عبد العظيم المطعني.. الأستاذ الذي وظف البلاغة لخدمة الفكر الإسلامي

د. عبد العظيم المطعني

 

نحب كتابة مدوّنة تحية واجبة، في الذكرى التسعين لمولد أحد أعلام الثقافة الإسلامية والدعوة الدينية المخلصة، هو العلّامة الجليل الدكتور عبد العظيم المطعني (1931 ــ 2008).

كان هذا العالم الفاضل صديقًا كريمًا، أتيح لنا العملُ معًا في موسوعة أعلام الفكر الإسلامي، وموسوعة المفاهيم الإسلامية، ولجنة الموسوعات في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، فكان نموذجًا للخلق النبيل، والعلم الغزير، والهدوء المنتِج، والمرجعية الصادقة، وكان يعرف الحق من الباطل، وينحاز إلى الحق بوضوح، كما كان يأنف من المجاملات التي كان الزمن يفرضها على العلماء في زمن الرياء. كان الدكتور المطعني متواضعًا عن ثقة، وحكيمًا عن تجربة، وفاضلًا عن تعفف، وكان مُحبًّا على بصيرة. ومن طرائف سلوكه -عليه رحمة الله- أنه كان إذا أراد توجيه النقد إلى مَن يستأهلون ما هو أكثر من النقد، رَمَز إليهم بأنهم أصدقاء، فكأنه كان يتخفف بهذا من مشاعر الازدراء التي يستحقونها منه.

 

ولد الدكتور المطعني (اسمه بالكامل عبد العظيم بن إبراهيم بن محمد المطعني) في قرية المنصورية التابعة لمركز كوم أمبو بمحافظة أسوان، والتحق بالمدرسة التي أنشئت في قريته فقضى فيها سنتين، ثم تقدّم للالتحاق بمعهد القاهرة الابتدائي عام 1951، ولم يُوفّق لدخول المعهد في ذلك العام فدخله في العام التالي، ثم التحق بمعهد القاهرة الثانوي، وكان في كل عام ينجح بتفوّق ملحوظ، كما كان ينمّي معرفته وثقافته واتصالاته.

النضج العلمي للأذكياء

كانت حياته مع تحصيل العلم والتدرّج في مراحل التعليم ملحمة حياة وكفاح، انتصر فيها بإرادة قوية وحب جارف للعلم، إذ إنه بدأ دراسته متأخرًا، ومع هذا فقد رُزِق النضج العلمي الذي يُرزَق به الأذكياء ممّن يتأخرون في بدء دراستهم بسبب ظروف الحياة المادية لا العقلية، ومن الطريف أنه تخرّج في كلية اللغة العربية عام 1966 وهو في سن الخامسة والثلاثين، وأن الدفعات المناظرة في كلية دار العلوم ضمت عددًا من الأعلام النوابغ الذين كان لهم وجود أدبي وفلسفي ملموس في كليات دار العلوم والآداب والتربية، من قبيل الدكاترة عبد الحميد مدكور وأحمد درويش وحامد طاهر ومحمد حماسة عبد اللطيف و… لكن وجود أستاذ البلاغة الأزهري الدكتور عبد العظيم المطعني في الحياة العامة كان لا يقل عن وجودهم ولا عن حضورهم، بل ربما فاقهم في كثير من التجليات، وكان السبب في هذا ما رُزِق به من نضج وإرادة.

رسالتا الماجستير والدكتوراه

حصل الدكتور عبد العظيم المطعني على درجة الماجستير بتقدير امتياز، برسالة عن “سحر البيان في مجازات القرآن”، وعلى درجة الدكتوراه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، برسالة عن “خصائص التعبير في القرآن الكريم وسماته البلاغية”.

في السلك الجامعي

في عام 1974 عُيّن مدرسًا في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وفي عام 1981 حصل على درجة أستاذ مساعد، وفي عام 1981 حصل د. عبد العظيم المطعني على درجة الأستاذية في البلاغة والنقد.

نشاطه متعدد الوجوه

مارس الدكتور المطعني الحياة السياسية الدعوية بنجاح باهر وهدوء، فقدّم دفاعاتٍ عن الثقافة العربية الأصيلة، من خلال كتاباته المتنوعة في صحف مصرية وعربية عديدة، منها: (الأهرام) و(المساء) و(النور) و(الدعوة) و(آفاق عربية) و(اللواء الإسلامي) و(عقيدتي). وكان -كعادة أسلافه الأزهريين القدامى- ناجحًا في ستة مجالات.

  • الخطابة وأحاديث المجتمع والإذاعة والتلفزيون
  •  اللقاءات العلمية والمؤتمرات
  • الفتاوى
  • التدريس الجامعي والإشراف العلمي ومناقشة الرسائل والكتابة الموسوعية
  • الكتابة الصحفية
  • التأليف الأكاديمي المتخصص في البلاغة
  • المشرف على سلسلة “لا بد من دين الله لدنيا الناس”

وهي سلسلة من الكتيبات أصدرتها دار نشر إسلامية، وشارك فيها الدكتور المطعني بكثير من الإعداد.

الرد على شبهات المستشرقين

عُنِي الدكتور المطعني بصفة خاصة بالرد على افتراءات المستشرقين في ما يتعلّق بالقرآن الكريم، وقد نجح في هذه الردود العلمية المنطقية نجاحًا شهد له به الجميع.

وفاته

تُوفي -يرحمه الله- في 29 يوليو 2008، وشُيّعت الجنازة من مسجد النور في العباسية بمحافظة القاهرة.