الطماطم وصناعة التأثير…!!

للوهلة الأولى وقعتُ في فخ جولدا مائير “الكبار يموتون والصغار ينسون” فقد فتر تعاطفي مع قضية اللجوء، وخمدت نار الحنين لمسقط رأس جدي في قرية الجيّة المحتلة عام ثمانية وأربعين، وبَرُدَ صوتي وأنا أتحدث عن حق العودة، لأن جدتي “أم مهدي ” التي طالما جلستُ وإياها على عتبةِ منزلنا في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة قد تُوفيتْ دون أن تُحققَ حلمها في العودة…!

بل وتُوفيتْ أمي – رحمها الله – التي طالما جعلتْ أبي يلتقطُ لي ولأخوتي الصور التذكارية خلف قبة الصخرة المشرفة وباحات المسجد الأقصى المبارك، تيمنًا بأن نصلي في يومٍ قريب في المسجد الأقصى المبارك..!

لكن الذي يُحفزني على الانطلاق من جديد هاتفي المحمول، إصابتي برصاص القناص الإسرائيلي، تناولي لحبات الطماطم، بينما أمارس هواية المشي في بيتي أو في الشارع، إذ تُعطيني هالةً من العناد والقوة، وتزيدُ تمسكي بأن أجوبَ يومًا بإصراري باحات المسجد الأقصى المبارك فاتحة ً منصورةً محررة، فالطماطم تحكي حكاية عشقي لوطنٍ سليب، لذكرى في داخلي مدفونة، لكنها تطفو على السطح عند كل مرةٍ يقتلُ فيها المحتل الإسرائيلي أيًا من أبناء شعبي، الطماطم هي دفء الثورة، هي المشاعر التي تُحكى والتي لا تُحكى،  هي الجرح الصامت، هي الإلهام الذي يزيدني صمتًا، أو يُعطيني ضجةً، فأكتب أو أردد الأشعار، الطماطم هي الطلقة هي الكلمة، هي الرصاصة التي تجوبُ في أعماقي، فتزيدني حراكًا وثورية، وتطالبني بألا أنام، وبأن أمشي على جرحي وأقاوم وأقاوم!!

ما أجمل الطماطم حين أعود إليها بعد غياب؛ لتذكرني بحكاية الثأر التي لن تنتهي مع القناص الإسرائيلي الذي قتلَ طفولتي

الطماطم هي لون الحرية الحمراء، هي لون الدماء التواقة للحياة، نبذلها رخيصةً في سبيل الله؛ فتُقوينا لنواصل الدرب بقوة الرحمن، وقوة إرادتنا، فالله بقوته معنا!!

ما أجمل الطماطم حين أعود إليها بعد غياب؛ لتذكرني بحكاية الثأر التي لن تنتهي مع القناص الإسرائيلي الذي قتلَ طفولتي؛ إلا بتحرير فلسطين التاريخية من رأس الناقورة حتى رفح..

الطماطم هي شراب المجروحين والجرحى، الذي يُقوي عظامهم، ويساعد في تضميد جروحهم، هي أشبه بصديقٍ لهم، إن أحبوا تناولها بصدقٍ، يُعطي قضيتهم المزيد من المصداقية..

الطماطم هي المشاعر الجياشة التي لا غنى عنها في الدعايات الانتخابية، هي الموسيقى هي اللحن هي الأغنية هي القصيدة هي البارود هي القوة هي الدماء هي الحرية، لمن يُحسن استثمارها وتناولها، هي التأثر الايجابي والتأثير الحقيقي، هي تخاطب الجروح، وتضمدها، هي غذاء الجسد والروح، تحمي صاحبها من كل شيء..

وإن قالوا غذاؤكم دواؤكم، كان حري على كل إنسان ملهم أن يعتني بغذائه؛ لأنه لا يبني به ذاته فقط؛ بل يبني أيضًا نفوس متابعيه ومن يسيرون في سربه ويُغردون في فلكه، بل ويستقطب وجوهًا جديدةً ويضمها إلى رؤيته وفلسفته، فإن أحسن تناول غذاءه، تمكنّ ونجح في استثارة عواطف جماهيره؛ وتميزّ في استنهاض مشاعرهم للوصول إلى الهدف الذي يريده، فلنعطي الأهمية والأولوية لمن تناول حبات الطماطم ودورها في صناعة الجماهير وقيادة التأثير ومخاطبة العقول، أجل مخاطبة العقول بشيء ٍ من العاطفة والعقل معًا…!

ولن أنسى في هذا المقام أن أشكر جدتي أم مهدي رحمها الله وأن أرسل التحية لروحها الطاهرة لحرصها على أن أشرب عصير الطماطم الطبيعي في كل مرةٍ يُداهم فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي لبيتِ جدي في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين حيث ألفتُ السكن والمبيت فيه، فهي كانت من حيث لا أحتسب تُغذي بداخلي روح الوطنية والانتماء وتَعِدَنِي ليومٍ أكون فيه صانعة المستقبل والتغيير الحقيقي على طريق أن نصلي في المسجد الأقصى المبارك فاتحين منصورين محررين غير خزايا ولا محرومين بإذن الله وتبقى القدس موعدنا، فلنلتهم الطماطم بحباتها الغنية بالمعادن والمشاعر، ولنشربها عصيرًا، لنحبها إن أردنا الحرية والتأثير الحقيقي!