ذكرياتي مع تدمير الأبراج في غزة!

قصف الأبراج في غزة

“ما كذب الفؤاد ما رأى” شارع المدارس في منطقة “عسقولة” في حي الزيتون إبان انتفاضة الحجارة، ينتقلُ إلى شارع الوحدة وسط مدينة غزة خلال القرن الحادي والعشرين!

دمارٌ مهول،  يجعلُ عين الرائي لا تُصدق ما ترى، القلبُ هو من يروي المشهد لا العين فقط، تُقطعُ أواصر الطرق المؤدية إلى مجمع الشفاء الطبي، أكبر مشافي القطاع المحاصر، في مشهدٍ يُعيدُ إلى الأذهان “انتفاضة الحجارة الأولى”، فإن كان الاحتلال الإسرائيلي عاجزاً عن إعادة احتلاله لغزة أو اجتياحه إياها بريًا، فقد تكفلتْ طائراته الحربية بتدمير البنية التحتية وعرقلة وصول سيارات الإسعاف إلى المشافي، بل وعرقلة حركة نقل طلبة العلم إلى جامعاتهم، عبر استهداف أكثر شوارع غزة حيويةً وشعبيةً وإقبالاً لدى الطلبة الفلسطينيين وعموم سكان القطاع المحاصر والمنكوب في عصب اقتصاده منذ نحو أربعة عشر عامًا أو ما يزيد!

أحداث الفوضى كانت بين الطلبة لاسيما أبناء حركتي حماس وفتح أمام مفرق الجامعات الرئيسي في غزة، وهو ما أدى إلى تدخل قوى الأمن الفلسطينية لفض النزاع والاقتتال

هوية الفلسطينيين ووحدتهم، إسلامهم وعصب اقتصادهم، تكاتفهم وتعاضدهم، إعلامهم وأعلامهم، أرباب أسرهم وأطفالهم، عباقرهم ومواهبهم، أقلامهم وأقدامهم، قرآنهم وعقد قرانهم، أزواجهم وزوجاتهم، بيوتهم ومراكز إيوائهم،  وكل من بوسعه أن يُقاوم ويتحدى ولو بأضعف الإيمان “بمنشورٍ أو كلمة” حربٌ عسكرية حربية شرسة تتزامنُ مع التضييق الشرس على المحتوى الفلسطيني في كل مواقع التواصل الاجتماعي، عشرات بل آلاف الحسابات قُيدتْ أو مُسحت، خُطةٌ تأتي ضمن محاولات الاحتلال الإسرائيلي بإبعاد غزة وأهلها عن التشبثِ بحق النصرةِ لأولى القبلتين، لاسيما في ظل هدم منازل المقدسيين، وتهديد أهالي حي الشيخ جراح بهدم منازلهم، وحرمان آلاف الفلسطينيين من حقهم في الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، في عدوانٍ أعاد إلى الأذهان اقتحام المجرم “أريئيل شارون” رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك للمسجد الأقصى المبارك وتدنيسه وهو ما أشعل “انتفاضة الأقصى”،  أو ما تُعرف “بالانتفاضة الثانية” انتفاضة حاول الاحتلال الإسرائيلي الالتفاف عليها عبر سعيه لضرب الوحدة الفلسطينية؛ فكانت أحداث الانقسام بين طلبة الجامعات لاسيما الجامعة الإسلامية عام ألفين وواحد، وهو العام الذي التحقتُ فيه لدراسة الصحافة والإعلام أحداث الفوضى كانت بين الطلبة لاسيما أبناء حركتي حماس وفتح أمام مفرق الجامعات الرئيسي في غزة، وهو ما أدى إلى تدخل قوى الأمن الفلسطينية لفض النزاع والاقتتال وإعادة اللحمة بين الطلبة، اللحمة هي التي سعى إليها الفلسطينيون منذ أن دعو إلى انتخاباتٍ تشريعيةٍ ورئاسية هذا العام، رفض الاحتلال الإسرائيلي مشاركة أهل القدس فيها، القدس الحاضرة رغم محاولات تغييبها من كل معادلات الصراع في المنطقة بل في العالم بأسره، يأتي ذلك في ظل هدم وتدمير كل صوتٍ إعلاميٍ يُنادي بتحريرها بدءً بقناة القدس التي أُغلقت نتيجة الأزمات المالية، وليس انتهاءً بتدمير مقر قناة الجزيرة التي اشتُهرت بنصرة الفلسطينيين أينما وُجدوا والمقدسيين بشكلٍ خاص…

على طريق أن نصلي جميعًا في المسجد الأقصى المبارك فاتحين منصورين محررين غير خزايا ولا محرومين بإذن الله

يحضرني في هذا الجانب التركيز على تدمير الأبراج بما تحمله من ذكريات يتعمد الاحتلال الإسرائيلي تدميرها، كاغتيال ذكرياتي في إذاعة الحرية أول إذاعة محلية وطنية أُنشأت في غزة وكان مقرها برج الشروق الذي دُمر بالكامل، بالإضافة إلى ذكريات عشرات بل مئات الصحفيين الذين عملوا في الأبراج التي استُهدفت كبرج الشروق والجوهرة والجلاء.

حربٌ عنوانها الطفولة الفلسطينية التي ترنو عيونها نحو تحرير المسجد الأقصى المبارك، فكان استهدافها في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وفي كل مكان، في عيدٍ يُقرُ أطفال غزة وعموم فلسطين بأنه لم يحمل إلا اسمه، فالعيد الحقيقي هو عيد عودتهم، وتحرير أسراهم ومسراهم، وتخليص فلسطين المغتصبة من رأس الناقورة حتى رفح من كل ظلمٍ واحتلال وعبودية..

على طريق أن نصلي جميعًا في المسجد الأقصى المبارك فاتحين منصورين محررين غير خزايا ولا محرومين بإذن الله..

وأخيرا فإنني أطالب كل فلسطيني بأن يُوثق كل انطباعٍ رسخ في ذهنه عن العدوان، وكيف يرى الحرب الإسرائيلية الرابعة على غزة من منظور قلبه وشعوره وتجربته مع الجرح والوجع ومقارنتها بالحروب السابقة، ففي ذلك يجب آلا يستهين أحد.