“كانوا يضربوني”

منصور الشحاتيت

“السجن للرجال” ومنصور الشحاتيت رجلٌ وإن بكى، بكاؤه قوة، واعترافه بقوله “كانوا يضربونني” يُدين السجان الإسرائيلي ويُجرمه في المحافل الدولية، ويُعيد الأنظارَ من جديد لأعدل قضايا الفلسطينيين الإنسانية: “قضية الأسرى في زنازين الاحتلال الإسرائيلي”..

ابكِ أيها المنصور، يا من لكَ نصيب من اسمك، ولا تكترث لكل من يُناديكَ بألا تبكِ؛ لئلا نضعف، فلم يكن البكاء في عُرف الثورة والبطولة إلا قوة، تُمزق السجان الإسرائيلي الذي يدعي زورًا الإنسانية ويُنادي بها وهو أبعد ما يكون إليها!!

ابكِ منصور، وأبكينا جميعًا؛ لعلنا نستنهضُ من سباتنا العميق، وننهض لنجدةِ من بقوا خلفكَ داخل أقبيةِ التحقيق وزنازين العزل الانفرادي، ابكِ بحق الخليل ودورا، والقدس المحتلة، وجنين ونابلس وطولكرم، بل بحق طبريا وحيفا ويافا، ابكِ بحقِ كل من تعذّبَ لفتور التعاطف والتضامن مع قضيتكم العادلة، بحقِ من تأَمّل أن نُحررّه قبل أن تنتهي مدة محكوميته، ابكِ بحق أمكِ التي لم تعرفها، ابكِ بحق ذاكرتكَ التي ستعودُ أفضل مما كانت، لا لشيء إلا لأنكَ مخلص وشهم، وابن قضية ٍلا تعرف التزييف ولا التنكر ولا المساومة!

ابكِ على رجولتنا التي وهنت، على حقوقنا التي غيبتها زنازين السجن المعتمة والقاتلة، ابكِ على أجسادٍ ضعفت، على أرواحٍ تحنُ للنصرةِ الحقيقية، ولا عليك بكل من لم يُقدسوا إنسانيتهم، ومن لا يتطلعوا إلى الإنسانية الحقيقية، الإنسانية غير المتجزأة أو المنتقاة!!

ابكِ؛ فبكاؤكَ يؤسسُ لجيلٍ جديدٍ من الاستشهاديين الذين سيحملونَ أرواحهم؛ ويُلقوا بها في مهاوي السجون الإسرائيلية، رافضين ما يُسمى “بسلام الشجعان” واتفاق أوسلو اللعين، هذا الاتفاق الذي يلعنه بكاؤك وبكاء كل حرٍ مثلكَ، ضحى وعانى لأجل حرية وطنه السليب من رأس الناقورة حتى رفح!

ابكِ؛ فالبكاء ردة فعلٍ طبيعية، على خذلان القريب والبعيد، على تنكر الصديق؛ بكاءٌ يحسبُ له السجان المجرم ألف حساب؛ أتدري لماذا لأن وقعه على أبناء شعبكَ ليس بالهين، بل حفزهم ليمقتوا التطبيع وكل حلٍ لا يضمنُ الإفراج السريع عن زملائكَ في أقبية التحقيق، لاسيما المعروفة بالزنازين الانفرادية.

واثقة أن الاحتلال الإسرائيلي بعد حادثة إفراجه عن الأسير المحرر منصور الشحاتيت؛ سيُعيد حساباته

وإن كان هناك من يقول بأن بكاءكَ يُفرحُ السجان الإسرائيلي؛ فإنني أجزم أنه يُربكه لأنه أكسبكَ وأكسبَ زملاءك في السجون لاسيما المعزولين انفراديًا حالة ًمن التعاطف غير المسبوق، بكاؤكَ منصور قوة لمن يُوظفه لتحقيق الانتصار لكَ ولكل قضية الأسرى؛ إذ سيعمل المحتل الإسرائيلي بعد ذلك على آلا يُفرجَ عن أي أسيرٍ إلا حينما يتأكد أنه لن يبكي؛ لئلا يحقق لشعبه وقضيته أي مكاسب في المحافل الدولية، تُعري وجه الكيان الإسرائيلي وتُقدم قادته إلى محكمة الجنايات الدولية، بل لكي لا يُجيش عاطفة المقاومين والمتعطشين للتضحية ليُضحوا بأنفسهم وليبذلوا الغالي والنفيس ليُخلصوا زملاءك من قيود السجن وأغلاله!!

واثقة أن الاحتلال الإسرائيلي بعد حادثة إفراجه عن الأسير المحرر منصور الشحاتيت؛ سيُعيد حساباته فيما يخص التعامل مع المشاعر الإنسانية؛ وسيعمل على خروج الأسرى بقالبٍ جامد؛ لا يتيح لهم الفرصة من خلاله عن التعبير عن مشاعرهم؛ تجنبًا لرادات فعل شعبهم معهم، لاسيما وأنه مقبلٌ على انتخاباتٍ تشريعية، قد تُعلي أسهم المرشحين الذين يتبنون خيار المقاومة لكنس الاحتلال الإسرائيلي وتدمير السجون الإسرائيلية…

وأختم بالقول إنها المشاعر يا سادة؛ قد تقلبُ الطاولة رأسًا على عقب، لمن ينجح في استثمارها بأسلوبٍ صحيح؛ فلنجعل من كلام الشحاتيت “كانوا يضربوني” ومن بكائه وقودًا للثأر له ولأقرانه في السجون الإسرائيلية…

فليعلنها الفلسطينيون بأن دموع البطل منصور هي جهنم الحمراء التي سيكتوي بها السجان الإسرائيلي وكل من يرتضي الذل والهوان للأسرى والمسرى؛ لتبقى القدس على الدوام موعد كل الأحرار أينما كانوا.