لماذا ننتج جنرالات ولا ننتج علماء؟!

حاملة الطائرات "يو إس إس" جورج واشنطن CVN 73 في بحر الصين الشرقي

هناك خطة تعتمد نظام إنتاج العلماء لننتقل انتقالة نوعية (كما فعل اليابان) ونتوجه إلى إنشاء مدارس خاصة للموهوبين لولادة عصر علمي

منذ عقود والحكومات التي مضت، ومن بين هذه الحكومات حكومة صدام حسين، كانت مراكز الاهتمام الحكومي التي يتم العمل عليها بشكل مباشر هي المؤسسة العسكري، وإنتاج قادة عسكريين، وعلى هذا الأساس احتل الجيش العراقي مراكز ممتازة من التصنيفات العسكرية عالميا وعربيا إذ احتل المرتبة ٤٧ عالميا و الرابع عربيا وفقا لتصنيف “غلوبال فاير باور” لأقوى جيوش العالم لعام ٢٠١٩.

ويعود فضل هذه المراكز إلى إمكانيات القادة العسكر القائمين على إدارة هذه المؤسسة العريقة، والجميع يعتبر إنجازات كهذه هي محط “تفاخر” و “اهتمام” (أكثر من غيره)،  فنحن كعرب نميل إلى قوة الجيوش وصرامة القادة و الخشونة في الحكم (ونعزي الأمر إلى الطبيعة العربية) أكثر من الحكم الليبرالي مثلا.

والعراق بشكل خاص ينتج قادة عساكر رفيعي المستوى والإمكانيات العقلية العسكرية، فاليوم في العراق عدد القادة برتب رفيعة أعدادهم كبيرة جدا ولا أخطئ إن قلت أصبح عدد القادة اليوم ثلاثة أضعاف القادة في العراق قبل ٣٠ عاما.

معسكر التاجي الجيش العراقي تدريب أرشي

لكن لماذا ننتج هذا الكم الهائل من القادة العساكر ولا ننتج ربع عددهم من علماء؟ استغرب من الأمة التي لا تعتبر من تجارب الآخرين، فاليابان خير مثال؛ فقد كانت واحدة من الدول الاستعمارية الاستبدادية، وكانت ثقل اهتمامها يقع على تسليح الجيش وإنتاج قادة عساكر لإدارة الحروب وعلى هذا احتلت الكوريتين وهونغ كونغ وميانمار وفيتنام و تايلاند والفلبين وماليزيا وسنغافورة و إندونيسيا فضلا عن أجزاء كبيرة من الصين .

و كان الجيش الياباني جيشا متوحشا لا يعرف الرحمة حيث قُدر عدد القتلى خلال احتلاله للدول بحدود ٣٠ مليون شخص.

إلا أن بعد الحرب العالمية الثانية و القنبلتين الذريتين رفعت اليابان يد الاستسلام عام ١٩٤٥، بعدها تيقن اليابانيون؛ أن إنتاج القادة عمل لا جدوى منه الا استمرار الخسائر البشرية والمادية والسمعة السيئة عالميا.

فاعتمدوا سياسة جديدة (سياسة إنتاج العلماء) عن سياسة إنتاج القادة العساكر وهذه السياسة أحدثت نقلة نوعية للعالم أجمع ليس فقط لليابان، فاليابان اليوم هي أحد أهم الركائز العلمية للعالم إذ احتلت مراكز رفيعة علمياً على مستوى العالم.

و كان الجيش الياباني جيش متوحش لا يعرف الرحمة حيث قُدر عدد القتلى الذين سقطوا على يد احتلالات الجيش الياباني المتواصلة بحدود ٣٠ مليون شخص.

فاليوم الشعوب المتحضرة تعمل على إنتاج علماء فنحن اليوم “أبناء التكنولوجيا” والصراع الجديد هو “صراع التكنولوجيا”، والمنافسة هي “كم عالم لديك؟” ولكي يتسنى لك دخول مضمار المنافسة يجب أن تكون مدجج بالعلماء والتكنولوجيا، ولا أخفيكم نحن لا نستطيع دخول هذا المضمار ولا حتى نقعد متفرجين من بعيد.

فالحكومة السويدية عقدت اجتماع لبحث فيه عن سبب تراجع السويد عن استحواذ جوائز نوبل، والولايات المتحدة الامريكية تضع خطط للبقاء في المرتبة رقم واحد في عدد المخترعين وعدد براءات الاختراع (وهناك تنافس قوي مع اليابان)، حيث وصل عدد براءات الاختراع للولايات المتحدة الامريكية ١٩٧,٠١٩ براءة اختراع لتليها اليابان بعدد ١٨٥,٨٢٧ حسب موقع  World Intellectual Property Organization ” WIPO”

فلماذا لا نعتبر اليابان وامريكا وبريطانيا والدول المتقدمة قدوة للرقي العلمي؟!

اليوم المجتمعات بعلمائها لا بقادتها العسكريين، اليوم من يقود العالم هو العلم أما السلاح ليس أكثر من وسيلة دفاعية، فجيش اليابان الإمبراطوري العرمرم (في الماضي) أصبح اليوم يسمى (قوات الدفاع الذاتي اليابانية) وواجبه يقع على حماية الأرض اليابانية من الهجمات الخارجية (لا أكثر) أما على مستوى العلم فهم اليوم (كوكب اليابان).

كل البلدان المتقدمة تعتمد هذا النظام، إذن لماذا لا نعتمده نحن أيضا؛ فلماذا لا ننشأ مدرسة خاصة للموهوبين وتنمية قدراتهم العقلية لنحصل على علماء ننافس بهم؟لماذا لا نعتبر العلماء ثروة وطنية؟

اليوم لا يمكن أن نقود العالم بالبزة العسكرية كان هذا يجوز لو كنا في القرن التاسع عشر أو ما قبله، لكن نحن اليوم في قرن الواحد والعشرين حيث تتعامل الدول المتقدمة مع نوبل والاختراعات والفضاء، لا مع الكلاشنكوف والمدافع متوسطة المدى وبعيدة المدى.

لماذا لا نعتمد نظام إنتاج العلماء؟

كل البلدان المتقدمة تعتمد هذا النظام، إذن لماذا لا نعتمده نحن أيضا.
لماذا لا ننشأ مدرسة خاصة للموهوبين وتنمية قدراتهم العقلية لنحصل على علماء ننافس بهم؟
لماذا لا نعتبر العلماء ثروة وطنية؟
لماذا لا نسلط الضوء على العلم وإبرام إتفاقيات مع الدول المتقدمة ونقل خبراتهم بقدر العقود والاتفاقيات التي تُبرم لشراء السلاح؟
لماذا لا نفّعل نظام تعليمي يراعي الفروق العقلية؟ (فكل الدول المتقدمة تفعل ذلك).

وهل تعلم أن عالم واحد أقوى من فرقة مدرعة؟  هناك خطة تعتمد نظام إنتاج العلماء لننتقل انتقالة نوعية (كما فعل اليابان)  ونتوجه إلى إنشاء مدارس خاصة للموهوبين لولادة عصر علمي، أما العصور العسكرية فقد ولى عليها الدهر وأصبحت من الماضي؛ وأنت هل تعتبر إنتاج العلماء أثمر من إنتاج القادة العساكر؟

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها