تحت حكم المافيا

عجوز صقلية تهرول في الطرقات صارخة الموت للفرنسيين، فقد اختطفوا ابنتها العروس ليلة زفافها، اشعلت صرخات الأم الغيرة والغضب في نفوس الرجال التي دنست تلك الجريمة شرفهم جميعا.
هكذا تروي القصص كيف تشكلت المافيا ورغم اختلاف الروايات إلا أن جميعها كان هدفها مواجهة العدو ر                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                          وانتقاما من الفرنسيين الغزاة قامت مجموعة من الصقليين بعمل منظمة سرية لقتل هؤلاء الجنود واتخذوا من صرخات الأم الثكلى شعارا لهم(Morte Alaa Francia Italia) أو”موت الفرنسيين صرخة إيطالية “
هل عرفتم من هم؟ أنهم المافيا Mafia
ولأن دوام الحال من المحال فبمرور الوقت تحولوا من منظمة لقتل المحتل إلى منظمة تحمي الفقراء من جور الأغنياء نظير المال، ثم غدت قوة اقتصادية وسياسية واجتماعية وانتشرت بكل العالم ؛ وصارت تدير اقتصادات ضخمة توازي اقتصاد بعض الدول.
 ولم يعد أعضاؤها من الخارجين على القانون بل ضمت أفرادا من كل طبقات المجتمع؛ حتى الطبقات الحاكمة، فأصبحت المافيا محركا للعديد من رجال الأعمال وأفراد من الحكومات وأصحاب النفوذ .
هؤلاء الأفراد جميعا يخضعون لقانون ودساتير صارمة ،ودقيقة تنظم عملهم والخروج على تلك الأنظمة عقوبته القتل.
 فالنفوذ والمال والقوة التي يتمتع بها أفراد العصابة يقابلها ولاء أعمى وانتماء بلا حدود، فالعلاقة بين أفرادها شديدة التعقيد ومترابطة إلى أقصى الحدود مهما إختلفت المصالح يبقى الولاء قائم وإلى الأبد.

المافيا

فكما أن القتل هو عقاب الخروج على قانون المافيا أو الخروج من التنظيم، فإن الدخول فيها يشترط الدم فلكي تكون فردا معتبرا ذا مكانة مرموقة في العائلة لابد أن تصبح قاتلا، فالدم هو القربان الوحيد فليس بعد القتل ذنب.

في البداية كان نشاط المافيا مقتصرا على الأعمال القذرة من تجارة المخدرات والسلاح والدعارة وصالات القمار، ولكنه أصبح الآن منتشراً في كل المجالات التجارية العالمية الهادفة للربح وأخرى هدفها تشكيل أدوات ضغط كالقنوات الإعلامية والجرائد وأيضا بعض السياسيين وكونت شركات عالمية عملاقة عابرة للقارات.

هكذا خرجت المافيا من كونها فكرة صغيرة لتشكيل عصابي في جزيرة فقيرة إلى أسلوب حياة يرعاه وينظمه ويضع قوانينه النظام العالمي فيستبدل المجرمين وقطاع الطرق بالسياسيين والحكام والعسكريين ورجال الدولة والإعلامين والكتاب والمفكرين ورجال الأعمال والقضاة والشرطة، ويضيف لتجارة المخدرات والسلاح والدعارة أنشطة ومجالات كثيرة أخرى أهمها وأخطرها هي مافيا الحكام الذين يتم اختيارهم بدقة متناهية وعليهم أيضاً أن يقدموا قربان الولاء والخضوع للانضمام وهو قربان الدم.

ومصر خير دليل فمنذ انقلاب ١٩٥٢ والعسكر الذين أجلسهم النظام العالمي على كرسي الحكم يسفكون على مذبحه دمائنا.
حتى جاءت ثورة يناير التي ظن مساكين الشعب من الحالمين أنهم خرجوا من شرنقة العبودية لفضاء الحرية، ولكن سريعا ما استفاقوا من الحلم، على حكم المجلس العسكري الذي بدأ عهدا من المذابح التي لم يختبرها المصريون من قبل فكانت مذابح (محمد محمود- ماسبيرو-العباسية- بورسعيد)
لتأتي بعدهم على استحياء عروسُ الديمقراطيةِ مخضباً ثوبُها بدم كل من ذُبحوا مهرا لها، لكن وبصيف ٢٠١٣ تكررت مأساة فتاة صقلية فاختطفت أثناء عرسها، الديمقراطية التي ثار وقتل الشعب من أجلها ليغتصب حكم مصر محتل عسكري جديد، أوغل في دم المصريين كما لم يفعل أحد من قبله؛ ولا حتى المحتلين الأجانب، فكانت أبشع مذابح العصر الحديث
(رابعة – الحرس الجمهوري -النهضة- رمسيس-عربة الترحيلات) مئات قتلوا خارج نطاق القانون-عشرات أعدموا بمحاكمات هزلية- الآلاف أُخفوا  قسريا ولا يعرف مصيرهم !!
الآلاف المعتقلين ويسقط منهم المئات بسبب  الإهمال الطبي- تهجير وتصفية أهل سيناء-وما زال القوس مفتوح.

هذا هو قربان الدم الذي قدمه حكام مصر لينالوا رضا المافيا التي تحكمهم ، وفي المقابل أصبح كل منهم رأسا لعائلة جديدة من المافيا وعصابة جديدة ليقوم باختيار رجاله الذين يقدمون له نفس قربان الدم والولاء الذي قدمه هو من قبل، وهكذا أصبحت البلاد تحكمها سلسلة من العصابات متسلسلة في شكل عناقيد من الشر ترجع إلى رأس واحده لا تتورع في الولوغ في دمائنا.

كذا غرقنا نحن كشعب في دمائنا بين قربان‌‌ٍ وقربان لتدار البلاد ومؤسساتها عن طريق الجالس على الكرسي ورجاله.

وكل فرد يحمى كيانة باستماتة حيث إنه قد تورط معهم من رأسه حتى أخمص قدميه.  فالكل يحمى نفسه وكيانه ورأس نظامه.
وهكذا غرقنا نحن كشعب في دمائنا بين قربان‌‌ٍ وقربان، لتدار البلاد ومؤسساتها عن طريق الجالس على الكرسي ورجاله.
فأصبحت كل مؤسسة منظومة صغيرة للمافيا، الجميع غمست أيدهم في دم القرابين، الجميع لا يمكنه مغادرة المافيا ولابد أن يستمر وإلا كان هو القربان فالدائرة تدور…لا تتوقف ولا ترحم.

وهكذا تستمر المافيا في إدارة شئون البلاد، والشعب يهرول في الطرقات كالعجوز الثكلى يبكي ثورته التي خطفت ووطنه الذي اغتصب وحياته التي انتهكت.

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها