كيف أصبحتُ غبيًّا؟

مؤلف رواية "كيف أصبحت غبياً"

ماذا لو اكتشفنا أننا بذكائِنا أو بطريقة أخرى بانتهاجنا لنمط حياة مُختلف في المُجتمعِ نعيشُ تُعساء بين البشر؟ هذا ما أدركه أنطوان بطلُ الرواية الفلسفية الساخرة للكاتب الفرنسي مارتن باج المُعنونة بـ “كيف أصبحتُ غبيًّا؟”، الذي بثقافته العالية ووعيه الغزير أدرك سرّ تعاسته وكشف الحيلة لكي يُصبح كما يُريد المُجتمع منه “نملة بين النمل”.

أي جُزء من الكُل، كما يفعلُ البعضُ مِنّا حينما يخافُ من الاختلاف ومن الإقصاء، حينما يُدرك أن حياتُه الاجتماعيّة على المحك؛ أن يبقى وحيدًا بفردانيته أو اِجْتِمَاعِيًّا باصطناعه ومحاكاته للآخرين!

إنَّ الفرد منّا يُدرك تمام الإدراك بأنّ لا سبيل لحياةٍ طبيعيّةِ خالية من اَلْمُنَغِّصَات مادام يتّبِعَ مسالِكَ تُغاير النمطيّة التي اعتاد عليها المُجتمع والتي أخذ الإعلامُ بتأكيدها كُلما سنحت الفرصة، فنراهُ يُنمط من صورةِ المرأة ويُحدد مهامِها في المُجتمع ويرسم تَطَلُّعَاتهَا وحتى مقاييس الجمال التي يجب أن تندرج تحت تصنيفها أو يُظهر الجنس الأخر كشرقي يمتازُ بالسلطوية ويُضخم من مهامه في المُجتمع مُسَخِّفًا وَمُسَطَّحًا أمامهُ دور المرأة التي غالبًا ما تكون ساذجة جميلة؛ وأن لكل فرد دور ما في الحياة لا يُحيد عنه أو أن ثقافة هذا المُجتمع لا تتبنّى سوى أفكار مدروسة وعتيقة أكل عليها الدهر وشرب ولا وسيلة للعيشِ إلا بفكرهِ ومنطقهِ بعيدًا عن العصرانيّة والتغيير مُقيّدًا الأفراد في عقلية مُعينة جامدة.

أن تُفكر بالتغيير يعني أن تقبل بالإقصاء، النبذ والسخرية وحتى التنمر الذي يُعتبر ثمنًا لشخصيتك الفريدة. وأن تتأقلم مع هذه السلوكيّات المُضطربة التي ترتفع مُمارستُها كلما كانت نسبة “الجهل” عالية ولا أعني بذلك نسبة الأُمّية إنما الجُمود الفكري والدوغمائية التي تُحيل أفراد المُجتمع دون استيعاب للأفكار الخلّاقة والتي تهاب الابتكار خوفًا على زعزعة استقرارهم ووجودهم وطرائق عيشهم التي اعتادوا عليها.

الخوف من التجديد هو ما يجعلُ الابتعاد والعزوف عن اتباع التقاليد بحذافيرها

وكما يعتقد الفيلسوف والمؤرخ والناقد الاجتماعي البريطاني برتراند راسل:

“يمكن أن تكون المُجتمعات جاهلة ومُتخلفة ولكن الأخطر هو أن ترى جهلها مُقدسًا.” وهكذا هو مُجتمعنا الشرقي يُقدس كل ما من شأنهِ أن يخنق الفرد ويمحو فردانيته واختلافه عن القطيع المُتماثل، واضعًا إياه تحتَ مقصلة الغرابة.

الخوف من التجديد هو ما يجعلُ الابتعاد والعزوف عن اتباع التقاليد بحذافيرها والمُمارسات المُعتاد عليها نزعة غريبة أو شيطانية -كما يُحب البعض وصفها- ودخيلة يجب دحضُها وانتزاعُها من بدايتها لقمع تطورها وانتشارها كوباء يضرب بالفرد ويُعدي المجتمع، ويا ليته يُعديه حَقًّا لعل وعسى ينفض المُجتمع غُبار جهلهِ العتيق والمُقدّس ويمسحُ عن نفسه شبح الماضي الذي مازال يُمجده متناسيًا خوض غمار الحياة الحاضرة والتحديث من شأنه وصُنع أمجاد قادمة لا الاتكاء على ماضٍ لن يعود.

أن تستمر على نهج التغيير والإبداع هو ما يجعلُ منك فريدًا وقادرًا على الإلهام، حتى ولو قُذفت بطوفانِ النقدِ الجارح والنبذ أو وُصفتَ بالغرابةِ والشذوذ، مادام التغيير لا يعتدي على الآخرين ومُعتقداتهم أو يَمَسّ الشريعة فلا تكترث وقُم فالمستقبل لا ينهض إلا بأمثالِك.