الفلافل على خط المواجهة!!

الفلافل

جميلٌ أنتَ يا فلافل، تحلُ ضيفًا عزيزًا على موائد الفلسطينيين إذ لا يمرُ يوم عند أغلبهم إلا وتعانق إحساس التذوق الرهيب لديهم صباحًا أو مساء بل إن هناك عائلات تحبُ أن تزيّن موائدها في الصباح والمساء أي في وجبتي الإفطار والعشاء، ولا مانع يا “فلافل” أن تكون وجبة غداء مُعتبرة للسواد الأعظم من الموظفين الذين تمتد أعمالهم ووظائفهم إلى ما بعد الرابعة عصرًا!!

كم أنتَ “لذيذ” أيها الفلافل، تُعبر عن ثقافة شعب، هوية عصر بل كل العصور، عنوان المرحلة بل كل المراحل، عنوان الطفولة الفلسطينية، فما ألذّك حين يشتريكَ الطلبة “ساندوتشًا” في “كانتينات”مدارسهم…!!

لسانُ حالهم يقول لكلِ من خذلّهم في وطنيتهم وأبجدياتِ صمودهم لا “ساندوتش” يعلو على “سندوتش الفلافل”!!

فلا فرق في البطولةِ بين “مسجى أرضاً” ومكبل من قدميه بحذائه الأسود في سلاسل الحديد وبين طفلة تقف على مقربةٍ منه؛ تتنفسُ من مشهدِ كبريائه أكسجين التحدي والصمود بينما تنزف، في مشهدٍ يُجسد قوله جل في علاه “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”….!

وكرهت الفلافل

مشهدٌ تعود أحداثه إلى عام ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين حين قنص القناص الإسرائيلي مع سبق الإصرار والترصد الشق الأيسر من رأسي بينما كنت عائدة من مدرسة الزيتون الابتدائية المشتركة  في الصف الأول الابتدائي في الفترة المسائية حيث كنت في عامي الخامس، فقد أدخلني والدي المدرسة مبكرًا مقارنةً بأقراني، استجابة لنصيحة معلمي في الروضة الشيخ كمال نصار الذي نصح أبي بأهمية نقلي من الروضة إلى المدرسة؛ لسرعة بديهتي ومستواي الذي وصفه بالأعلى مقارنةً بباقي أطفال الروضة، إذ قال لأبي “إن بقاءها في الروضة يؤثر على باقي الأطفال، فثقافتها عالية وكلما سألتُ شيئًا تجيبُ عليه إجابة صحيحة”..

وبالفعل سجلتُ في المدرسة اشتريتُ ساندوتش فلافل وحيد، ويوم إصابتي كانت أمي قد صنعت لي ولشقيقتي الكبرى “هديل” الفلافل ووضعته في “خبزتين” صغيرتين واحدة لي والأخرى لأختي لكن حادثة قنصي في حي الزيتون شرق مدينة غزة جعلتني أكره تناول “الفلافل” الذي كنتُ أواظب على شرائه بكل كبرياء من إحدى أشهر بقالات مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة حيث مبيتي الدائم في بيت جدي أهل أمي رحمها الله، كان “الفلافل” سيد كل عشاءٍ لنا؛ أُفضله وجدتي أم مهدي رحمها الله على كل الوجبات، لا عشاء لنا بدون الفلافل، ولا فلافل لنا بدون عشاء، ويا للذته حين كنتُ أطلب من بائعه أن يرش عليه القليل من الملح، ملح كان يُعيننا على مواصلة الحياة بنفسٍ طويل وهمةٍ عالية!!

هذا الفلافل سعى ويسعى المجرم القاتل صاحب نظرية الإنسانية المزيفة أفيخاي أدرعي على أن يُسوقه وجيشه القبيح الذي يدعي الرحمة على أنه وجبة تراثية يهودية؛ استكمالاً لنظرية المجرمة غولدا مائير التي طالما عملت على تزييف الثوب الفلسطيني المطرز، ثوبٌ ترتديه مضيفات الطيران الإسرائيلي على أنه ضمن التراث اليهودي المزعوم…!!

رمزية فلسطين

أعود إلى “الفلافل” الذي أرى فيه رمزية الثورة الفلسطينية، معركة القسطل، عبد القادر الحسيني، التغريبة الفلسطينية، الوجع والدمع، الصمود وآلة العود، الوحدة والمصالحة المجتمعية، الإخلاص في المقاومة والخلاص من الاحتلال الإسرائيلي، فلافل يرمق التبعية الإسرائيلية وإن أصبحنا رهائن لها من جديد، فإنها بلا شك تجعل عيوننا ترنو نحو أولى القبلتين، نحو لُب الصراع نحو المسجد الأقصى المبارك، هناك سنذهب، هناك سنصلي، هناك سنلتهم “ساندوتش الفلافل والكعك المقدسي والزعتر  الخليلي وسنرتشف بفخر القهوة العربية الأصيلة والنقية!!

هناك سيحلو القول لجيش الاحتلال الإسرائيلي “لن تأخذوا ما شئتم وستنصرفون” مع الاعتذار لشاعر فلسطين محمود درويش الذي قال “خذوا ما شئتم وانصرفوا” حتى ذلك الحين لنبقى أوفياء لساندوتش الفلافل للمسجى أرضًا وكل مسجى..

بل لأبقى “أنا” وفية لأمي فايزة رحمها الله التي بقيت وفية لتناول الفلافل والفول طيلة حياتها، فلا إفطار ولا عشاء لها بدونهما، أمي التي أراها بثباتها سفيرة العودة الحتمية لفلسطين التاريخية، أمي التي لم تبرح بيتنا رغم تعرضه المباشر للقصف الإسرائيلي في حرب عام ألفين وأربعة عشر هي عنوان التراث والهوية، ويكفيني فخرًا أنها رغم مرضها بقيتْ تقول “هاتولي فلافل”!!

تأتي هذه التدوينة ضمن تدوينات بيني وبين المسجى أرضًا قضية، حيث أوثق جرح المدرسة وما رسخ في ذاكرتي من انطباعات، لها أثرها ووزنها وثقلها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.