الثورة السورية في عقدها الأول!

تدمير سوريا

أوشكت الثورة السورية على إتمام عقدها الأول، أطفال الثورة أصبحوا رجالاً ونساء انتشروا في رقعة واسعة من العالم بعد أن أصبحوا ملاحقين. هي ملحمة بكل معنى الكلمة وستفرد لها كتب التاريخ لاحقا صفحات كثيرة حتى تتمكن من شرح كل ما حدث. لكن، هل ستأخذ الثورة السورية حقها من الاهتمام والشرح؟ بعد عقود من الآن هل ستكون الصورة أوضح أمامنا كسوريين وأمام والعالم على حد سواء؟

بعد قرابة عشر سنوات من انطلاق الأحداث في سوريا… أين نحن الآن؟ أقول أحداث لأن شكل الثورة تغير مع الوقت، مظاهرات ثم مواجهات ثم قتال عسكري وسياسي على كافة الأصعدة.

وصف “المعقد” هو وصف منصف جداً في سوريا، وهناك عدة عوامل ساعدت في تعقيد الوضع.

أهلا بكم في أحد أكثر الملفات تعقيدا في المنطقة…

وصف “المعقد” هو وصف منصف جداً في سوريا، وهناك عدة عوامل ساعدت في تعقيد الوضع.

أولا: كثرة الأطراف القوية الفاعلة داخل الأراضي السورية. الدول الكبيرة أصبحت موجودة بكل ثقلها وعساكرها وعتادها وليس فقط عن طريق عملائها الذين كانوا موجودين من اليوم الأول للثورة السورية. كل دولة من هذه الدول لها مشروعها الخاص الذي يخدمها وقلة قليلة من هذه الدول تتطابق مشاريعها مع تطلعات الشعب السوري.

ثانيا: عدم قدرة أي طرف من الأطراف على أن يفرض مشروعه سواء سياسيا أو حتى عسكرياً

ثالثا: مستوى العنف والدمار الذي حصل في كل زاوية من زوايا سوريا، ويكاد المرء لا يصدق حجم هذا الدمار الذي يشبه ما حصل في الحربين العالميتين الأولى والثانية في بعض المدن حول العالم. دماء كثيرة روت الأرض السورية والبنية الاجتماعية والديموغرافية تعرضت لإعصار كبير.

رابعاً: السوريون بكل مكوناتهم وتوجهاتهم هم الحلقة الأضعف، حجم الاختراقات بين صفوف السوريين الذي حصل في كل الملفات السياسية والعسكرية والإعلامية والإنسانية يجعل السوري يهرب من أخيه وأبيه.

هذه أهم العوامل التي جعلت الملف السوري من أكثر الملفات تعقيداً وأدت إلى كون حسابات اللاعبين الأساسين في هذا الملف معقدة ومركبة إذ أن نفس اللاعبين في الملف السوري هم أيضاً المؤثرين في الملفات الإقليمية الأخرى بداية من ليبيا انتهاء بأذربيجان مروراً بتحديات غاز المتوسط.

لعل سياسة “اللاحدث” هي أهم ما يميز الملف السوري في عام ٢٠٢٠

لهذا اتسم عام ٢٠٢٠ بسياسة “اللاحدث”؟ وهي ظاهرة موجودة وقديمة قدم التاريخ لكن ارتأيت أن أضع لها هذا الوصف. وهي لا تختلف كثيرا عن سياسة “الصمت” أو سياسة “التجاهل” أو حتى سياسة “الاختفاء” التي قد يلجأ إليها بعض الأشخاص والمؤسسات والدول في مواجهة أحداث مهمة تتعرض لها.

لعل سياسة “اللاحدث” هي أهم ما يميز الملف السوري في عام ٢٠٢٠، ليس لأنه لم يحصل أي شيء في سوريا، بل لأن الأحداث التي وقعت لم تصل إلى مستوى يؤثر بشكل كبير على سير القضية سواء إيجابيا أو سلبيا. و لأن الإعلام ربما نسي أو تجاهل هذا البلد الذي تمكن من التربع على رأس الأخبار في السنوات التسع الماضية. فعام ٢٠٢٠ اتسم بسياسة “التطنيش” الإعلامي لهذا الملف المحوري فاق كل التوقعات، وأصبح السوريون فقط هم من يتكلمون عن ما يحصل معهم.

على الرغم من أن داخل الأراضي السورية لم تشهد تطورات مهمة وخطيرة، إلا أن محيط سوريا شهد عدة أحداث ربما تسببت بشكل أو بآخر إلى حدوث ظاهرة التجميد التي حصلت في سوريا خلال هذا العام.

من خلال هذا التجميد حافظت الأطراف المنخرطة بكل قوة في سوريا على وجودها الكثيف وحافظت على مكاسبها، لكن المواجهة بين هذه الأطراف حصلت في ساحات أخرى غير سوريا.

أمريكا انشغلت بانتخاب رئيسها القادم، وترامب نفسه انشغل بتحقيق مكاسب سياسية سريعة له لكن لم تكن سوريا على قائمة مشاريعه العاجلة التي كان عليه تحقيق تطور فيها قبل انتهاء فترة رئاسته.

إيران التي كانت موجودة بقوة في سوريا وبشكل فاضح وجريء وتتباهى بأنها موجودة بشكل “قانوني” تعرضت في الفترة الأخيرة لعدة ضربات أهمها مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني والقصف الإسرائيلي لعدة مواقع عسكرية تابعة لها في سوريا فضلا عن المزاحمة الروسية لإيران على مواقع وملفات التأثير داخل سوريا .

كل هذا دفع إيران لتغيير طريقة عملها في سوريا عن طريق التسلل داخل المجتمع السوري في كل مفاصله تحت مسميات متعددة مثل وحدات الحماية أو الخبراء و الميليشيات. فاتسمت ٢٠٢٠ وحتى ٢٠١٩ بالنسبة إلى إيران بتغيير قواعد لعبتها والاستماتة في المحافظة على مواقعها في المجتمع والجيش والقيادة في سوريا على حد سواء. انتشرت أذرعتها في النسيج السوري كالسرطان في الجسد.

الفائز الأكبر حتى الآن هو إسرائيل فما زال أمنها محفوظا وهي تضرب إيران وحزب الله وكل التابعين لها داخل الأراضي السورية كلما شاءت

المسار السياسي أو الأصح “المسارات” السياسية في سوريا كانت نائمة معظم العام ٢٠٢٠. ولعل مسار أستانا كان هو الناشط على الساحة حتى نهاية ٢٠١٩ لكنه هو أيضا توقف مؤقتا بسبب المواجهة التي حصلت بين تركيا وروسيا في كل من ليبيا و أذربيجان وأرمينيا. فكان على أنقرة و موسكو ترتيب الأوراق في هذه الساحات وشكل التفاهمات في هذه الساحات الجديدة لابد وأن ينعكس في سوريا فهي الأرض الوحيدة التي يتواجه فيها الجيشان التركي والروسي بشكل مباشر.

الفائز الأكبر حتى الآن هي إسرائيل فما زال أمنها محفوظا وهي تضرب إيران وحزب الله وكل التابعين لها داخل الأراضي السورية كلما شاءت. هذا طبعا إلى جانب ملف التطبيع مع إسرائيل.

ولا ننسى هنا طبعا جائحة كورونا التي جاءت لتزيد من الطين بلة (ربما تكون نعمة والله أدرى بذلك)، وأصبح الفيروس هو عدو العالم أجمع مما جعل القضية السورية أيضا خارج التغطية الإخبارية.

لا يجب على السوري أن يشعر بالعجز نتيجة عدم قدرته على متابعة المسارات السياسية في سوريا، فهذا أمر مقصود، وضروري للسوري وغير السوري أن يتوه في تفاصيل كثيرة في المسارات السياسية، من لجنة دستورية وتفاهمات نقاط مراقبة و السلال الأربعة وقرارات الأمم المتحدة الكثيرة والمبادئ والأطر واللجان وجنيف وأستانا ومنصات المعارضة الروسية والمصرية وغيرها ومؤسسات مجتمع مدني مدعومة بشكل شبه كامل من الخارج وتخضع لشروط الداعم.

لذلك أحب أن أطمئن كل سوري أن كل هذه المسارات هي فعلا تحاول إيجاد مخرج مرضي لمعظم الأطراف المنخرطة في هذه المسارات. لكن ليس بالضرورة لمصلحة الشعب السوري الذي عليه أن يبحث عن مصلحته ويجمع كلمته.

نهاية على الرغم من أن ٢٠٢٠ كان عام اللاحدث في سوريا إلا أنه كما يبدو لم يكن كذلك داخل الغرف المغلفة للمؤثرين في الملف. السؤال هنا: هل ينتظر الشارع السوري خطط الفاعلين الدوليين في سوريا أم يتحرك وحده ويكمل الطريق؟