التعليم اللامنهجي سلاح العظماء!!

أتحدث عن نفسي كفتاة أصيبت في رأسها برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي بينما كنت عائدة من المدرسة في الصف الأول الابتدائي

يجهل كثيرٌ من الناس عذوبة التعليم اللامنهجي، فرغم كل إيجابياته في صقل شخصية الموهوبين، من الذين لديهم قدرات خاصة، يصعب اختزالها في “كتاب” أو “منهاج” جامعي أو حتى مدرسي فإن كثير من التربويين والأكاديميين لا يزالون يُقدمون صورة نمطية “عقيمة” عن شخصية الإنسان المتعلم إذ يحصرونه أو يعرفونه “بأنه الحاصل على شهادة جامعية”!

رغم أن هناك من قد يفوقونه ثقافةً واطلاع بل وحضور، وحتى تواصلاً مع مؤسسات المجتمع الذي يقطنه، فمن خلال معايشتي لحالات استثنائية “لموهوبين” وجدتهم يذهبون بشغف إلى مطالعة الكتب الخارجية ليلة ذهابهم إلى الامتحانات في الكتاب أو المنهاج المقرر!!

يقذفون بالكتاب المقرر بعيدًا، فهو في نظرهم عقيم وبلا جدوى، بينما يُقبلون بحماسة على مطالعة الكتب التي تُنمي شخصياتهم وتُوسع مداركهم، ككتب التنمية البشرية، وتلك التي تتعلق بالإدارة السليمة للموارد البشرية قبل اللوجستية!!

التأثير

فهذا الصنف تفوق بنظري على الصنف الذي اتخذ من “المقرر الدراسي” وسيلة للتعلم والتثقيف، فاختصر ثقافته ونبوغه في ذلك، بينما انكب هو على الإبداع والتسلح بخيار الأنشطة التي تُفيد شخصيته الموهوبة وتُغذيها التغذية التي تجعله رياديًا بامتياز، فكان التحاقه المتجدد والنشط بالدورات التدريبية والمشاريع التثقيفية والتوعوية التي تنظمها المؤسسات المختلفة، تلك المؤسسات التي تتبنى نهج إعداد القادة وتخريج فاعلين ومؤثرين في المجالات المختلفة!!

إنه التأثير الذي لا تُعلمه المناهج المقررة، بقدر ما تُغذيه أنشطه المجتمع ومؤسساته المتنوعة، ولا غرابة بحكم اطلاعي أن أجد أكثر المميزين في مجال الإعلام على سبيل المثال من الهواة والموهوبين الذين طوروا مواهبهم ونبوغهم الفطري بالتحاقهم بالدورات ذات العلاقة بمجال نبوغهم!

سلاح الأنشطة اللامنهجية والدورات التدريبية التي تعكف على تنظيمها المؤسسات المختلفة، سلاحٌ مهمٌ لمن حباه الله بعقلٍ مبصر يرى الأمور ويقيسها بزاوية ريادية وحيوية متجددة!

خاصةً وأن بعض المناهج التعليمية بحاجة إلى تطوير يتناسب وبيئة العصر التي تتطلب غزوًا واسعًا ونشطًا لتكنولوجيا المعلومات، إذ على أقسام الإعلام مثلا في الجامعات أن تستحدث مقرر “صحافة الموبايل” تماشيًا مع تكنولوجيا العصر!!

مع أهمية تبني الجانب العملي والابتعاد عن الجانب النظري ما أمكن، والحشو الذي لا جدوى منه، بل لا يجب أن يكون هناك كتاب جامعي معين لطلبة الإعلام فيما يخص الخبر الصحفي، إذ لا يفيدهم عندما يتخرجون ويلتحقون ببيئة العمل أن يعرفوا أن الخبر كُتب بطريقة الهرم المعتدل أم المقلوب، بقدر ما سيهمهم أن يتقنوا كتابته للصحيفة والمذياع والتلفاز!!

لا داعي لجمود المناهج، بل يجب إنتاج مناهج “ولادة” بالإبداع والريادة، تفتح الباب أمام الدارسين نحو الاستكشاف والتواصل والتفاعل بل والتنافس الحقيقي، فلا تلقين ولا كلاشيهات..

الريادة الحقيقية

لا زلت مؤمنة بنظريتي وفلسفتي بأن التعليم الحقيقي لا يقتصر على التعليم الجامعي، فهناك تعليمٌ حيويٌ وبناء اسمه “التعليم اللامنهجي” يتكون من دورات تدريبية وانخراطٍ واسعٍ في المجتمع.

لهذا أطالب باحترام كل من اتخذوا من التحاقهم في الدورات التدريبية سلمًا لهم نحو الريادة وتحقيق أهدافهم في اعتلاء أعالي القمم، مع أهمية ترك الباب أمامهم مفتوحًا دومًا وأبدًا لتمكينهم في المشاركة الواسعة في كل الدورات التي تستهوي شخصياتهم ومواهبهم، فهم وُلدوا ليبقوا حتى الرمق الأخير ينهلون من هذا العِلم الذي أحبوه وفضلوه عن غيره، ووجدوا فيه دواءً لكل ألمٍ عاشوه، وهنا أتحدث عن نفسي كفتاة أصيبت في رأسها برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي بينما كنت عائدة من المدرسة في الصف الأول الابتدائي، إذ عوضني الله بأن ألهمني لخيار التعليم اللامنهجي والالتحاق الواسع بأنشطة المجتمع والدورات التدريبية التي صقلت شخصيتي وجعلتني عنوانا من عناوين التميز لا سيّما في مجال الإذاعة والتلفزيون والتواصل الجماهيري!

هنيئًا لمن أدرك أن الريادة لا يحدها عدم الحصول على شهادة جامعية، بل يحدها عقل متحجر يختزلها في ذلك!!

وأختم بالقول الحياة مدرسة، ومؤسسات المجتمع على اختلافها حافلة بالخبرات والمدارس المختلفة، وهنيئًا لمن خطط وصقل شخصيته وفق ما أكرمه وألهمه الله عز وجل، وهنيئًا لصانع القرار إن احترم العقول الاستثنائية وشغفها نحو إحداث التغيير البناء، التغيير الذي لا يختزل في شهادة جامعية!!