هُدوء.. الإعلام العربي نائم!

في عصرِ التكنولوجيا وَالسُّرعة احتلَّ الإعلام مكانة مُهمَّة أهلتهُ ليُصبح ذا سُلطة وخوّلته لأن يكون مرجعًا لِلْجُمْهُورِ المُتلقي وأرشيفًا لقضايا المُجتمع. بل لسانًا يتكلمُ بالنيابةِ عن الشعب ويقف ضد الفساد. هذا فقط إن أدّى وظيفته على أكملِ وجه وكان حرٌّ لا تُقيده مناصبَ ولا شخصيات مُهمة.

فمُهمة الإعلام اليوم أصعبُ بكثيرٍ فهي مليئةُ بالتحديات والتنافسات في خضم المؤسسات الإعلامية سريعة الانتشار التي يعتمد أغلبُها على سُرعةِ الخبر على حِساب مصداقيته وشفافيته. حتى المُحتوى الإعلامي تغيّرَ ليُحقق مصالح ذاتية بعيدًا عن وظيفته الأساسية التي خُلق لأجلها وهي نقل الحقيقة كاملة بلا تَحَيُّزَات أو محسوبيّات.

ولذلك أصبح هُناك فجوة كبيرة بين المُؤسسات الإعلامية العربية والشباب نتيجة سعة إطلاع الأخيرة وتكتُم الأولى في نشر بعض الأخبار وحجبها في أحايين أخرى.

المُؤسسة الإعلامية اليوم تحتاجُ إلى تحديث وتطوير، لا أن تُطوّر أجهزتها أو مكاتبها بل أعمقُ من ذلك بكثير

ولذلك وَجَب على الإعلام العربي اليوم أن يُقدّر عقول الشباب لا أن يحشو أدمغتهم بأخبار مُجزّأة وناقصة تخدُم أجندات المُؤسسة الإعلامية أو شُخوص مُهمة بالدولة، أو يُلهيهم بمعلوماتٍ تافهة تجعلُهم أصحابَ وعي مُتخلّف ومُزيّف. فشبابُنا اليوم أكثر وعيًا وأكثر قدرة على تصنيفِ الإعلام “الصالح من الطالح”. لذلك على الإعلام أن يُسلط الضوء على مشاكلهم الحقيقية لا على مطالب وهمية وقضايا هامشية بالية.

شبابُنا العربي يحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى وسيلة صريحة تحترم عقلية المُشاهد لا تستخف فيه أو تستهين بمُستوى إدراكه. يحتاج إلى دور وسُلطة وقوة الإعلام في توصيل رسائلهم إلى الجهاتِ المُختصّة لِيَخْدِمُوا مصالحهُم ويُعالِجوا قضاياهم من البطالةِ إلى المواطنةِ!

فشبابُنا العربي أصبح للأسف لا يثق بإعلامه. فإن أراد مُواكبة مُستجدات الأخبار بموضوعيةِ يلجأُ بالعادة إلى الصُحفِ الغربية حتى وإن كان الخبر يَخُصّهُ ومُجتمعه وهُنا المُفارقة. فالإعلام العربي إعلام مُقيّد غير مُستقل ولذلك فإن أخباره بالعادة تكون عبارة عن تعليمات مُحدّدة وواضحة تُوزع على المُؤسسات الإعلامية بأكملها فتتشابه المانشيتات وتتشابه حبكةُ الأخبار وسطحيّتُها.

على الإعلام العربي أن يضع الحقيقة والحقيقة كاملة في مُتناولِ المُشاهد وأن تنشُر الأخبار بحيادية وموضوعية خاصة تلك المصيريّة التي تتحكم بحياتهِ ولُقمة عيشه والتي تَخدُم مصالِحه. أن تُؤمِن بحق المُواطن في المعرفة وبحقهِ بالمُشاركة بالمجتمع لا أن تُعامله وأمثاله كالقطيع. ولكن هل إعلامُنا العربي مع مصلحة المواطن أم وظيفته خرساء لا تُعبر إلا عن نيات جهات عُليا؟

المُؤسسة الإعلامية اليوم تحتاجُ إلى تحديث وتطوير، لا أن تُطوّر أجهزتها أو مكاتبها بل أعمقُ من ذلك بكثير فهيكلُها الإعلامي يحتاجُ إلى تحديثٍ وتطوير؛ تحتاجُ إلى رفع سقف الحُرية، وأن تَسْتَقِلّ بذاتِها بلا رعاية اقتصاديّة أو سياسيّة تتحكم بمُخرجاتها وتوجهها نحو أغراض ذاتيّة ومصالح خاصة. لِتَكُن مُؤسساتُنا الإعلامية قادرة على إشباعنا بمعلوماتٍ حقيقية مُهمة لا أن تتلاعب بنا أو أن تُحرّكنا كَالدُّمَى، بل أن تُعاملنا بوعينا الذي ازداد وانفتاحنا الكبير الذي يوجِهُنا ويُرشدُنا إلى مصادر المعرِفة.