الطفل المتجول

طفلة تعمل في مصنع للطوب "صورة أرشيفية"

“الطفل الذي لم تحتضنه عائلته، سيعود ويحرقها ليشعر بدفئها.” (مثل أفريقي).

لقد صادفت على أعتاب أحد الأماكن العامة طفلا صغير الهيئة وأمارات طفولته ملطخة بويلات العمل على أرصفة الطرقات، يبيع أساور ويعرضها على المارة ببراءة وقد اعترضني فجأة وعرض عليّ أساوره الجلدية فسألته عن السعر وأجاب بأنه يقبل بأي مبلغ كان، فأعطيته من مال الله ودخلت إلى وجهتي. وبعدها بأشهر وجدته مرة أخرى، لم يرني ولكنه حتما كان يبيع أساوره البنية على المارة وقد أشفقت عليه وعلى وجوده في برد الشتاء القارس وذل الطريق وقسوته.

لم يرغب بعضُ الأزواج بإنجاب الأطفال رغم معرفتهم بتردي حالاتهم الاقتصادية؟

الأطفال بُناة المستقبل وحاضره، هم بذرة المجتمع ونتاج أعرافه وتقاليده وتراكماته. إن نشأ في بيئة كئيبة ومريضة سيخرج واحدا منها. وإن نشأ في بيئة صحية ومنفتحة سيخرج شخصًا سويًا واعيًا ومنتجًا.

فنادرًا ما يخرج الطفل عن بيئته الملوثة وإن نجا منها فآثارها النفسية عميقة ودائمًا عنيفة، ترافقه مدى حياته حتى أسلوبه في العيش والتربية يتأثران وتُعاد الدائرة الشريرة من جديد في إنجاب أطفال متأزمين من الحياة وقانطين منها.

ولذلك فإنني لطالما عارضت الإنجاب غير المدروس لأن تبعاته تكون في أحايين كثير سلبية، هذا إن لم تكن مدمرة. فتحمل مسؤولية تنشئة الأطفال في حياة غير مُؤمنة تجعل من حياتهم كارثة أكيدة، مليئة بالحسرة والحرمان وحتى الحسد واللوم.

أتساءل دوما لم يرغب بعضُ الأزواج بإنجاب الأطفال رغم معرفتهم بتردي حالاتهم الاقتصادية ومسؤولياتهم العديدة ورغم إنجابهم مسبقًا لعدد من الأبناء الكبير والتي حتما ستؤثر على ذلك المشروع الجديد/ الطفل.

يظن بعض الأزواج بأن الولد “يأتي ورزقه معه” فلا تقف الحالة الاقتصادية المتردية حائلا

وترجع أسباب الإنجاب المتكرر وغير المدروس للأبناء لعدة أسباب: اجتماعية أو تنبع عن مصلحة ذاتية بحتة، فتظن بعض الزوجات أن إنجاب الأطفال يُقربهن أكثر من أزواجهن فتقول بعضهن إنها طريقة ناجعة “لربط أزواجهن” _على حد تعبيرهن_ بهن على المدى البعيد وتليين قلوبهم تجاههن. فكلما زاد عدد الأطفال كلما ضمنت الزوجة وجوده واستمراره في القفص الذهبي.

وعلى الجانب المقابل يظن بعض الأزواج بأن الولد “يأت ورزقه معه” فلا تقف الحالة الاقتصادية المتردية حائلا لديه أمام تعجيز الحياة أكثر وإنجاب مسؤولية جديدة تقع على كاهل الزوجين، لتبدأ رحلة الشقاء في سبيل طلب لقمة العيش وتراكم الديون. وما إلى ذلك من خزعبلات تقضي على حيوات بريئة كان من الممكن عدم تعريضها لقسوة الحياة ومشاكلها. وتجنيبها عذابات المعيشة المتردية.

الحياة ليست أفلاطونية ولا وردية ولذلك لابد من التخطيط للإنجاب مع توفير كافة احتياجات الأبناء وتوفير بيئة صحية لهم مع الوضع في الاعتبار أن للطفل حقوقا كثيرة يجب أن تُحفظ وتؤمن قبل وبعد ولادته حتى لا يكبر قبل عمره أو يضطر إلى التجوال على أرصفة الطرقات مادًا يديه للمارة مُعرضًا حياته للخطر، أو الأنكى والأمر أن يحرق عائلته ليشعر بدفئها كما تنبأ المثل الأفريقي أعلاه.