الشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الأزهر الذي غنّت أم كلثوم بعض أشعاره

أم كلثوم

الشيخ عبد الله الشبراوي (1681 ــ 1758) هو الشيخ الثالث والعشرون بين مشايخ الأزهر، وهو بمعيار الفن أشعر مشايخ الأزهر لدرجة أن له قصيدة راجت في أوساط الموسيقى عبر الأجيال حتى غنّتها السيدة أم كلثوم “وحقك أنت المنى والطلب” من دون أن يعرف المستمعون وربما المعاصرون للأغنية أنها لشيخ من مشايخ الأزهر. وهو بمعيار السلطة صاحب أطول مدة في منصب شيخ الأزهر 1725 ـ 1758 وهو صاحب المواهب المتعددة في أستاذية العلوم الأزهرية،  فهو فقيه وأصولي وهو محدث ومتكلم، وبمعيار التفوق في القدرات العلمية تجتمع في الشيخ الشبراوي مجموعة من قيم الأستاذية العلمية في المعاهد الكبرى، فهو قادر على التأليف، وقادر على صياغة التأليف في أشكال متعددة كما أنه كان قادرا على التفوق على معاصريه في علوم عصره، وبهذا عاش مدة طويلة في منصبه مستنداً إلى علمه.

عودة المشيخة إلى الشافعية

بتولي الشيخ عبد الله الشبراوي عاد منصب شيخ الأزهر إلى علماء الشافعية (بعد 46 عاما في حوزة 7 من علماء المالكية)، وظل المنصب يُتداول بين علماء الشافعية منذ عودته إليهم أي منذ 1725 حتى 1870 أي طيلة 145 عاماً حتى تولاه الشيخ محمد المهدي العباسي في 1870 ثم عاد للشافعية مع خلفه الشيخ شمس الدين الأنبابي في 1881. ومن الجدير بالذكر أن مشيخة الأزهر ظلت تتداول بين علماء الشافعية حتى كان الشيخ محمد الخراشي أول من يتولاها من المالكية في 1679، ومن العجيب أن التاريخ المتداول للأزهر يبدأ بالشيخ الخراشي على أنه أول شيخ للأزهر في حين أنه هو الشيخ السادس عشر وإن كان أول شيخ مالكي.

نشأته و تكوينه العلمي

كانت نشأة الشيخ الشبراوي (واسمه الكامل: أبو محمد جمال الدين عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين، الشبراوي) في بيت علم، فجده هو عامر بن شرف الدين المتوفى 1111 هجرية الذي ترجم له العلامة المحبي في كتابه الشهير “خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر”.

وكان الشيخ الشرقاوي تلميذا  للعلامة الأديب الشاعر الشيخ حسن البدري، الذي كان من الشعراء الممتازين في زمنه، وله ديوانان من الشعر، وقد روى الجبرتي بعض قصائده، ويظهر أن الشيخ الشبراوي تأثر بأدبه، كما أنه تتلمذ عليه في علم الحديث.

خلفاء السلطة العثمانية الذين عاصرهم

  • أحمد الثالث الذي حكم ما بين 1703 ـ 1730 ثم خلعه الإنكشارية
  • محمود الأول الذي حكم ما بين 1730 ـ 1754 وانتهى حكمه بوفاته.
  • عثمان الثالث الذي حكم ما بين 1754 ـ 1757 وانتهى حكمه بوفاته.
  •  مصطفى الثالث الذي حكم ما بين 1757 ـ 1774 وقد توفي الشيخ الشبراوي في بداية حكمه.

وللتقريب فإن محمود الأول هو حفيد محمد الرابع الذي هو حفيد أحمد الأول الذي هو حفيد مراد الثالث الذي هو حفيد سليمان القانوني الذي هو حفيد سليم الثاني وهو ابن محمد الفاتح.

كان أستاذا للصدر الأعظم

أهم تلاميذه من حيث المكانة السياسية هو الوالي عبد الله باشا بن مصطفى باشا الكوبريلي -أو الكبوري نسبة إلى بلدة كبور- وكان شاعرًا أديبًا وعالما جليلا، وقد أصبح واليا على مصر في عهد السلطان العثماني محمود الأول (1696 – 1754) الذي ولي الخلافة ما بين 1730 ـ 1754، وما إن ولي منصب الولاية حتى اتصل بكبار العلماء والأدباء والشعراء في مصر، وتلقى عنهم معارفه واستجازهم في الرواية عنهم.

تلاميذه

أحصت كتب التراجم من تلاميذه النابهين: الشيخ إبراهيم بن محمد بن عبد السلام الرئيس الزمزمي المكي الشافعي، والشيخ أحمد بن عيسى العماوي المالكي، وقرأ عليه صحيح البخاري، ومسلم، والموطأ، وسنن أبي داود، وابن ماجه، والنسائي، والترمذي، وغيرها.

أخلاقه

كان الشيخ الشبراوي -رحمه الله- كريم النفس، واسع الأفق، رحب الصدر، يدافع عن العلماء والصالحين، حكيمًا في تصرفه.

شاعريته

كان الشيخ الشبراوي يستجيب لنوازع المشاعر الوجدانية، فيعبر عن هذا في شعر رقيق، ومن أعذب قصائده الغزلية الرقيقة المشهورة القصيدة التي استهلها بقوله:

وحقك أنت المنى والطلب                  وأنت المراد وأنت الأرب

ولي فيك يا هاجري صبوة                 تحير في وصفها كل صب

وكان الشيخ الشبراوي يستغل مواهبه الشعرية في نظم بعض العلوم لتسهيل حفظها على الطلاب من قبيل نظم الآجرومية في علم النحو.

مقارنته بالشيخ عبد الله الشرقاوي

من المصادفات أنهما شافعيان، وأن ترتيبهما في التاريخ كترتيبهما في الأبجدية فالشبراوي (1681-1758) سابق على الشرقاوي (1737- 1812)، وقد كان من حظ الشيخ عبد الله الشبراوي أن يحظى بالوجود في عهد هادئ تميز بالصلة الوثيقة بالدولة العثمانية في محيطها الواسع واهتماماتها العلمية والسياسية على حين جاء عهد الشيخ الشرقاوي التالي له في ولاية الأزهر بسبعين عاما مع اضطرابات الهجمة الفرنسية ثم هجمة الإنجليز ومع صعود محمد علي في 1805.

مقارنته بالشيخ الدمنهوري

فيما يبدو لنا فقد كان الشيخ الدمنهوري (1689- 1778) خلفه غير المباشر أكثر منه علما وأوسع أفقا، لكن الشيخ الشبراوي كان أقرب إلى الأذهان والمجتمعات، كما أن الدمنهوري لم يقدر له أن يستمر في المشيخة طويلا مثل الشيخ الشبراوي الذي استمر فيها 34 عاماً.

مقارنته بالشيخ حسن العطار

ومع ما كان للشيخ الشبراوي من فضل وأسبقية فإننا نعتقد أن الشيخ حسن العطار (شيخ الأزهر الثاني والثلاثين) ترك من البصمات ما جعل مكانته التاريخية تفوقه، حيث أسهم بقوة واقتدار في وجود مؤسسات التعليم الحديث وترك تلاميذ دفع بهم إلى مدارج الرقي كرفاعة الطهطاوي ومحمد عياد الطنطاوي ومعاصريهم، أما الشيخ الشبراوي فقد وجد في عهد الحضارة الهادئة التي سبقت ذروة الاضطرابات التي أحدثتها الثورة الفرنسية ثم الهجمة الفرنسية.. وهكذا كان هو وتلاميذه من النوابغ الذين لم يشتبكوا بالمجتمع.

مؤلفاته

في الدعوة الإسلامية والأخلاق

  • عروس الآداب وفرحة الألباب في تقويم الأخلاق.
  • نصائح الحكام.
  • تراجم الشعراء
  • عنوان البيان وبستان الأذهان في الأدب والأخلاق والوصايا والنصائح. طبع بمصر طبعات عديدة.

في علوم الكلام

  • العقد الفريد في استنباط العقائد من كلمة التوحيد.

في علم اللغة

  • شرح الرسالة الوضعية العضدية في علم الوضع وقد شرحها كثيرون، ومنهم الشيخ الشبراوي.
  •  نظم بحور الشعر وأجزائها.
  •  نظم الآجرومية.

مؤلفاته الشعرية

  •  مفاتح الألطاف في مدائح الأشراف، وهو ديوان شعر طبع مرارًا.
  • الإتحاف بحب الأشراف.
  • نزهة الأبصار في دقائق الأشعار.
  • شرح الصدر في غزوة بدر.
  • الاستغاثة الشبراوية.

وفاته
توفي الشيخ عبد الله الشبراوي في 10 أغسطس 1758