عندما يخون الانسان ذاته صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ

معنى أن تتدبر القرآن الكريم

الانسان كائن لا يمكن تبسيط مساره بشيء واحد، كأن نقول إن المشكلة في الجهل، او المشكلة في العلم، او المشكلة في التربية، الحقيقة ان هنالك ترابطا بين كل هذه العوامل بنسب تشكل اكسير الفهم، وبالفهم ممكن ان ترى الحقيقة مع ارادة معرفتها، او الاستسلام الى الراطسخ من المعلومة التي اتت كصوت فانطبع محفورا محيدا دون عمق او تفكير.

هذا النمط الأحفوري في منظومة الانسان العقلية تمنع جريان الفكر وتركده فيتأسن ومنه تنتج الكراهية وبكتريا وفايروسات تستعمر المنظومة العقلية فتملئ الفؤاد بالكراهية وتسخر القلب ليفكر بسيناريوهات تنطلق من هذا المنظومة بابتداع وسائل الاذى للإنسانية، وتتجمد الاحكام بلا قوانين الا لذة او مكسب يفتح بابه فيدخل بلا تفكير لا بالقيم ولا العواقب، وأحيانا يكون متصالحا مع القيم وربما العبادات والالتزام بها؛ لأنها ليست معيار السلوك او تدير القوانين في المجتمع.

لن اناقش الكراهية التي تأتي من الوكالة بما لم يوكل به الانسان، بل لأنواع اخرى من السلبيات الدارجة في المجتمع عندما تتعاظم الأنا الى ان يكره الانسان نفسه، وهو يتصور انه ينفعها واهله واختياره سبل الفساد بأنواعها باعتبارها شطارة واستغلال فرص فلا يرى بتضحية صديق الا فرصة  ولا بخيانته الا فرصة ولا يدري انه يصنع بنفسه في جانب من هذه الفرص محرقة من تدني النفسية وسوء المصير، حيث تموت على ابوابها كل قيمة طيبة فلا صديق ولا مصداقية وانما النظر الى النشاط من خلال فرصة اشباع غريزة وطمع بما لا يحق له، او تتبع الشهوات كيفما كانت ودون نظر الى قيمة وانما كالذباب حيث وجد السكر ارتمى ولو كان ممزوجا بالسم، والسم هنا لا يقتل الجسد وانما يقتل النفوس وانسانيتها وغيابها في عالم سفلي لا تدري هذه النفس او تهتم الا ان تبقى بعيدة عن اعين الناس خشية الفضيحة، وهي لا تخاف عين من سيضعها عارية يوم البعث وما هو بعمر الحياة بطويل.

تسمع كلام الله ولا تفقه معناه فكأنك اصم لم تسمع، ولا تحدث نفسك ولا غيرك بما يرضيه او بذكره

عندها لن يكون للصداقة معنىً ولا أي علاقة انسانية تحتفظ بقيمتها وجمال معانيها وانما هي ارتماء في تشوه وعاقبة قد يراها من عماء انها حسنة ان وفرت لأبناء عيش وتقدم بدراسة او عمل، وانه اقتنى من افضل ما يقتنى، ولا يدري انه بشهواته تقدمهم الى جهنم وبنى اجسادا من حرام وارتكب الخيانة لصديق او قيم اخلاقية، ولم يراع الحقوق التي تفرضها الاعراف من انصاف للذات بحسن العمل من خلال انصاف الصديق، فما بقى منك ايها الانسان وانت تعوم في التيه وقد عودت نفسك ان ترتكب الخيانة والمعاصي كلما اتت فرصة في الوعي او اللاوعي ولا ضير في هذا ما دامت لا تعلم للناس ولا تخاف مقام القدير المقتدر عالم الغيب وما تخفي الصدور.

تسمع كلام الله ولا تفقه معناه فكأنك اصم لم تسمع، ولا تحدث نفسك ولا غيرك بما يرضيه او بذكره من صميم القلب ونزوات الفؤاد فانت أبكم، ولا ترى نفسك في المرآة او ترى عذاب من تستغفل او تخون فانت اعمى، ولا تستوعب كل هذا لأنك لا تعقل ما انت فيه من بلاء تسير نفسك اليه باتباع هواك واستعمار غرائزك لمنظومتك العقلية فتكون مركزا لسيناريوهات الفساد، ولا تشعر حتى بمعاملة اصحاب القيم وحملة الفكر لك ولغيرك الا انهم مغفلون تستغل طيبتهم لتحقيق مآربك وكذلك فعل ابليس بآدم …. كذلك انت لا ترى أنك بذات المصير.

ان تهاوي المنظومة القيمية وانهيارها لم يأت فجأة وانما هي تعبير عن اختلال المعايير الاجتماعية والنظرة الى الانسان في تحديد مكانته الاجتماعية او قبوله بين الاخرين، هذه المعايير التي نظرت الى اماكن موروثة، ثم نظرت الى امال والمكانة والنفوذ في السلطة والوظيفة، ولم تعد تقيس على ثوابت دقيقة وانما اصبحت الاحكام شديدة على العامة من الناس متساهلة مع من ارتقى بغير تفحص طريق ارتقائه او سلوكه، لعل المجتمع في جيل سابق لم يك عدد المتعلمين به كثيرا، ولكن هنالك تجربة تتحول الى نوع من الحكمة تتباين بين الانطباع الخاطئ والانطباع الحسن، بيد ان المجتمع محاط بسور صارم امام الفساد بقدر صرامة المعايير لدرجة اختلاط العيب والحسن مع الحلال والحرام، فما كان ممكنا التمادي والتجاوب مع الثغرات في الضعف النفسي الذي يتحول بكسر القيم الى نمط حياة لا يشعر معه الفاسد او الخائن بتأنيب الضمير لدرجة ان تكون الخيانة احيانا تعبر عن موقف او نمط سلوكي لا يرى المنحرف انه مخطئا مادام يسير سرا او افتضاحه لا يؤثر على مكانته او علاقاته دون تمييز.