كورونا ليس الأخطر على البشرية.. هناك ما هو أخطر

الفنان الفلبيني ليروي نيو ..تصميم أقنعة مؤقتة وسط جائحة فيروس كورونا

“الناس نيامٌ فإذا ماتُوا انتَبَهُوا” ، مقولة للصحابي علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ارتَسَمَت صورتها مجازاً بالمعنى الذي نعاصره ، وأحاطَتْ بالحال الذي وصَلَتْ إليه البشرية ما بين الهلع والخوف والحيطة والحذر منذ أن بدأت الجائحة بالتفشي في أقطار العالم ، بدءاً من أقوى الدول اقتصاداً وسيطرة ، فإنتشاره لا توقِفُهُ حُدودٌ بأقوى حراسة ولا بأكبر القوى الحربية ، ولا حتى بالأخذ بجميع الإحتياطات بكافة أشكالها ، وفي تفشيه في أجساد العابرين نجح في الوصول من دون إذنٍ للعبور في شتى الدول ، ولأول مرةٍ تَتَفق قوى العالم بخيرها وشرِّها ورغماً عن اختلاف سياساتها واعتقاداتها ، ضد ماذا؟!! ضد “كورونا “، نعم فيروس هدَّدَ أغلى ما يملكون، وأعلن انتشاره وسطوته وحكمه على الجميع في أنحاء الكرة الأرضية، وما هو الحل؟! كان الحل الوحيد والبدائي الأصيل هو العزل في البيوت، وإيقاف جميع أشكال الحياة العملية والعلمية وحتى الاجتماعية، فلا علاج بأي شكلٍ من الأشكال ممكن أن يقي منظومة أي دولة إلا بفرض العزل وبتوقف مظاهر الحياة المعتادة فيها للحد من انتشاره.

ماذا لو مرَّ عامان أو أكثر على هذا الوباء؟!..وطال إغلاق المدارس والجامعات وتوقفت مظاهر الإحتفالات

لكن.. ماذا لو انتشر الفيروس بشكل أكبر ولم تتم السيطرة عليه؟!..وماذا لو زادَ العدد لأضعاف المصابين و الموتى؟!..وماذا لو انهارت أكبر القُوى الإقتصادية؟!..ودام إغلاق المطارات وأكبر المهرجانات؟ .. ماذا لو أغلقت حدود الدول ومُنع التنقل والسفر بكافة أشكاله؟!..ماذا لو مرَّ عامان أو أكثر على هذا الوباء؟!..وطال إغلاق المدارس والجامعات وتوقفت مظاهر الإحتفالات والعزاءات، وبات الفرح والعزاء من دون مُشاركة المُحبين؟!..ماذا لو تعطلت أرزاق الناس وتراجعت الأرباح؟!..ماذا لو دام إغلاق المساجد والكنائس؟!..ماذا لو تأخرت أفراح من تجَهَّزَ وتَكَلَّف وانتظر ليلة العمر بفرحته مع الأهل والأحباب؟!..ماذا لو خسر الطلاب عاماً من الدراسة أو أكثر وتأخر التسجيل أو التخريج في الجامعات؟!.. ماذا لو تم دفن وفيات كورونا من دون وداع عائلاتهم وتم دفنهم من دون مراسم ودور عزاءٍ من ضمن احتياطات الحدِّ من انتشاره؟!

أخيراً وبما لم نتوقع اجتمع العالم على أهم ما يمَّس سلامة حياتهم ومصالحهم ابتداءً من الفرد الفقير الذي لا يملك إلا سلامة روحه وقوت يومه؛ وانتهاء بالغني الذي يصُبُّ الخطر على أصل قوته وسطوته وثروته.

لكن الأسئلة التي تدور في ذهني منذ بداية هذه الجائحة وأعلم بيقين قناعتي في الإجابة عن هذه الأسئلة، هو أنه ما مدى الدمار النفسي الذي ستتركه في البشرية ؟!..برأيي لا شيء.. وما مدى الدمار الاقتصادي الذي سيؤول إليه ؟!..وما أكثر حد سيصل له العالم من الأضرار الناتجة عنه؟! الموت؟!.. إفلاسٌ لأكبر الصُروح الاقتصادية؟!..كُلُه سيمضي مع الزمن بحلول سريعة ومدروسة.. والموت ليس بالأسى والحزن الأعظم على البشرية، لا أقولها تهاوناً أو سذاجةً أو تنظيراً مُنمقاً أو حتى من باب الفلسفة التي لا تُجدي لنقطة أريد أن أوصلكم لها.

وكأنَّ كورونا نجمٌ يثير روح الكوميديا بكل أشكالها ، وكان لمجالس الحديث من دون وعي أو تفك

يا سادة..يا من حجرتم على أنفسكم في بيوتٍ دافئة وبتحضيراتٍ لسهرات العطلة غير المعلومة الأجل بكل ما لذَّ وطاب وتصدَّرت النكات وأفكار مُبتكرة لفن الكاريكاتير، وكأنَّ كورونا نجمٌ يثير روح الكوميديا بكل أشكالها ، وكان لمجالس الحديث من دون وعي أو تفكر أو حتى جدية البحث الحقيقي عن المعنى الحقيقي للحياة و التماس ابتلاءات المكروبين على هذه الأرض..ماذا لو رجعنا بذاكرتنا  للأحداث في  الإنتهاكات الإنسانية منذ عُقُود وحتى هذه اللحظات ، ماذا عن وباء المجاعات في الصومال واليمن في الفترة الأخيرة وما ترتب من أوبئة بيئية وأزمات صحية وموت الأطفال والعُجَّز بمنظرٍ يُعيب أنظارنا التي ستشهد علينا على عظامٍ كُسِيَت جلداً جافاً وباهتاً ، العالم كان كله شاهدٌ على ذلك ، والأعداد في تزايد والأمعاء خاوية ، و نحن في بيوتنا نكتفي بأن نتعاطف لدقائق عبر الشاشات ، لنعود لرفاهيتنا بعد أن ننتهي من مشاهدة الخبر العاجل أو الموجز.. ماذا عن مخيمات اللجوء في الصحاري وعلى الحدود تحت شمس الغربات عن نسمات الوطن ، وفي أرضٍ أغرقتها زمهريراً تحت سماء الثلج والمطر الذي لا يُفرق بين سقفٍ متين وخيمة هاوية، ماذا عن العائلات وأطفالها وحرائرها  الذين هربوا خوفاً وهلعاً من ذعر مشهد الدم و القصف والدمار لمدينتهم و أحيائهم وفراق أحبابهم والأذى الذي لحق بأجساد وأرواح فلذاتهم، مُتحسرين على أطلال ذكرياتهم في الخيالات، هرباً في طرقات الحر والبرد والجوع والخوف إلى خيمات اللجوء البشعة التي لا تحترم أقل الخصوصيات والاحتياجات الإنسانية، يحيطهم سياجٌ يفصلهم عن العالم الآخر ،وما أقصده بالآخر نحن الآمنون المُنطلقون لتحقيق الأماني ، وآخرون تقطعت بهم السبل على حدود اللجوء من دون خيمة وبدون أدنى احترامٍ لإنسانيتهم المُرهقة الباحثة عن أمل خلف الحدود ، ماذا عن الأطفال الذين عايشوا كل ذلك وأكثر بشاعةً مما ذكرت من الانتهاكات الإنسانية ؟!..ماذا عن من وُلدوا في رحم القهر والفقر وبشاعة الخيمة وبعيداً عن معاني البيت والعائلة والحي والوطن؟! ماذا تبَقى من إنسانيتهم السويْة الفطرة؟!.. ماذا كَوَّنت وأسست الحروب في طفولتهم لتُبْنَى عليها أحلامهم؟! .. أي طفولة سوية؟!.. وأي عقل سَيَعي لطفلٍ عايش كل ذلك؟!.. ماذا عن زنازين الظلام والظلم للأطفال والنساء ممن يدافع عن إنسانيته وكرامته وبيته ووطنه؟! ماذا تبقى لهم من معاني التشبث بالحلم والحياة؟! ..ماذا عن إنتهاكات الجماعات والأقليات المسلمة في الإيجور وبورما  حرقاً و دهساً و تنكيلاً من دون شفقة أو رحمة حتى على أطفالهم ؟!..وغيرها الكثير الكثير من أوبئة القهر و الظلم و حرق أرواحهم مما يقع على هذه الأرض المشتعلة بالظلم ، لكن..أين أقوى اقتصادات العالم لمحو المجاعات؟!..أين هي الجيوش القوية المؤمنه بالحق لتمحو الباطل ؟!..أم أن هذا فقط في فضاءات قصص الأبطال و حكايات المدينة الفاضلة؟!..أم أنَّ الحقّ المُطلق الذي سَيُنهي الشر ويحاسب أتباعه فقط في قصص الرسوم المتحركة التي عشناها في طفولتنا وأحرقتها حقائق السنين العجاف في كِبَرِنا..والحق والعدل قائم لا ريب فيه من عند ربٍ عزيزٍ جبارٍ حكيم..

أعتقد يقيناً أن الخطر الأكبر على بشريتنا ليس فيروس كورونا، حتى وإن فتك بثلثي أهل الأرض موتاً وأسقط باقتصادات العالم إفلاساً، الخطر الأكبر وباءً هو قوى الأرض شراً ووإنتهاكاً لأساس تكوين الإنسان بحفظ إنسانيته بكل بتكوينها الروحي والقلبي والجسدي والمعنوي السوي السليم..

يا سادة.. فيروس كورونا بعد أن نتخطاه على خير ونهزمه، فلن يترك في نفوسنا حقداً وألماً أو تشوهاً في ذكرياتنا، لكن يكفي لحروبٍ ومجاعات وتهجير وخيمة قميئة وانتهاكات زنزانة أن تخلق طفلاً ربما سيكون بظروف تكوينه وتجاربه مُجرماً أو إنساناً غير سوي، أو بطلاً أنقذ بقاياه ليعيش حراً مُختلفاً مُؤمناً لِيَسْمُو من علائق الطين لسلام السماء.

حَقَاً أنا مَدينةٌ لهذا الفيروس بشيء، أنه مُحاربٌ عادلٌ ضد البشرية أجمع، لم يُفَرِق بين ظالمٍ ومظلوم، بين سيدٍ وإنسانٍ استعبده سيده، بين الضحية والجلاد، بين كُل الأضداد، كان ضد كُل شيء ولا شيءٌ يُستثنى، عندها فقط اتَحَدَتْ واتفقت قُوى العالم أجمع لمواجهته، ولكُل إنسان رسالةٌ مختلفة يلقيها كورونا في قلبه ووعيه. كُلٌ حسب بصيرته ودوره الذي اختاره في هذه الحياة.. لا أهوِّن من الوباء الذي نمر به، لكن ما كان من أحداثٍ إنسانية مؤلمة أعظم فتكاً بغيرنا، لعلها لسعة ولكلٍ منا عبرة.. أو عابرٌ بدون أي عبرة وعندها هذا السقوط والوباء الأعظم.

يقول رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم:

((أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ، يأكُلُ مِنْهَا الْبرّ والْفَاجر، ألاَ وإنّ الآخِرَةَ أجلٌ صَادِقٌ، يَقْضِي فِيهاَ مَلِكٌ قَادِرٌ، ألاَ وإنَّ الْخَيْرَ كُلَّه بِحَذَافِيرهِ في الْجنَّةِ ، ألاَ وإنَّ الْشّرَ كُلَّه بِحَذَافِيرهِ في النّارِ ، ألاَ فاعْلَمُوا ، وأنْتُمْ مِنَ اللَّهِ عَلَى حَذر ، واعْلَموا أنَّكُمْ مُعْرَضون عَلَى أعمَالكم ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَه ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّا يَرَه)) .