توق رمضاني

أجواء رمضانية

امتلأت الأسواق بالزينة البرّاقة؛ فوانيس وأهلّة، ديكورات بطابع إسلامي، أضواء بأشكال جذابة وبطانيات بتطريزات رمضانية تحتفي بشهر الرحمة والإيمان، شهر رمضان المُبارك.

وبعيدًا عن الاستغلال التجاري لشهر رمضان للتكسّب ولكن هذا العام يختلف عن الأعوام السابقة، شيئًا ما يجعله مختلفًا حيث أغلبنا يغالبه الشوق لفكرة اقتناء تلك البضائع المتسقة مع حلول شهر الخيرات والاندماج بطقوسه المعتادة.

ولذلك امتلأت الأسواق برواد عطشى للعيش بأجواء جديدة وسط زخم الأخبار التعيسة التي يعيشها العالم، ورغم أنف كورونا الذي أصبح واحدًا منّا تأقلمنا على ذكره ووجوده بيننا ورضخنا للأمر الواقع وتعايشنا معه مُرغمين. اليوم نحن عطشى لري أرواحنا بذكر الله واللجوء إليه فهو الملجأ وإليه ندعو ونتوب.

نحن بأمس الحاجة الى رمضان ليس لأننا مداومون على الأذكار والصلاة والصوم بل لأننا بعيدون كل البعد عن الله. وبحاجة إلى أن نرجع إليه لكي تتجدد أرواحنا ويتجدد إيماننا. رمضان ليس شهرًا والسلام ولكنه ورشة تدريبية تختبر صبرنا وانضباطنا وتقوّمنا لنصير أقوى من الداخل. فهو يعلمنا أن الحياة ليس غرضها الوحيد هو الطعام والشراب وإنما الى أغراض أهم وأبقى وهي أن نبدأ بالتفكير بالآخرين. أن نعيش معاناة الفقير ونذوق حر البسطاء العاملين تحت الشمس الحارقة، أن نستشعر بمعنى العائلة وأن ندرك بأن الحياة لا تكتمل إلا برفقتهم وعطفهم.

رمضان جاء لينقذنا من أنفسنا بعدما كدنا أن نضيع في زخم الحياة وقسوتها.

رمضان جاء ليذكرنا بأنه مهما طال التعب والألم لابد وأن تغرب الشمس وتأفل، وينبثق القمر وترتوي الروح.

اليوم نتوق لقدوم رمضان لأننا نعيش زمهريرًا لن يدفئنا فيه إلا حلوله مع ذكرياته والحنين الذي يحمله بقلب كل فرد منا، زينته ليست أضواء خنفشارية بل هي أضواء الطفولة والسلام وتلك الأيام الماضية التي احتضنتنا بلا سابق سؤال، قبل كورونا وما صحبته من ضحايا وخذلان.

رمضان جاء لينقذنا من أنفسنا بعدما كدنا أن نضيع في زخم الحياة وقسوتها.
رمضان ليس شهرا بل هو فرصة لنراجع أنفسنا، لنتغير، ولنعيد ترتيب أولوياتنا. هو فرصة لنتقرب من أنفسنا وعائلاتنا القريبون البعيدون منّا. رمضان فرصة لنستعيد صلاتنا الاجتماعية، لنطبق أخلاقيات الإسلام التي لا يكتمل صيامنا إلا بها. أن نصوم عن كل ما يُفسد أخلاقنا ومبادئنا.

رمضان ليس صوما عن الطعام والشراب فحسب، بل هو أسمى من ذلك بكثير، هو الصوم عن الحسد والحقد وإيذاء الآخرين، هو أن تصوم أبصارنا عن المنكرات وأن تصوم أسماعنا عن النميمة والفواحش، هو أن تصوم أيدينا عن التحريض والتشويه، هو أن تصوم ألسنتنا عن الكذب والقذف والشتم. هو أن تصوم أنفسنا عن اتباع الهوى، هو أن يصوم كل جزء من أجزاء النفس البشرية عن المعصية.

لا تصم عن الطعام والشراب إذا لم تصم عن كل ما يُؤذي الآخرين ويضرهم. يقول خاتم النبيين محمد صل الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يضع طعامه و شرابه.”