أوطانٌ صغيرة

شبّه العقاد الأصدقاء بالأوطان الصغيرة

صديقي هو مِرآةُ نفسي وانعكاسُ قلبي، يشعر بحُزني من تجاعيدِ وجهي وَيَرى فرحي من لمعانِ عيني ويتغاضى عن عيبي فلا سيئة يرى ولا يُعاتبني. بل يتقبلُني بكُلّي. يقول جلال الدين الرومي “من لديه صديقٌ حقيقي فلا يحتاج إلى مِرآة”، وذلك لأني أرى نفسي بعينهِ قبلَ عيني.

بالفعل، الصداقةُ من أجملِ العلاقاتِ الإنسانية وذلك إذا ملكتَ صديقًا حَقِيقِيًّا وَفِيًّا. فالصداقة علاقة ساميّة تطغى على أي علاقة أُخرى، لأنها لا تُبنى إلا على المحبةِ والتفاهمِ والأُلفةِ تلك المشاعر اَلرَّاقِيَة التي تزرعُ البسمة وتخلُق الونس بين القلُوب. وبما أن العلاقات الاجتماعية الصحيّة ضروريّة للصحةِ النفسيّة، فالصداقةِ الصالحة وَالصُّحْبَة الطيّبة الداعمة ضروريّة لحياةِ أكثرُ سعادة وصحيّة.

فالصديق الحقيقي يُكملك، يُضيف لحياتك النكهة التي تنقُصها ويلونها بوجودهِ وبذلك تكون علاقة تكامُليّة تشارُكيّة، تفرح فيفرحُ معك، تحزن فيبكي معك دمعك، وتضحك فيخترق صوته صوت قلبك، ليتوحد القلبان بقلبٍ واحدٍ يُشاركان أفراحهُما وأتراحهُما. كما يُؤمن أرسطو بأن “الصديق هي روح تعيشُ بجسدين”، هما واحد لا اثنان لمدى تفاهُمهما وتقاربهُما، والصديق يجمعُ بين الأُخوة والرفقة، فتراهُ جزءًا لا يتجزأ من حياة رفيقه، بل مكانته المُهمّة تُشبه أحد أعضاء الجسد إذا فُقد فكأنما بُتر هذا العضو وأصبح ناقصًا وخاليًا.

وشبّه عباس محمود العقاد الأصدقاء بـ”الأوطان الصغيرة”

وبالإسلام أيضا حازت الصداقة قيمة عَاليّة فكانت صداقة رسولنا الكريم والصحابي الجليل أبو بكر الصدّيق مثالًا لِلصُّحْبَةِ الصالحة والصداقة النقيّة.

ولأهمية الصداقة وتأثيرها بحياة الفرد فرّق خاتم النبيين ورسولنا الكريم سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بين الصديق الصالح من الطالح فقال {إِنَّمَا مَثَلُ الْـجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْـجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً}.

وشبّه عباس محمود العقاد الأصدقاء بـ”الأوطان الصغيرة” لِكون الصديق ملجأ آمنًا والانتماء إليه يسمو بالقلب والروح، فالصديق الوفي نادر ووجوده شكل من أشكال الاطمئنان، به تحلو الحياة وتتلاشى الهموم، فهو موضع الثقة وصاحب الأمانة.

أما مارك توين فوجد وصفة سحرية لحياةٍ مثاليّة وكان أساسُها الأصيل “صديقًا جيّدًا وكتابًا مُفيدًا وضميرًا هادئًا”، وهذه حقيقة لا شك فيها، فالصديق مطرحُ الأسرار وصندوق الأخبار، به تصفو الحياة ويهدأ البال.

ولأن الصداقة مُهمّة وَضَرُورِيَّة لحياةٍ مثاليّة وسعيدة، كُن لنفسك صديقًا حَقِيقِيًّا قبل أن تطلبَ من الآخرين مُصادقتك، فصداقة النفس أسمى وأبقى. سامح نفسك وكن لها رفيقًا ورقيقًا، واقبل نفسك بعيوبك وأخطائك، وتذكر أنك أولى بعطفك ولُطفك. افرح بإنجازاتك الصغيرة قبل الكبيرة وكن واثقًا بأن كل ما تُقدمه لنفسك من حُبٍّ وعطفٍ ستجدهُ من الآخرين.