كورونا … “لحظة قبل الوصمة”!

عام وأكثر مضى منذ أن بدأ هذا الفيروس الصغير الذي لا يرى بالعين المجردة، ببث أول شرارة له وذلك في مدينة ووهان الصينية؛ معلناً بذلك بداية ما يعرف اليوم بـ (جائحة كورونا)؛ التي ما لبثت أن انتشرت في العالم أجمع؛ كانتشار النار في الهشيم! دول برمتها كانت بالأمس القريب تتباهى بما قد وصلت إليه من أحدث وأرقى التقنيات الطبية والتكنولوجية؛ بتنا نراها اليوم بالكاد تستطيع لملمة جراحها وإخفاء مأساتها وذلك على مرأى ومسمع من العالم بأسره.

وفجأة بدأت أسمع صوتاً قادماً من بعيد وكأن صداه ما زال يرن في أذني حتى الأن! 《أخذوه أخذوه》أو《حملوه حملوه》

نعم عام برمته قد مضى وارتحل؛ وما زال وقع تلك الكلمات عالقاً في ذاكرتي وكأني للتو أسمعها وأنا أكتب عباراتي هذه! كنت حينها بصدد إجراء زيارة خاصة؛ وذلك في أحد الأحياء القريبة من مدينة صيدا اللبنانية حيث أعيش؛ كانت الساعة قرابة التاسعة ليلاً؛ أذكر في تلك الليلة وعندما صرت  على مقربة من ذلك المكان الذي كنت أرنوإليه، إذا بي أشاهد سيارةً للإسعاف وربما كانت أخرى للشرطة؛ وفجأة بدأت أسمع صوتاً قادماً من بعيد وكأن صداه ما زال يرن في أذني حتى الأن! 《أخذوه أخذوه》أو《حملوه حملوه》؛ وكأن الكلام يدور حول مجرم من المجرمين أو لربما لص من اللصوص! يلا العجب! إلى أي مستوى من اللاأخلاقية وصلنا؟! وكما يقال بأن شر البلية ما يُضحِك!

أما آن لأصحاب تلك الأحلام القاصرة أن تعي بأن الكورونا كغيره من الأمراض من شأنه أن يصاب به أي إنسان كائنا من كان؟ هل ظن أولئك أن بإمكان هذا المرض أو ذاك أن يقوم بالتمييز بينهم وبين غيرهم؟!  أم أنهم ظنوا أن تلك الأمراض من شأنها أن تُفرق بين الأبيض والأسود؛ وبين الغني والفقير!  متى سيعي هؤلاء وأمثالهم بأن الأمر كله لله وتحت تصرفه ومشيئته؛ وأن ما شاءه الله كان وما لم يشاء لن يكن؟

لماذا يتم توجيه اللوم إلى أشخاص على شيءٍ ليس لهم فيه وكما يقال لا ناقةً ولا جمل؟ إلى متى سيتظاهر هؤلاء المرضى بالبراءة من هذا المرض أو ذاك! خوفاً من هذه الانتهاكات أو تلك الوصمات اللاإنسانية واللاأخلاقية. لكن وعلى ما يبدو أننا وللأسف أصبحنا نعيش في زمنٍ باتت فيه الأخلاق مثلها مثل السراب الذي هو بقيعةٍ يحسبهُ الظمآنُ ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا!

ولعل من أبرز هذه التأثيرات السلبية ما تمت الإشارة إليه آنفاً، وهو قيام بعض المرضى بمحاولة التستر

مما لا شك فيه أن لهذه الوصمات الاجتماعية أبعاداً وتأثيراتٍ سلبية على المدى القريب والبعيد على حد سواء؛ ولعل من أبرز هذه التأثيرات السلبية ما تمت الإشارة إليه آنفاً وهو قيام بعض المرضى بمحاولة التستر، وذلك خوفاً منهم من أن يتم وصمهم بالعار وبالأسف! والذي بدوره سيكون له تبعاته السلبية؛ وخاصةً من الناحية العلاجية؛ حيث إنه سيؤثر على مدى إمكانية تلقي العلاج المناسب في الوقت المناسب؛ وبعبارة أخرى يمكن القول إن لهذه الوصمات أثرها على زيادة معدل الحالات المرضية دراماتيكياً بشكل أو بآخر؛ وذلك بغض النظر عن الإجراءات الوقائية المتبعة للحيلولة دون انتشار هذا الوباء، علاوةً على التأثيرات النفسية الأخرى.

ربما كان للمجهول دور كبير في تفشي مثل هكذا أنواع من الوصمات الاجتماعية؛ ولا سيما أننا نتكلم عن فيروسٍ جديد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؛ وأن الدراسات والأبحاث عن هذا الفيروس وعن التداعيات التي قد يتسبب بها ما زالت جارية حتى اليوم؛ ومما يزيد الطين بلة دون أدنى شكٍ يُذكر هو أننا أصبحنا نعيش في عصر التواصل الاجتماعي أو ما يدعى بعصر الشائعات! أو عصر ال《الدعاية!》 ولا أدري إن صح التعبير؛ سمه ما شئت … وأياً كانت هذه المسميات فإنه يجب على أي قارئ أن يختار ماذا يقرأ ومن أين سوف يقرأ؟ قبل أن يقرأ؛ وذلك من خلال المصادر والمواقع الصحيحة والموثوقة.

خلاصة القول من يدري لعل الصمت خير من كلام ربما لا تحمد عقباه! لذلك فإن التأني في اختيار الكلمة بات أكثر إلحاحاً اليوم من أي وقت مضى؛ خصوصاً في ظل هذه الأزمة المريرة التي يعيشها العالم بأسره الآن؛ ولنعلم جميعاً بأن المرض لم يكن في يومٍ ما عيباً ولا عاراً على أحد البتة؛ وأن الله تعالى لم يُقدر هذه الأمراض لتكون مسرحاً للتستر وإخفاءً للحقائق؛ ولا مكاناً للشماتة أو المعايرة؛ فإذا كان غيرك اليوم فربما أنت غدا.