حديث العانس!

لقد انتشر مؤخرًا تصريح لواحدة مشهورة مفاده أن المرأة غير المتزوجة “العانس” تبقى ناقصة وغير مكتملة حتى وإن كانت ناجحة في مجالات الحياة الأخرى، وأن إنجازاتها لا تُحتسب من سُلم الإنجازات إذا لم ترتبط وتكوّن عائلة.

وقد صدمت أكثر -ليس فقط بتفكيرها المحدود والسطحي- ولكن بعد قراءتي لتعليقات رواد مواقع التواصل، من تأييد ومناصرة الأغلب لهذا التصريح المتعصّب الذي من المفترض أن يبقى رأيا شخصيًا لا تعميمًا وحقيقة تبثها تلك الشخصية العامة التي قد يتخذها البعض قدوة ويحذوا حذوها.

والأدهى والأمر أن التعليقات الساحقة كانت لنساء رأين أن الزواج يصل بالمرأة لأعلى مراتب الكمال في المجتمع فعلا وينقذها من ألسنة المجتمع وتقييماته وآرائه حول تلك الزمرة من النساء اللواتي رأين بأن حياتهن أفضل بلا زواج كخيار شخصي اتخذنه ضد أعراف مجتمعات تقليدية لا تؤمن بإنجازات الجنس الناعم إلا في المنزل وداخل “القفص الذهبي” وهذه هي الثقافة الذكورية بعينها.

حتى ابتكار المصطلحات والألفاظ المهينة نجحت بها هذه المجتمعات المهوسة بالألقاب والأسماء، فوصمت المرأة التي لم تختر الارتباط “بالعانس” بينما لو تأخر الرجل بالزواج لقالوا عنه أعزبا ولم يفته قطار الارتباط المزعوم، فـ”الرجل لا يعيبه إلا جيبه”!

ماذا لو لم ينتهِ المطاف بالمرأة بالزواج أو كما يُقال فاتها قطار العمر؟ هل تُنبذ أو تُقصى؟

وفكرة أن المرأة لا تحقق ذاتها إلا بالزواج أو تُرضي غرورها ويكتمل كيانها إلا بهذه المؤسسة المصيرية وهذه الأسطوانة المشروخة بُرمِجت ليس في عقول الذكور فقط بل النساء أيضًا لتتطابق وتتوافق مع مجتمعات رجعية لا تعترف بمزاولة المرأة أعمالًا غير إرضاء الرجل وتربية الأطفال وتنشئة جيل مرة أخرى لا يرى بالمرأة سوى كائن ناقص لا يكتمل إلا بالرجل وهكذا دواليك ستستمر دائرة الانتقاص والاستهانة والتصغير، هذه الدائرة الشريرة التي يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، جيلا بعد جيل يتناقلون أفكارهم العتيقة المهترئة بلا تحديث ولا تطوير.

ولكن ماذا لو لم ينتهِ المطاف بالمرأة بالزواج أو كما يُقال فاتها قطار العمر هل تُنبذ أو تقصى؟ هل تصبح خرقة بلا احترام أو محط للأنظار وموضع اتهام وتهميش اجتماعي؟

للأسف لطالما كانت المرأة جنسًا مُثيرا للجدل تظل تكتسح أهم عناوين المقالات والأخبار وحتى التصريحات لأنها بالفعل في مجتمعات مكبوتة تنظر للرجل بعين وترى المرأة بأخرى مشوهة وقميئة، تحصر النجاح والانجازات للرجل وتغض البصر عن إنجازات المرأة.

ولكن إذا أردنا تغيير حال المرأة وصورتها الراسخة في أذهان مجتمعاتنا العليلة -والذي لن يتحقق بسهولة- علينا أولًا بتربية جيل يحترم المرأة، أن يعترف بأهميتها بلا تصنيفات أو ألقاب، ولا يراها جنسًا آخر أو كائنًا ناقصًا يكتمل بآخر. أن نُعيد برمجة العقول مرة أخرى لتؤمن بمساواة الجنسين وأهميتهما في تنمية المجتمع وتطويره معا، والعمل على شطب المصطلحات المهينة كآخر مسمار في نعش العنصرية الجندرية الكريهة التي تُهمِّش وتُصنِّف المرأة بنعوت إقصائية وعنصرية كلفظ العانس الذي يُعتبر “وصمة عار” على جباه مُطلقها لا العكس.