الحنين للعيد!

صلاة العيد

“الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله الا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد”.

تكبيرات متداخلة، أصوات الصغار صاخبة متحمسة، وصوت شيخ كبير يتعالى من وراء تلك الأفواج الصغيرة، ومن ظلام الفجر أفواج المصلين تنتشر بالأزقة والشوارع، بالبياض والسواد ملتحفين وبالدشاديش الصغيرة والفساتين المزركشة تتزين الحارة بفواج المُكبرين المُصلين.

التهاني تُسمع من كل حدب وصوب، من الجار والقريب والغريب كلها فرّحة بتمام شهر رمضان الفضيل ومستعدة لتُكمل ما بدأته في الأخير.

أتذكر كل عام وأنا أحتال على النوم كيلا يُجافيني وأواصل الليل مع النهار لكيلا تفوتني صلاة العيد، لأنه كما يقول والدي -رحمه الله- لا عيد إذا لم نصلها، كنت متشبثة بهذا القانون الذي يُقدس صلاة العيد في المنزل حتى أخر رمق وإذا صدف وغطيتُ بالنوم عنها يعتصر قلبي حزنا على ضياعها وفواتها.

أما رائحة الكعك -المعمول- الذي تفوح رائحته بالمنزل تطغى على جميع حواسنا فوالدتي حفظها الله ورعاها تبدأ ببسه -بعجنه وفركه- كما تقول قبل العيد بعشرة أيام حتى يصبح بلذاذته المعتادة رغم انها تُغيّر الوصفة كل عام وتُشاهد وصفات مختلفة قبل أن تبدأ بتجهيزه أخيرًا.

لا أنسى أغاني العيد القريبة إلى قلوبنا جميعا التي ما نفتأ نسمعها ونكررها كل عام عشرات المرات

بالنسبة لي لم تعد تُغريني الملابس الجديدة فأي هندام أرتديه يصبح كافيًا، لعلها من علامات النضوج أو الزهد ولكن وعلى ما يبدو فإن العيد قد بدأ بتشكيل مفاهيمه الخاصة لديّ بشكل مغاير. مع ذلك فإن “العيديات” لا تدخل ضمن علامات النضوج أو البلوغ خاصة تلك التي تكون من يدي والدتي التي تدسها لي ولأخوتي بعدما نقف طابورًا أمامها كالطابور الصباحي نُسلم فنستلم تلك هي القاعدة، وأهم من ذلك إذا ما انضم فرد جديد بالعائلة إلى فئة الموظفين فتلك إذا إضافة جيدة تشي بزيادة العيديات.

وبالطبع لا أنسى أغاني العيد القريبة إلى قلوبنا جميعا التي ما نفتأ نسمعها ونكررها كل عام عشرات المرات حتى ندخل أجواء العيد ونندمج ببهاء قدومه، خاصة تلك الأغاني القديمة التي تحمل عبق الماضي وأصالته تلك التي تحمل معها سلسلة من الذكريات الجميلة التي تبعث فينا مشاعر الشوق إلى زمن غابر، الحنين الذي يُربت على أكتاف الزمن ويمسح الغبار عن صور قديمة سبق وعشناها.

من تلك الأغاني المشبعة بالحنين أغنية “العيد هل هلاله” لمحمود الكويتي الذي يطربنا بعزفه وصوته الشجي، الصوت الذي يعيدنا الى زمن جميل: “زمن الطيبين”، بالإضافة إلى رائعة أم كلثوم “يا ليلة العيد” التي تبُثُ فينا مشاعر الأمل والتفاؤل والسعادة.

كل هذه الذكريات تلوح لي قُبيل قدوم العيد، كل هذا الحنين ينتعش وينبض بالحياة، بالذكريات لتعود لتصحبني بنزهة إلى الماضي، ولكن الحاضر هو ما يهم الآن أن نستحضر روح الفرح، تلك الروح الفتية ذات الضفائر المرحة والرائحة العطرة، تلك التي كنّا منذ زمن بعيد، مهما كبُرنا ترجع شابة فتاة قُبيل العيد.

أما في كورونا فالعيد مختلف بجماله وبهائه يظل ناقصًا -إما من عزيز أو مسافر أو حبيب أو جميعهم- حتى نرضى ونقنع ونؤمن بأن لا كمال إلا لله وحده ولن نسعد إلا إذا رضينا بما لدينا بنقائصه وشوائبه.

ومن فوق تلة ذكرياتي، كل عام وأنتم بخير.