الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية.. ماذا تغير؟!

بعد غيابها الطويل عن القضية الفلسطينية وانحيازها التام للمحتل الصهيوني لأرض فلسطين وإعطائه الحق في الدفاع عن نفسه، عادت السياسة الأمريكية إلى القضية الفلسطينية بقوة على مستوى اتصال الرئيس الأمريكي جو بايدن برئيس السلطة الفلسطينية، ومن ثم وصول وزير خارجيتها إلى رام الله، وأيضا الإعلان عن إعادة فتح قنصليتها في القدس الشرقية بعد أن أغلقها الرئيس السابق دونالد ترمب.

لم تتحرك عجلة السياسة الأمريكية لولا معركة (سيف القدس)، والتي أثبتت فيها المقاومة الفلسطينية قدرتها على فرض واقع جديد بتشكيل تهديد حقيقي غير مسبوق على وجود الاحتلال، من خلال تطوير منظومة الصواريخ والقدرات اللوجستية تزامنا مع تطور في الأداء الإعلامي، وتوحد الجماهير الفلسطينية مع المقاومة، وزيادة الوعي والدعم الشعبي العالمي للحقوق الفلسطينية وكشف زيف الرواية الصهيونية في وسائل الإعلام.

فالسياسة الأمريكية الحالية هي سيناريو مكرر للسياسات الأمريكية السابقة، حيث تتخذ في كل مرة أساليب وتفاصيل وخطابات إعلامية مستهلكة، وهذه المرة اتجهت بوصلتها نحو سلطة رام الله وهي التي فقدت على أرض الواقع عمقها الشعبي لصالح المقاومة الفلسطينية، وأصبحت مجرد أداة تنسيق أمني كما تحدث بذلك مرارًا وتكرارًا رئيسها محمود عباس وهو ما طبقته على أرض الواقع.

المقاومة الفلسطينية تطورت عسكريًّا وأصبحت تنفذ تهديداتها على أرض الواقع

لم تكن المقاومة الفلسطينية هي خيار الشعب الفلسطيني بسبب معركة سيف القدس فحسب بل هي سلسلة تراكمات، وعلى سبيل المثال في شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي حملت الجماهير الفلسطينية في مخيم عين الحلوة إسماعيل هنية على الأكتاف في استقبال جماهيري له مدلولات كبيرة على القيمة الحقيقية للقوى الفلسطينية في الزمن الحالي.

وقد تحدث الإعلام العبري بوضوح عن الدور الذي ستنفذه السلطة في المرحلة القادمة، وذلك باعتقال من تضامن في الضفة الغربية مع المقاومة الفلسطينية وهذا ما يتوافق مع الحراك السياسي الأمريكي، وإن كان الأمريكي دبلوماسيًّا في ظهوره الإعلامي بعكس الإعلام العبري الذي لا يحترم السلطة لا في السر ولا العلن.

المقاومة الفلسطينية تطورت عسكريًّا وأصبحت تنفذ تهديداتها على أرض الواقع، وكذلك تطور وجودها السياسي الإقليمي وهذا ما أسهم في وجود مفاوضات وقف معركة سيف القدس، وقد زادت شعبيتها ومصداقيتها كثيرًا على مستوى الشعوب في العالم، وتلك التطورات من أبرز أسباب رفض الإدارة الأمريكية لوجودها، حيث صنفتها حركة إرهابية، وهذا استمرارًا للدور الأمريكي كحليف أول لدعم وجود الكيان الصهيوني المحتل، وتحدث بايدن عن ذلك مؤخرًا بوضوح عندما قال: “لن يكون هناك سلام في منطقة الشرق الأوسط إلى أن تعترف المنطقة بحق إسرائيل في الوجود”.

السلطة الفلسطينية ولدت من مخرجات اتفاقية أوسلو وهي الاتفاقية التي أعطت لمجموعة من الفلسطينيين حكمًا ذاتيًّا على مجموعة من المواطنين الفلسطينيين يتضمن بعض الأمور التنظيمية والخدمية، بالإضافة للجانب الرئيسي في وجودها وهو ما يسمى (التنسيق الأمني)، وهي الطريقة التي تستخدم للقضاء على وجود مقاومة فلسطينية للاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، وهذا فعلاً ما عملت على تنفيذه بحرفية عالية وقضت من خلاله على العديد من المقاتلين والأحرار الشجعان.

ومن الأسباب التي تجعل استحالة التوافق بين السلطة والمقاومة هي بعض شخصيات السلطة “المستهلكة”

هذا التناقض الوجودي ما بين المقاومة الفلسطينية التي تسعى لتحرير فلسطين والسلطة الفلسطينية التي يرتبط وجودها بالتنسيق الأمني مع المحتل، يجعل من الصعب جدًا وجود توافق حقيقي بينهما وهذا ما يفسر فشل العديد من المفاوضات السابقة بين الطرفين، ولذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى حاليًّا لتعزيز وجود السلطة على حساب المقاومة، وهذا ما يفسر حقيقة وجود السلطة كأداة تستخدمها الولايات المتحدة وقتما تشاء.

ومن الأسباب التي تجعل استحالة التوافق بين السلطة والمقاومة هي بعض شخصيات السلطة “المستهلكة”، والتي كانت خلال السنوات الماضية أشد حقدًا ورفضًا من الاحتلال لوجود المقاومة الفلسطينية، وفي فلسطين تحديدًا لا يمكن قمع المقاومة المسلحة لأن فلسطين محتلة؛ فهل يُعقل أن يتحرر الوطن من دون مقاومة وكفاح مسلح؟ الجواب: لا يمكن، والشواهد التاريخية كثيرة جدا!

وإذا ما كانت هنالك نوايا حقيقية لتشكيل حكومة وحدة وطنية أو تحالف وطني فلسطيني متجانس؛ فإن ذلك يجب أن ينطلق من مبدأ التخلص من اتفاقية أوسلو التي تعيق العمل الوطني الفلسطيني، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاحتلال تجاهلها أصلاً منذ زمن، ومع التأكيد على أن الحراك السياسي الأمريكي الحالي ما كان ليتم لولا حقيقة قوة المقاومة الفلسطينية، ولذلك فإن على الفلسطينيين استغلال الموقف جيدًا من أجل وحدة الصف، وهذا ما يشكل مصدر قوتهم من خلال وجود خط سياسي مدعوم بمقاومة عسكرية قوية.