لمحة تعريفية شاملة عن الداء السكري

نسمعُ في حياتنا اليوميّة وبشكلٍ شبه مستمرّ عن مرضٍ ينهك صاحبه ويجعلُ حياته مختلفة عن أقربائه، مرضٍ لا يعرفُ جميع النّاس معلوماتٍ كافيةً عنهُ؛ سنتحدّث اليوم عن مرضٍ مزمنٍ مرتبطٍ بغدّة تدعى باللّغة الطّبيّة ” الغدّة الصّماء والغدّة خارجيّة الإفراز “، وهذه الغدّة هي البنكرياس.

ما هو الداء السكّري؟

مرضنا اليوم هو الدّاء السّكّريّ، وهو عبارة عن متلازمة سريريّة تتميّز بفرط سكّر الدّم نتيجة عوز مطلق أو نسبيّ في الإنسولين.

يمكن أن يختلط هذا الخلل الاستقلابيّ طويل الأمد بمضاعفات تؤثّر بشكل وصفيّ على العين والكلية والجهاز العصبيّ إن لم يتمّ التّعامل معه بجديّة وحذر. يحدث الدّاء السّكّريّ في جميع أنحاء العالم، وانتشاره في ازدياد. عانى 336 مليون فرد من الدّاء السّكّريّ في عام 2011، وهذه النّسبة مرشّحة إلى الازدياد إلى 552 مليون نسمة في عام 2030.

الاستقلاب الطبيعي للسكّر في الدم

نحن نعلم أن الدّاء السّكّريّ يشكل عبئاً كبيراً على مرافق الرّعاية الصّحيّة في جميع بلدان العالم. سنتحدّث قليلاً عن الاستقلاب الطّبيعيّ للسّكر في الجسم حتّى نفهم آليّة حدوث هذا المرض.

يتمّ الحفاظ على سكّر الدّم ضمن المجال الطّبيعيّ من خلال آليّات الاستقلاب، ويعتمد الدّماغ على الغلوكوز” أي السّكّر بالعاميّة ” للحصول على الطّاقة حيث إنّ الحاجز الدّماغيّ الدّمويّ غير نفوذ للحموض الدّسمة الحرّة (الّتي تعتبر مصدر الطّاقة الرّئيسيّ في الجسم).

كيف تتم الاستفادة من السكر في الجسم؟

يدخل الغلوكوز إلى الدّورة الدّمويّة عن طريق الكبد والأمعاء ويتمّ قبطه (أخذه) من قبل الأنسجة المحيطيّة، وخاصّة العضلات الهيكليّة.

بعد تناول وجبة غنيّة بالسّكّريّات، يتمّ إفراز الإنسولين (الذي يعدّ المنظّم الأوّليّ لاستقلاب السكّر، من قبل خلايا بيتّا الموجودة في غدّة البنكرياس التي سبق وتحدّثنا عنها)، إلى الدّوران البابيّ كاستجابة لارتفاع سكّر الدم.

أنماط مرض السكّري

تتعدّد أنماط الدّاء السّكريّ وآليّات حدوثه، لكنّ الطّبّ جمعها في أربع مجموعات ليسهّل علينا فهمها.

هذه المجموعات هي:

●    الدّاء السّكريّ النّمط 1

●     الدّاء السّكريّ من النّمط 2

●    الدّاء السّكريّ الحمليّ

●     وأخيراً الدّاء السّكريّ المرتبط بالأمراض الخبيثة.

سنتحدّث وباختصار عن كلّ نمط من هذه الأنماط:

الدّاء السّكريّ من النّمط 1

هو مرض مناعيّ ذاتيّ مُحدث من قبل الخلايا التّائيّة الّتي تهاجم ولسبب ما الخلايا بيتّا الموجودة في البنكرياس وتؤدّي إلى تخريبها التّدريجيّ.

كيف يتمّ هذا التخريب ؟

تشكّل الخلايا التّائيّة المناعيّة أضداداً ترتبط مع مستقبلات موجودة على سطح الخلايا بيتّا البنكرياسيّة وتقوم بتخريبها بالتّدريج. يمكن تحديد هذه الأضداد قبل تطوّر المرحلة السريريّة للمرض وتختفي بزيادة مدّة الدّاء السّكريّ، ومع ذلك لا يتمّ استخدامها من أجل المسح والتّشخيص.

ماذا يحدث عندما تتخرّب هذه الخلايا (خلايا بيتا) ؟

إنّ تخريب الخلايا بيتّا التّدريجيّ سينتج عنه عدم قدرة الجسم على إفراز هرمون الأنسولين اللازم لضبط مستويات سكّر الدّم في الجسم، ممّا يرفع من مستويات السّكّر ويسبب الدّاء السّكّريّ.

ماهي الفئات العمريّة الّتي يصيبها هذا المرض ؟

إن الدّاء السّكّريّ من النّمط الأوّل مرتبط وبكثرة بالأطفال، هذا لا يعني أنّه يقتصر عليها بل يصيب البالغين أيضاً.

نريد أن تعلموا أنّ هذا المرض وللأسف لا يبدأ بإظهار الأعراض السريريّة إلّا بعد أن يتمّ تخريب ما يقارب 80-90% من الخلايا بيتّا.

ماهي أعراض وعلامات هذا النّمط ؟

إنّ الأعراض الكلاسيكيّة لهذا المرض تتراوح ما بين:

ـ البوال.

ـ العطش.

ـ ضعف المناعة.

ـ خسارة وزن غير مفسّرة.

وهنالِك أعراض أخرى من الممكن أن تتظاهر بالتّعب، الغثيان، وتشوّش الرّؤية.

بداية هذه الأعراض تكون ـ وكما تحدّثنا ـ بعد فوات أوان إصلاح الخلايا وتتظاهر بشكل فجائيّ، وليس من المعتاد أن يراجع مرضى الدّاء السّكّريّ من النّمط الأوّل بالحمّاض الكيتونيّ السّكّريّ .

كيف يتمّ تشخيص هذا النّمط ؟

1ـ نعاير مستويات سكّر البلازما والّتي يجب أن تكون ≥ 126 ملغ/دل (7.0 ممول/ل).

2ـ نقوم باختبار التّحمل السّكّريّ، بأن نعطي المريض 75غ من الغلوكوز فموياً، ومن ثمّ نعاير مستويات الغلوكوز بعد ساعتين فنجدها ≥ 200 ملغ/دل (11.1 ممول/ل).

3ـ نقوم بفحص عشوائيّ لمستويات السّكّر في البلازما لمريض بأعراض فرط سكّر الدم فنجدها ≥200 ملغ/دل (11.1 ممول/ل).

العلاج

يتمّ توعية المريض بضرورة مراقبة مستويات السّكّر لديه ويتمّ وصف حقن الإنسولين وقد يحتاج بعض المرضى إلى حقنتين يوميّاً.

الدّاء السّكريّ النّمط 2

يتمّ تشخيصه بعد نفي الأسباب الأخرى لفرط سكّر الدّم. بما في ذلك مرضى الدّاء السّكّريّ من النّمط الأوّل. يحتفظ المرضى ببعض القدرة على إفراز الإنسولين، لكن هناك مزيج من المقاومة للأنسولين في أجسادهم وضعف في وظيفة الخلايا بيتّا البنكرياسيّة، والّذي بدوره يؤدّي إلى عوز نسبيّ في الإنسولين.

نودّ أن ننوّه إلى المتلازمة الاستقلابيّة الّتي يعاني فيها المريض من المقاومة للأنسولين واضطرابات طبيّة أخرى، والّتي تترافق بقوّة مع أمراض الأوعية الدّمويّة الكبيرة ومع نسبة وفيّات مرتفعة!

ماهي الأعراض؟

العطاش، البوال، التّعب ، تشوّش الرّؤية ، الحكّة الفرجيّة/التهاب الحشفة، الغثيان، النّهم (فرط تناول الطعام).. إلخ

قد يكون المرضى لا عرضيين وقد يراجعون بتعب أو دعث مزمن.

كيف يتمّ علاج هذا النّمط ؟

ننصح المريض بضرورة تعديل الحمية الغذائيّة ونمط حياته، وبعد ذلك بخافضات السّكّر الفمويّة إن لزم الإمر.

لا يحتاج هؤلاء المرضى للمراقبة الدّوريّة للسّكّر إلّا في حال استخدام الإنسولين، أو كانوا معرّضين لخطر نقص سكّر الدّم نتيجة وصف خافضات السّكّر من نوع السّيلفونيل يوريا.

والآن سنتحدّث عن السّكّريّ الحمليّ

يتغيّر استقلاب السّكّر خلال الحمل نتيجة التغيّرات الهرمونيّة بشكلٍ عامّ، وتتطوّر مقاومة للأنسولين وخاصّة في النّصف الثّاني من الحمل. يعرف السّكّريّ الحمليّ بالمرض الّذي بدأ أو تمّ اكتشافه خلال الحمل. بعد الحمل يتطوّر لدى عدد قليل سكّريّ من النّمط الأوّل أو الثّاني ، في حين تعود الغالبيّة العظمى إلى تحمّل الغلوكوز الطّبيعيّ مباشرة.

كيف يتمّ التّشخيص؟

ـ الغلوكوز الصّياميّ البلازميّ الوريديّ> 1.5ممول/ل (92 ملغ/دل).

أو>10ممول/ل (>180 ملغ/دل) بعد ساعة، أو> 8ممول/ل (144 ملغ/دل) بعد ساعتين من إعطاء 75غ غلوكوز فمويّ.

كيف يتمّ التّدبير؟

الهدف هنا هو إبقاء المستويات الطّبيعيّة من الغلوكوز في الدّم لحماية الجنين والأمّ من اختلاطات ارتفاعه، وبالتّالي من المهمّ تحديد الوارد من السّكّريّات المكرّرة.

يجب على النّساء المصابات بهذا النّمط التّحقّق من غلوكوز الدّم قبل (يجب أن تكون <5.5 ممول/ل أي 100 ملغ/دل) وبعد الوجبات (<7 ممول/ل أي 125 ملغ/دل).

إذا كان لابدّ من العلاج، فإنّ الميتفورمين أو الغليبينكلاميد آمنان خلال الحمل. أمّا بقيّة العلاجات فيتمّ تجنبها. قد يكون الإنسولين ضرورياً، وخاصّة في المراحل الأخيرة من الحمل.

أما الدّاء السّكّريّ المرتبط بالأمراض الخبيثة فيتمّ تشخيصه بناءً على الأعراض الّتي يأتي بها المريض والّتي تتنوّع كثيراً حسب كلّ مرض، حيث يتمّ في هذه الأمراض إفراز الهرمونات الّتي تعاكس في عملها هرمون الإنسولين رافعةً بذلك مستويات سكّر الدّم نتيجة المقاومة للهرمون الخافض لها.

من هذه الهرمونات هرمون النّمو الّذي يفرز من الغدّة النّخاميّة والهرمون الموجّه لقشر الكظر. ويتمّ علاج هذا المرض باستئصال السّبب الكامن خلفه.

لقد كانت هذه لمحة عن هذا المرض المزمن ومازال هناك بحرٌ من المعلوماتِ!

“الصّحّة تاجٌ على رؤوس الأصحّاء لا يراه إلّا المرضى”.