فلسطين قضية الأحرار

نحن نقف مع فلسطين لا لأننا فلسطينيون أو عرب، بل نقف معها لأنها امتحان يومي لضمير العالم (إبراهيم نصر الله).

مع القضية الفلسطينية أو ضدها هذا هو الفيصل الآن، فقد أصبحت ميزانا لا يتساوى فيه أصحاب المبادئ المزدوجة، إما مع شرف الانتماء أو الانحطاط مع فوج المُتخاذلين.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ عِرْضُهُ إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَتُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ”. الحديث رواه أبو داود وهو حسن.

ومع الأحداث الأخيرة وقضية حي الشيخ جراح أخذت القضية الفلسطينية منحى مختلفا عن الأعوام الماضية مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وولادة جيل من الشباب المتحمس لنصرة قضايا إنسانية والذود عن الأبرياء. فاجتمعت روح الحماس مع جذوة الانتقام والثأر لكل ضحايا القصف الصهيوني وأشلاء الأطفال تحت الأنقاض المتراكمة والركام.

جاءت مواقع التواصل لتبرز معاناة الفلسطيني، لتقف مع الضحية وتفضح القاتل، لتوضح الفرق الشاسع بين الاثنين ولتصل أصوات الفلسطينيين أخيرًا لجميع العالم بلا تزييف أو تحريف.

الأعمى يدرك ويرى حجم وحشيتهم ولا إنسانيتهم، من يرى غير ذلك فهو مريض ومُصاب بضميره وقلبه وبصيرته ولا شك في ذلك

آن للعالم أجمع أن يرى قضية فلسطين بلا أي تغبيش أو تأطير، يراها لأول مرة كقضية أساسها اغتصاب أرض ونهب حق دام لسنوات وسنوات بلا أن يحرك العالم ساكن. وأن يعرف الفلسطينيون أخيرًا بأنهم ليسوا وحدهم وبأن المؤمنين مثلهم بقضيتهم كثيرون ولكن عاجزون إلا عن القلم.

وأن الصراخ في المظاهرات مُجدية حقًّا وإن كانت مُتأخرة مؤقتة، والكتابة على مواقع التواصل تضامنا يُعتبر قوة لم تكن مستغلة وإن أصوات المشاهير والمؤثرين قد جاء وقتها لكي تقف مع الحق وتمارس دورها الصحيح في التأثير على الرأي العام وتُعلن للملأ بأن فلسطين تنزف ليس ضعفا ولكن قوتا وكرامة كشجرة الزيتون شامخة وحان وقت إعانتها والوقوف معها ليس من أجلهم ولكن من أجلنا، ففلسطين قضية تختبر عقيدتنا وتختبر إنسانيتنا فمن تحركت مشاعره تجاهها فما زالت بداخله بذرة الصلاح ومن لم يتحرك ساكنا أمام فضائح الصهاينة وانتهاكاتهم، وأمام ضحايا القصف والهدم وأمام الرُضع الذين قُتلوا غدرًا بلا أي ذنب سوى أنهم فلسطينيون ولدوا وذنبهم الوحيد أنهم أشرف وأطهر من في الأرض، ولدوا وبأيدهم حجارة ليناضلوا بها إلى الأبد، فمثله  كمثل الذي ينعق بما لا يسمع.

وحينما نتحدث عن الاحتلال الغاصب والكيان الصهيوني تصبح المنطقية ضربا من ضروب العبثية، لأن الاعمى يدرك ويرى حجم وحشيتهم ولا إنسانيتهم، من يرى غير ذلك فهو مريض ومُصاب بضميره وقلبه وبصيرته ولا شك في ذلك.

وحتى مع تدمير برج الجلاء وتدمير جميع المكاتب الإعلامية فيها ومن ضمنها مكتب شبكة الجزيرة للتعتيم عن حقيقة ما يجري من إرهاب، لن يُعيقنا شيء أمام نشر ما يواجهه الفلسطيني كل يوم من انتهاكات وتعنيف وإقصاء وعنصرية، سنستمر بالوقوف بجانب أشقائنا الفلسطينيون ونشر جزء مما يتعرضون له وذلك أضعف الإيمان.

ما يحدث في فلسطين من همجية وسفك للدماء يدعونا للخجل والغضب بسبب عجزنا على رغم من أن تضامننا واتحادنا قادر على مسح الكيان الصهيوني ولكن السلطة والسياسات الاستبدادية تقف حائلا دون تحرير فلسطين.

لم يعد الدعاء كافيا ليعيش الفلسطينيون كما يجب، لابد من التحرك لتحريرهم من قبضة الارهاب وإعادة أرض منهوبة واسترداد أحلام مسروقة. لابد أن تتضامن شعوبنا العربية والعالم أجمع لوقف انتهاكات المغتصبين. لابد من ضربهم اقتصاديا والبدء بمقاطعة كل من يدعمهم تجاريا، لابد من ضربهم دوليا عبر نشر مجازرهم وإرهابهم، لابد من ضربهم بكل الاتجاهات والأصعدة. الكيان الصهيوني ضعيف كالشيطان لا يقويه إلا خرس الدول عنه. ولذلك صلواتنا لم تعد تجدي نفعا إذا لم نقف وقفة جدية لوقف مهزلة التاريخ التي لا تفتأ تتكرر كل عام بل كل ثانية ماداموا فيها يعيثون فيها الفساد.