حافز الحياة: بوذا والرغبة

تماثيل مصغرة لـ "بوذا"

ما الذي يدفعنا للاستمرار بالعمل؟ لطالما سألت نفسي لماذا أكتب وفي مرات أخرى لماذا أقرأ؟ بعيدًا عن التحذلق اللغوي والتنميق الأدبي فإنني وبكل بساطة لا أعلم!

قد تكون الرغبة هي الدافع وراء ركضنا ووراء تحقيق شيء ما، أن ترغب بتحقيق النجاح أو كسب المال أو لمجرد إيجاد الاحتواء والحُب. الرغبة تحفزنا للعمل لأنها تشترط علينا أننا لو فعلنا كذا سنحصل على شيء بالمُقابل. إذن فالرغبة هي وقودنا. تشعل شرارة الإنجاز في نفوسنا وتدفعنا للاجتهاد والعمل.

ولكن للبوذية رأي مغاير: في الفلسفة البوذية الرغبة شيء شرير، يجب أن نتحرر من رغباتنا لنتمتع بأكبر قدر ممكن من السعادة مع الذات والراحة، وإذا تألمت في حياتك لأي سبب كان فباعتقادهم أن الرغبة هي السبب الرئيس لذلك. ولكي تجد الراحة ما عليك سوى أن تتجرد من الـ “أنا” وأن تزهد بأبسط متطلبات الحياة لتنعم بحياة رضيّة.

سر المعاناة

بوذا الحكيم الذي بحث وبحث عن سر المعاناة، أدرك أن الرغبة هي السر، بل هي الشر الكامن. ولذلك فقد جعل الزهد الحالة والوسيلة الفضلى التي تصل بنا إلى أعلى مراتب الراحة النفسية والسعادة لأننا بلا رغبات سنكون بلا آلام ولا متطلبات تمضغ أوقاتنا في محاولةٍ حثيثة لتلبيتها. الحقيقة أننا بالفعل سنكون مرتاحين أكثر لو لم نرغب بالمزيد من الأهداف، لأننا حينئذ سنعيش على هامش الحياة بلا دور ولا هدف.

ولكن ما هي قيمة وجودنا إذا لم نرغب بأن نصبح أفضل، إذا لم نجتهد أكثر لنصبح نسخا محسنة من ذواتنا ولكي نخدم عالمنا ومحيطنا الذي نعيش بينه. بل ما هو مقصد وجودنا إذا لم نتطلع قدما في الحياة؟!

إنني بلا شك أتفق مع أن الرغبة قد تسبب لنا الأحزان ولكن بقدر ما تؤذينا بقدر ما هي مهمة فهي وسيلتنا للتغيير. أن ترغب بشيء يعني أن تعاني لفترة من الزمن في سبيله. فمع شرورها لا نستطيع الاستغناء عنها فهي مِلحاحة تنهش بالفرد من الداخل ليتحرك إذا ما أراد بالفعل تحقيق هدفه أو أن تحرقه في سبيلها.

فهي من توقظنا كل صباح، وتجعل لاستيقاظنا هدفا وقيمة. أن تعيش بحيوية بدلا من الركود في بحيرة البؤس والاضمحلال بالكآبة. رغبة الحياة هي بحد ذاتها الأمل. الأمل بمستقبل أفضل وصحبة جيدة ونجاح قائم. الحياة لا تعني شيئا إذا لم ندرك حقيقة وجودنا فيها وأسلمنا إلى أن لنا أهمية ودورا حيويا وأعددنا من الأهداف ما ننتشي بها إذا حققناها بنجاح.

وأنت ما هو حافزك في الحياة؟