذ خطة معينة أو للتعامل مع واقع معين، بل إن بعض التدريبات سواء الطيران أو الإدارة يتم التدريب على مثل هذا، ونفس الاستراتيجية يتم استخدامها للتحضير لأي تهديد بيولوجي، كما في هذا السيناريو وفي هذا الفيروس، وقرأت بحثا مشابها لهذا البحث في عام 2017، قبل كورونا بعامين، يتحدث عن استراتيجية مواجهة جائحة والتحضير لها من حيث تصنيع لقاح خلال 3 أشهر وتفاصيل أخرى، ووقتها تم استخدام فيروس الإنفلونزا كمثال على ذلك.

هذه الإجراءات والتوصيات المذكورة بناء على نتائج البحث من شأنها أن تؤدي الى مزيد من سيطرة الدول الكبرى والغنية على الدول الضعيفة والفقيرة، تحت نظام عالمي واحد، رغم أن النظام العالمي فشل فشلا ذريعا في كيفية التعامل مع جائحة كورونا، من حيث التناقضات بين التصريحات والتوجيهات ومناقضة النتائج العلمية، وغيرها من تصريحات لمنظمة الصحة العالمية، بجانب المشاكل القائمة التي برزت خلال الأزمة، فكان كورونا خير مثال على ذلك.

والله أعلم.